من كرمه تعالى أنه لا يحمد ذاته العلية ولا يمتن على عباده
بعقاب، فهو تعالى لم يقل مثلًا (الحمد لله الذى خلق الجحيم)، كما لم يقل مثلًا (الحمد
لله الذى خلق سوء المصير). كل آيات الحمد والمن، هى آيات تبشر بنعم عظمى،
وتظهر قدرته تعالى على تأليف القلوب، ومن نعمه تعالى على عبادة، نعمة الزواج، ودع عنك
ما يخوض فيه الخائضون الذين يبغونها عوجًا أو يريدونها «سداحًا مداحًا»، حيث لا مسئولية
ولا قيد، بل الفوضى البغيضة، ودع عنك الذين فشلوا فى الزواج لأسباب تخص طريقة تفكيرهم
ونمط معيشتهم، فإذا بهم يشعلون النار تحت أقدام تلك النعمة العظيمة.
يقول مولانا عز وجل: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ
مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً
وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ».
فى هذه الآية جلية المعنى نجد النعمة مجسدة ، فالمرأة هى
فى الحقيقة من ذات طينة الخلق التى خلق الله منها الرجل، وهذا يعنى أن المرأة والرجل
أخوان شقيقان، ولا فضل لأحدهما على الآخر فى عملية الخلق الأولى، وتخيل نفسك وأنت متزوج
من غير جنسك، طبعًا هناك بعض المختلين والمختلات الذين نرى الواحد منهم يعلن زواجه
من شجرة، كما فعلت امرأة بريطانية قبل أسابيع!
ثم فى الآية الكريمة المنهج الحق لتكوين الأسرة، إنه منهج
المودة والرحمة، وليس المشاعر الملتهبة التى تبهت شعلتها بفعل التعود، لا حب فى الآية،
وذلك لأننا جميعًا حتى السفاح منا يستطيع أن يكون حبيبًا ومحبوبًا، ولكن الود والرحمة
أمران لا يستطيعهما إلا أصحاب النفوس العالية الشريفة، ولذا فما أصدق تلك الكلمة التى
تقول «الحب سيأتى بعد الزواج»، الذين يشنعون على هذه الكلمة الحكيمة لم يفقهوا معنى
الزواج، فلو كانت هناك مودة ورحمة فالحب قادم لا محالة، ولكن لو كان هناك الحب، ثم لم تكن الرحمة والمودة، فالحب
سيقع قتيلًا تحت الأقدام لا محالة.
تلك المعانى الجليلة لمؤسسة الزواج تتعرض هذه الأيام لصرعة
جديدة اسمها «تجميد البويضات».
فالفتاة التى لا تريد الزواج فى شبابها حرصًا على وظيفتها
أو جسدها أو لأى أمر يخصها، تقوم بتجميد بويضاتها، ثم عندما ترغب فى الزواج فى أى سن
تريد يقوم الأطباء بفك التجميد، فتحمل من زوجها!
دفاع اللواتى يفعلن هذا قائم على جملة واحدة: «نريد الأمومة..
ولكن نخشى الخلافات مع الزوج».
ما هذا المنطق؟ إنه منطق السوء الذى يفترض الفشل بداية، ثم
هو منطق الحصول على المنفعة، وكأن الرجل آلة تلقيح لا أكثر ولا أقل، أين الأسرة وتكوينها
وعبء الدفاع عنها وتحمل مسئولياتها؟.
الأمر عند هؤلاء لا يتجاوز عملية التخصيب، ثم الفرار من آلة
التخصيب متى تحرك الجنين فى بطنها.
العالم الدكتور محمد
أبو الغار، أستاذ التوليد والمتخصص فى أطفال الأنابيب وتجميد البويضات، قال فى تصريحات
صحفية: إن الحالات التى يجوز فيها تجميد البويضات حالتان، الأولى تتمثل فى الأحوال
المرضية، بمعنى وجود سيدة مصابة بمرض سرطان فى الدم الذى تتعرض له الفتيات الصغيرة
والسيدات الصغيرة فى السن، وفى هذه الحالة لو حصلت على العلاج الكيماوى، يتم تدمير
المبيض بالكامل، وبالتالى يستحيل الحمل بسبب انقطاع العادة، ويتم التعامل فى هذه الحالة
من خلال تجميد البويضات، وعند الزواج يتم فك البويضات المجمدة وتخصيبها من زوجها ثم
نقل الجنين داخل الرحم.
الحالة الثانية، تتعلق بأى امرأة بلغت من العمر 35 سنة، حيث
يكون لديها حالة قلق شديد من كونها بعد مرور عدة سنوات تقل الخصوبة لديها بنسبة كبيرة
مع دخولها فى عمر الأربعينيات، ومن ثم تلجأ إلى تخزين البويضات وتجميدها، ومن ثم يتم
إعطاؤها الدواء وشفط البويضات خارج الجسم وتجميدها، وعندما تتزوج فى أى سن يتم استخدام
تلك البويضات، حيث أن تلك البويضات يعتبر عمرها من عمر شفطها فلو تم شفطها وسن السيدة
35 عامًا، تظل كذلك حتى لو تم استخدامها وعمر السيدة 40 عامًا.
معنى كلام الرجل العالم المتخصص أن الأمر كله محكوم بعاملين
اثنين فقط، وليس بالهوى، بحيث تقرر إحداهن الحمل متى شاءت جاعلة من زوجها مجرد مخصب،
وهادمة معنى المودة والرحمة وبناء الأسرة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة صوت الأمة
السبت، 14 سبتمبر 2019 01:27 م