الأربعاء، 12 مارس 2025

محمد بن أبي بكر.. فاتح بيوت اللصوص!

 

تعمدت ذكر اسمه لكي يسأل القارئ الكريم نفسه: من هذا؟

ـ إنه محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حَرِيز.

ـ هل عرفته؟

ـ إنه ابن قيم الجوزية أو ابن القيم.

 الجوزية مدرسة من أقدم مدارس دمشق، وكان أبوه قيمًا عليها، ناظرًا أو مديرًا، بلغتنا المعاصرة، فأصبح ابنه محمد ابن القيم.

اتفقت الكتب التي ترجمت لابن القَيِّم على أن مولده كان في سنة إحدى وتسعين وستمائة هجرية.

أما عن مكان ولادته فهم يذكرون مكانين، إما جنوب سوريا وإما دمشق.

شأن أقرانه ـ خاصة وهو ابن عالم من العلماء ـ حفظ ابن القيم القرآن، وكان ظاهرًا لكل من يجالسه أنه سيمضي لأبعد من حفظ القرآن والأحاديث.

وذلك لأنه كان هادئًا هدوء الذي أتخذ بشأن حياته كلها قرارات حاسمة.

كانت أبرز قرارات ابن القيم بشأن حياته هي

الأول: أن يتتلمذ على أيدي أبرز علماء زمانه، وقد فعل ذلك.

قال الذين ترجموا له: إن عدد أساتذته ومشايخه الذين تلقي العلم عليهم كانوا أكثر من خمسة وعشرين عالمًا، وكان أبرزهم الشيخ الفقيه ابن تيمية، الذي سيلعب أخطر الأدوار في حياته ابن القيم، كما سنذكر ذلك بعد قليل.

القرار الثاني: الانقطاع للعلم، وكتابته، ومطالعته، وكيف لا يكون شديد الحب للعلم، شديد التعلق به، وهو القائل: "النَّهْمَةُ في العلم، وعدم الشبع منه من لوازم الإيمان، وأوصاف المؤمنين".

القرار الثالث: أن يكون جريئًا وصلبًا في دين الله، ويصدع بالحق؛ ولا يحابي أحدًا فيما يعتقد أنه الحق، ولا يخشى في الله لومة لائم. القرار الرابع: أن يكون متجردًا في أبحاثه العلمية من كل هوًى نفسي، أو غرض ذاتي شخصي، وإنما كان يبتغي الوصول إلى الحق والصواب، ولو ظهر هذا الحق على لسان غيره.

القرار الخامس والأخير: أن يحتمل كل ما ستجلبه عليه القرارات السابقة من متاعب ومحن يقابلها صابرًا محتسبًا.

ليس هناك مجال لأن يقول قائل بأن زمن ابن القيم كان مختلفًا، بمعني أنه كان أفضل من زماننا هذا، الحقيقة أن زمنه كان أسوأ وبمراحل كثيرة وكبيرة من أيامنا هذه.

كان الإعصار التتري يضرب كل أرض المسلمين والعرب وكان شيخه المباشر وأستاذه الكبير ابن تيمية يجد ما هو فوق العناء لكي يقنع الناس بجواز قتال التتار، أقول بجواز وليس بفرض أو وجوب قتال التتار.

وأصل القصة أن دارسي التاريخ يعرفون معركة باسم (مرج الصفّر) بوصفها إحدى ثالث أكبر معركة جربت بين المسلمين والتتار، مسلمو سوريا أحسوا بقدوم التتار فهاجروا إلى مصر والبلاد المحيطة (كما يحدث الآن) وبقيت جماعة تقاوم، المقاومون كانوا يقاومون علي أمل أن الجيش المصري سيصل الشام سريعًا لكي ينقذها من أيدي التتار.

تأخر وصول الجيش المصري، فبدأ التراجع المزري والوضيع، إنه ذلك التراجع الذي يبحث في الدين عن سبب لمهادنة العدو أو الاستسلام له!

قال المرجفون في المدينة: كيف نقاتل التتار وقد أسلموا؟

هنا ابن تيمية للمرجفين وكأنه يقول لهم " على مَنْ؟ أنت لا تريدون القتال، وأنتم تعلمون أن التتار حتى لو كان بعضهم قد أسلم فهو يعتدون على دياركم بدون سبب ولا ذنب، هم معتدون خوارج على الجماعة، يرون أن من حقهم الحكم لا لشيء إلا لأنهم يريدون الحكم!).

هذا كان لسان ابن تيمية الذي قاتل كثيرًا حتى أقنع الشوام بضرورة قتال التتار، حتى أنه قال لأهله لو رأيتم المصحف فوق رأسي ورأيتموني أقف بجانب العدو فلا تترددوا في قتلي.

بعد قدوم الجيش المصري هزم الشوام التتار شر هزيمة.

ولكن بقي هذا الخلل الفاضح والفادح: البحث في الدين عن آية تبرر الانهزام وعن سطر يبرر الجمود، وهكذا سيدفع ابن تيمية وتلميذه ابن القيم حياتهما ثمنًا للتحرر من هذه الفكرة.

في ظل تلك الأيام المضطربة (الشعب لم يكن يريد فيها قتال العدو) سيكتب ابن القيم مؤلفاته والتي سنذكر أبرزها هنا

إعلام الموقعين عن رب العالمين.

إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان.

إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان.

بدائع الفوائد.

التبيان في أقسام القرآن.

الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي أو الداء والدواء.

حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح.

روضة المحبين ونزهة المشتاقين.       

زاد المعاد في هدي خير العباد.

هل رأيت الكتاب الوارد في ذيل القائمة؟ إنه زاد الميعاد، وما أدراك ما زاد الميعاد.

في زاد الميعاد كان ابن القيم قد نفض يديه من كل خوف من العامة ومن كل شغب من المتعصبين لمذاهبهم (عركة المذاهب قديمة جدا).

في زاد الميعاد سيبرز أسلوب ابن القيم كما لم يبرز من قبل، الرجل وصل إلى مرحلة (السلطنة) كما لو كان يغني أو التجويد لو كان يقرأ القرآن.

هل تعرف هؤلاء الذين يسمون أنفسهم الدعاة الجدد؟

هؤلاء الذين يطلون على المسلمين من تلفزيون المسلمين ليحضوا المسلمين علي الإسلام؟

هل تعرف أنهم قرؤوا كتاب زاد الميعاد تحديدًا، كلمة كلمة وسطرًا سطرًا وفصلًا فصلًا ثم جاؤوا إلي أبرز ما فيه وسجلوه في كشكول، فتري الواحد منهم قد حفظ كشكوله الذي نقل فيه ما يحلوا له من أقوال ابن القيم التي كانت بداية علم وأول طريق إلى معرفة كان يجب أن تتراكم ولو هؤلاء السارقين.

جلس سارق منهم أمام المذيع الجهول فأراد أن يبهر المذيع والمشاهدين، فطلب السارق من المذيع أن " يسمع دي ".

وكانت " دي" هي قوله إنه بعد بحث وتدقيق ومراجعة للمراجع والمصادر وبعد كذا وكذا من الجهد أكتشف أن الأنصار لم يستقبلوا الرسول عندما جاء من مكة مهاجرًا إلى مدينتهم بالنشيد ذائع الصيت " طلع البدر علينا ".

طبعًا الموضوع كله هو سرقه من زاد الميعاد لابن القيم الذي أقام دليلًا عقليًا على صحة كلامه فقال: إن مكة جنوب المدينة والقادم من مكة لن يمر بثنيات الوداع لأنها في شمال المدينة، ثم أن المدينة كان اسمها يثرب وظل كذلك لفترة حتى غيره الرسول بينما النشيد يتحدث عن المدينة وكأن اسمها هكذا منذ خلقت.

يخطف الخاطف منهم كل كلام ابن القيم فيفتح به بيته وينفق منه على عياله ثم لا يذكر مجرد ذكر ولا يشير مجرد إشارة إلي ابن القيم الذي هو صاحب الكلام!

صاحب ابن القيم شيخه ابن تيمية منذ عودة ابن تيمة من مصر وإلى وفاته، تلك الملازمة ستجر عليه السجن لأنهم قد سجنوا الشيخ فلابد وأن يسجنوا التلميذ، وكانوا قبل أن يسجنوا التلميذ قد طافوا به دروب دمشق ليشهروا به لأنه أفتى فتوى لم ترق لهم، أنكر مثلا شد الرحال لزيارة قبر الخليل إبراهيم عليه السلام.  

وعن معاناة ابن القيم بسبب أرائه الفقهية يقول المقريزي:" وفي يوم الاثنين سادس شعبان - يعني سنة 726هـ- حُبِس تقي الدين أحمد بن تيمية، ومعه أخوه زين الدين عبد الرحمن بقلعة دمشق، وضُرِب شمس الدين محمد بن أبي بكر بن قَيِّم الجوزية، وشُهِّرَ به على حمار بدمشق، وسبب ذلك: أن ابن قَيِّم الجوزية تكلم بالقدس في مسألة الشفاعة والتوسل بالأنبياء، وأنكر مجرد القصد للقبر الشريف دون قصد المسجد النبوي".

بعد موت شيخه ابن تيمية أفرجوا عنه فلم يركن إلى الراحة وواصل التأليف ومحاربة الجمود إلى أن توفي الله في العام 751 هجرية.

 

 



الخميس، 6 مارس 2025

عبث شرير بتاريخ مجيد

 


أظهر المسلمون منذ فجر حضارتهم عناية فائقة بتاريخهم، فأسسوا بأنفسهم مدرسة متفردة في دراسة التاريخ، تقوم على السند، الذي يقوم عليه علم الحديث النبوي الشريف، فلا تجد كتابًا من كتب المؤرخين المسلمين إلا وهو يروى الحادثة مسندة.

هذه المدرسة المتفردة التي لم تعرفها أمة سبقت المسلمين، يعرفها لا شك في ذلك، أستاذ التاريخ أحمد صبحي منصور، ولكنه لا يعترف بها بل يركل إنجازاتها بقسوة بالغة.

ولد الدكتور منصور قبل سبعين عامًا، وتعلم في المعاهد الأزهرية حتى أصبح أستاذًا بجامعة الأزهر الشريف، ثم كثر الكلام عنه عندما بدأ يطعن في حجية السنة القولية، وهي الكلام الذي تلفظ به الرسول وصح نسبه إليه، وبعدها طعن في السنة العملية وهي التي تسجل أفعال الرسول ومثالها الشهير قوله صلى الله عليه وسلم: "صلوا كما رأيتموني أصلي"، وقوله أثناء حجة الوداع: "خذ عني مناسككم".

وعن تلك السنة قال الدكتور صبحي كلامًا كثيرًا جدًا يمكن تلخيصه في نقطة واحدة وهي: إن الإسلام هو ملة إبراهيم عليه السلام وكل ما كان يتعبد به إبراهيم أحياه الإسلام، فصلاتنا الآن هي صلاة إبراهيم وكذا بقية العبادات، ولذا لا نجد القرآن قد شرح طرق أداء تلك الشعائر!

مَنْ قال للدكتور صبحي إن الخليل عليه السلام كان يصلي الظهر أربع ركعات سرية ويجلس للتشهد مرتين؟

من الواضح أن الدكتور يفترض فرضًا ويبني عليه، غير ملتفت لأساسيات مدرسة التاريخ الإسلامي التي تهدر كل رواية لا سند لها.

ثم لم يبق أمام الدكتور سوى السنة التقريرية، فنسفها نسفًا.

السنة التقريرية قال العلماء في تعريفها: إنها ما فُعل بحضرة النبي فأقره، أو علم به فسكت عليه؛ لأنه لا يسكت على باطل، ولا يقر إلا حقا.

وعندما كان يُسأل الدكتور عن حجته في إهدار حجية السنة يقول: أعتمد على القرآن فقط، ما فيه يلزمني وما ليس فيه لا يلزمني.

ولقد أشار رسولنا الكريم في حديث شهير لخطورة رد الدكتور صبحي فقال لأصحابه: "لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته، يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه".

والحال كما رأيت دخل الأزهر معركته مع الدكتور صبحي الذي كان يرد للأزهر الصاع صاعين، وما أكثر ما كتب في وصف الأزهر قائلًا: هذا هو الأزهر الشريف للبلاستيك!

وانتهت المعركة بفصله من جامعة الأزهر وكاد أمره ينتهي إلى مقبرة الصمت إلا أن أحد الأصدقاء - سامحه الله - بعث الرجل من مرقده، عندما قال لي: الدكتور أحمد صبحي منصور يقول: إن عمر بن الخطاب قد قتل أبا بكر الصديق!

الحق لم أصدق صاحبي الذي لم أعرفه كذابًا، فسألته: هل سمعته بأذنيك؟

قال: لا، بعضهم ذكر ذلك أمامي.

قلت لصاحبي: رمي الناس بالباطل أو الشبهات هو أمر عند الله عظيم، نبحث لنتأكد.

وليتني ما بحثت، لقد قالها الرجل في كتابات موثقة وكررها كثيرًا كأنها علكة يمضغها.

عثرت على قناة على اليوتيوب لا أعرف هل هى من ممتلكات الدكتور الخاصة أو أن بعضهم قد أطلقها من أجله، وعلى تلك القناة يأتي الدكتور منصور بكل عجيبة ونقيصة، ثم عثرت على موقع يحمل عنوان "أهل القرآن"، وهو من ممتلكات الدكتور الخاصة فقرأت فيه تفصيل ما قاله صاحبي.

في تفصيل قتل الفاروق للصديق قال الدكتور صبحي: إن حلفًا مكونّا من عمر بن الخطاب وأبي سفيان بن حرب كان يفرض أوامره على حلف مضاد يضم أبا بكر وخالد بن الوليد.

طبعًا هذا الكلام بدون أي وثيقة أو حتى قرينة أو حتى أوهى دليل، فالدكتور يفترض وعلينا نحن أن نصدقه.

نعم علينا أن نصدق أن عمر بن الخطاب كان واقعًا في غرام أبي سفيان، ومن أجل عيون هذا الغرام الحرام باع عشرة العمر وهانت عليه معاني الأخوة وترك وصايا النبوة وهجر القرآن وأصبح رجل مؤامرات، لماذا نصدق هذه الأكاذيب؟

لأنه الدكتور يريد ذلك!

حلف عمر كان يعلم أن حلف الصديق يستمد قوته من وجود خالد بن الوليد، فعمل ذلك الحلف كثيرًا على عزل خالد من قيادة الجيش، وعندما تمسك أبو بكر بورقته الرابحة، قام عمر باغتياله ثم عندما تولى الخلافة قام بعزل خالد.

آه لو كان على الكلام جمرك، لدفع الدكتور الغالي والنفيس لكي يمرر كلامه هذا، ولكن المشكلة أن الكلام مرسل لا قيد عليه.

في كل ما سبق توجد حقيقتان، الأولى أن الصحابة قد تقاتلوا، ولكنهم عندما وقعت الفتنة بينهم، كانوا رجال شرف وفروسية، فكان الرجل منهم يقاتل أخاه وجهًا لوجه وسيفًا لسيف وليس بالاغتيال والخداع، والذين وقعت الفتنة بينهم لم يكونوا على عهد الصديق ولا الفاروق، لقد بدأت الفتنة بعد عهدهما بسنوات.

الحقيقة الثانية أن الفاروق عندما تولى الخلافة قد عزل خالدًا، ولكن عزل خالد كان في سياق بعيد جدًا عن سياق المؤامرات والأكاذيب التي يروج لها الدكتور صبحي.

عن قتل الفاروق للصديق يقول الدكتور صبحي:

1 ـ إنّ أبا بكر مات مسموما بمؤامرة عمر. فقد كان المسيطر على أبى بكر في خلافته، ثم كان المستفيد من موته فتولى الحكم بعده. وساعده طلحة وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وقد كانوا مع عمر في مشهد موت أبى بكر ودفنه ومبايعة عمر بعده. وسنراهم في مؤامرات تالية؟

2 ـ ولأنها مؤامرة قتل، فإن عمر أسرع بدفن الضحية ليلا، وقبل صباح اليوم التالي، ودون جنازة يحضرها الناس، بل ومنع النواح عليه. والروايات كلها تتفق في دفن أبى بكر ليلا بمجرد وفاته، دون أن ينتظر عمر للصباح.

لا حول ولا قوة إلا بالله، أهذا هو البحث العلمي الذي يقدمه أستاذ تاريخ؟

أهذا تاريخ أم خيال ظل؟

الدكتور لا يملك دليلًا واحدًا يقدم من خلاله قراءة جديدة لتاريخنا، هو فقط يمتلك خيالًا شريرًا، فكل عسل عند الرجل هو سم، وكل براءة هى حيلة وكل طهارة هى نجاسة، هل الدفن ليلًا يعني التخلص من الجريمة؟

ثم أين ذهب كل الصحابة وعلى رأسهم فتى الفتيان علي فارس الإسلام وفيلسوفه، هل شارك في التغطية على جريمة قتل، أم تراه كان مخدرًا؟

ثم أين ذهبت أسرة الصديق والرجل من قلب قريش؟

هل سكتوا جميعًا أم كانوا غائبين عن الوعي؟

الدكتور لا يمكنه الرد على هذه الأسئلة وغيرها، لأنه يخبط خبط عشواء، ويعبث وهو الرجل الذي جاوز السبعين بأصابع صبيانية في متن تاريخ مجيد.

المسلمون خلق من خلق الله وأمة من الأمم، وتاريخهم به النبلاء والأوباش والفجار والأبرار والقتلة والأبرياء، فلم شن صبحي غارته على أبي بكر وعمر والطبقة الأولى من الصحابة؟

إنها يا صاحبي خطة تسميم المنابع وحرق الجذور، هو ذهب إلى الشيخين الجليلين وقدمهما على هيئة رجال العصابات، فأبو بكر عنده ليس مقتولًا في مؤامرة فحسب، بل كان لصًا سرق خزينة الدولة!

إن القرآن الذي ينسب الرجل نفسه إليه يتحدث صراحة عن رضوان الله عن الذين بايعوا النبي تحت الشجرة، وكان أبو بكر وعمر على رأس المبايعين، فكيف أصبحا فجأة رجال عصابات؟

ثم السنة، عفوًا لقد نسيت أن الدكتور لا يعترف بالسنة.

ثم هناك كد وتعب أجيال عظيمة من المؤرخين، الذين دونوا تاريخنا بالكلمة بل بالحرف، كل هذا يرميه صبحي وراء ظهره.

فلا دليل ولا وثيقة ولا حتى ذكاء في قراءة الروايات التاريخية، لقد نسى الرجل في حمى الكتابة القرآن الذي يتشدق به، قال القرآن: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا على مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ".

والحمد لله فقد تبينا فلم نجد إلا خيال شر ومقولة بهتان.

ــــــــــــــــــــــــــ

منشور بجريدة صوت الأمة/ السبت 01 فبراير 2025


الأحد، 23 فبراير 2025

أبو الطفيل.. نكبة العمر المديد


ما الحياة عندما تفقد كل أحبتك؟

ما الحياة عندما تولد في أعظم الأيام وتحقق أخطر الأحلام ثم يمتد بك العمر فترى بعينيك كل بناء شيدته وقد تحطم كأنه لوح زجاج؟

بأي قلب ستواصل الحياة وأنت ترى كل أحلامك وقد أصبحت هباءً منثورًا؟

لكي تظل تتنفس وتأكل وتشرب وتنام لابد وأن تكون رجلًا كأبي الطفيل.

كان أبو الطفيل واحدًا من صحابة رسولنا الكريم، عليهم جميعًا الرضوان، ولكنه عاش حياة لم يعشها غيره، لقد أختبره الله بالعمر المديد والألم الشديد والشعر الوفير، وما أصعبه من اختبار وما أقساه من امتحان.

وفق أغلب التراجم فأبو الطفيل هو عامر بن واثلة بن عبد الله بن عمرو بن جحش بن جري بن سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن علي بن كنانة اللّيثي المكّي.

ولد أبو الطفيل في العام الهجري الثالث، وهو ذلك العام الذي كانت فيه غزوة أحد.

أبو الطفيل مكيّ النسب، فمتى هاجر أبوه إلى المدينة؟

بل مَنْ هو والد أبي الطفيل ومَنْ هي أمه؟

بحثت فلم أجد إجابة غير نسب الرجل وشيئًا يسيرًا عن طفولته ذكره هو بلسانه عندما قال:" أَدركت من حياة النبي صَلَّى الله عليه وسلم ثمان سنين، ورأَيت النبي يُقَسِّم لحمًا بالجِعْرانة، فجاءَت امرأَة فبسط لها رداءَه، فقلتُ: من هذه؟

قالوا: أُمُّه التي أَرضعته.

غير تلك الجملة لم أجد شيئًا. نعم هي جملة خطيرة لأنها تقطع بصحبة أبي الطفيل للرسول ولكنها لا تكشف عن تفاصيل طفولته.

عندما قُبض رسولنا الكريم كان أبو الطفيل في سن الطفولة، فمن الطبيعي ألا يكون قد شارك في معركة من معاركه صلى الله عليه وسلم، ومن الطبيعي أيضًا أن تكون قد وصلته أخبار الانتصارات المدوية في الخندق وخيبر وفتح مكة وحنين وغيرها من المعارك التي خاضها جيش الإسلام تحت قيادة الرسول.

نحن يستولي علينا حنين جارف لزمن نصرنا في العاشر من رمضان فكيف كان حنين أبي الطفيل لزمن انتصارات الرسول؟

عاش أبو الطفيل زمن حكم أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب والحسن بن علي.

ثم جاء زمن حكم بني أمية فعاش أبو الطفيل تحت حكم معاوية بن أبي سفيان ويزيد بن معاوية ومعاوية بن يزيد (معاوية الثاني)

ومروان بن الحكم وعبد الملك بن مروانو الوليد بن عبد الملك

وسليمان بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز ويزيد بن عبد الملك وأخيرًا هشام بن عبد الملك الذي حكم من العام 105 هجرية إلى العام 125 هجرية، وقد كان موت أبي الطفيل حسب أغلب الروايات في العام 110 هجرية، أي في زمن هشام بن عبد الملك. لقد تعمدت ذكر قائمة الحكام لأنك إن تأملتها ستكتشف معاناة هذا الصحابي الجليل.

الرجل عاش زمن العدل البشري المطلق تحت حكم رسولنا الكريم ثم هو نفسه عاش زمن يزيد بن معاوية قاتل الحسين!

الرجل عاش زمن عدل الفاروق والانتصارات على الفرس ورخاء المدينة المنورة، ثم عاش الزمن الذي استباحت فيه جيوش يزيد المدينة، وفشا اغتصاب الحرائر اللاتي كن بنات الصحابة أو حفيداتهم!

الرجل رأى الحسن الحسين طفلين يدللهما سيد الخلق حتى أنه كان يحملهما على ظهره وهو يصلي، ثم جاءه خبر موت الحسن مسمومًا وموت الحسين مقطوع الرأس!

وفق هذه الحوادث التي عاشها حق له وهو الشاعر الأصيل المطبوع أن يصرخ:" وما شاب رأسي من سنين تتابعت/ عليّ ولكن شيبتني الوقائع"

لا يذكر المؤرخون شيئًا عن عامر المعروف بكنيته "أبو الطفيل" في زمن الرسول والخلفاء حتى مجيء زمن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه.

هنا يجمع المؤرخون على محبة أبي الطفيل لعليّ وكيف حضر معه كل معاركه بل كان حاملًا لرايته في معارك حاسمة.

وفي معركة من معارك الإمام التي شهدها أبو الطفيل، خطب أبو الطفيل بين يدي عليّ قائلًا:" يا أمير المؤمنين إنك أنبأتنا إن أشرف القتل الشهادة وأحظى الأمر الصبر، وقد والله صبرنا حتى أصبنا، فقتيلنا شهيد وحيّنا ثائر، فاطلب بمن بقي ثأر من مضى، فإنا وإن كان قد ذهب صفونا وبقي كدرنا فإن لنا ديناً لا يميل به الهوى ويقيناً لا تزحمه الشبهة ".

ثم ينشد من شعره في مناسبة من المناسبات

أشهد بالله وآلائه / وآل ياسين وآل الزمر

إن علي بن أبي طالب / بعد رسول الله خير البشر

ثم لقي الإمام عليّ ربه شهيدًا، وحكم ابنه الحسن فترة قصيرة، اختفى فيها ذكر أبي الطفيل، فلما جاء معاوية حفظت لنا الكتب هذا الحوار الساخن الذي جرى بينه وبين معاوية.

معاوية: كيف وجدك (حزنك) على خليلك أبي الحسن؟

أبو الطفيل: كوجد أم موسى على موسى وأشكو إلى الله التقصير. معاوية: كنت فيمن حصر عثمان.

أبو الطفيل: لا، ولكني كنت فيمن حضر.

معاوية: فما منعك من نصره؟

أبو الطفيل: وأنت فما منعك من نصره إذ تربصت به ريب المنون وكنت مع أهل الشام وكلهم تابع لك فيما تريد.

معاوية: أو ما ترى طلبي لدمه نصرة له؟

أبو الطفيل: بلى ولكنك كما قال أخو جعفي (الشاعر عبيد بن الأبرص)

لا ألفينك بعد الموت تندبني / وفي حياتي ما زودتني زادي.

معاوية كان رجلًا خطيرًا مهمًا وكان أحد ملوك الأرض، فإن لم يكن عامر بن أثلة صاحب شأن وحيثية ما كان معاوية قد حاوره، ولكن أين ذهبت تلك الحيثية والكتب جد شحيحة في ذكر الرجل؟

لا يذكر كتاب موقفه أثناء كارثة كربلاء، المنطق يقول إنه كان مع الحسين، لأنه كان مع أبيه من قبل ولكن لا حديث يؤكد أو ينفي.

ثم أين كان عندما صلب الأمويون عبد الله بن الزبير؟

ثم أين كان عندما قصف الحجاج بن يوسف الثقفي الكعبة حتى هدمها؟

سنعرف أنه كان من المشايعين لمحمد بن الحنفية وهو أخو الحسن والحسين من أبيهما، وقد تدخل بقوات قادها ليحرر ابن الحنفية من الحبس، وقد قتل ابنه الطفيل في معركة من تلك المعارك الداخلية التي عمت ساحة المسلمين في ذلك الوقت وقد سجل هو حادث مقتل ابنه عندما أنشد:

خَلَّى طُفَيْلٌ عَلَيَّ الهمَّ فانْشَعَبَا فَهَدَّ ذلك رُكِني هَدّةً عَجَبَا.

كان أبو الطفيل ـ بلغة عصرنا ـ مثقفًا صاحب موقف، فهو يقرأ القرآن ويقول الشعر ويروي الأحاديث ويشارك في المعارك، ثم بعد كل هذا العطاء يقل ذكره ولا يعرف فضله إلا الذين ينبشون في الكتب القديمة.

روى الإمام البخاري في كتابه الأدب المفرد:

عن أبي الطفيل وقد سئل: هل رأيت النبي؟ 

قال: نعم، ولا أعلم على ظهر الأرض رجلا حيا رأى النبي الله غيري، وكان أبيض، مليح الوجه.

وعن يزيد بن هارون، عن الجريري قال: كنت أنا وأبو الطفيل نطوف بالبيت، قال أبو الطفيل: ما بقي أحد رأى النبي غيري، قلت: ورأيته؟ قال: نعم، قلت: كيف كان؟ قال: كان أبيض مليحا مقصدا.

كل هذا يقطع بأن الرجل في حال حياته كان شهيرًا ذائع الصيت وآية ذلك ما قاله النَّضْر بن عربي، قال: كنتُ بمكة، فرأيتُ الناسَ مجتمعين على رجل، فقلتُ من هذا؟ فقالوا: هذا صاحب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، هذا عامر بن واثلة، وعليه إزارٌ ورداء، فَمَسست جلده، فكان ألين شيء.

ثم تمر السنون بأبي الطفيل فيرى تمكن الثورة المضادة وعلوها في الأرض فيصاحب المختار الثقفي الذي خرج بقوات للانتقام من قتلة الحسين، وقد تمكنت قوات المختار من قتل كل الذين شاركوا في قتل الحسين، ثم بعدها يخفت ذكر عامر حتى يكاد يتلاشى، ولا نجد له حضورًا في أزمنة بني أمية إلا محاورته مع معاوية ومحاورة أخرى مع عمر بن عبد العزيز لا تذكرها إلا كتب شيعية تستغرق في سب كل بني أمية، ولذا فمن الأفضل ترك تلك المحاورة لأنها تبرز عمر بن عبد العزيز في ثوب الطاغية، وهذا ما لم يقل به مؤرخ منصف.

ثم بعد معارك المختار يخفت ذكر أبي الطفيل، ويظل الرجل مقيمًا في دائرة الظل حتى يلقى ربه بمكة المكرمة في عهد هشام بن عبد الملك.

حياة كحياة الصحابي الجليل كان تدوينها يستحق عناية أكبر من تلك العناية التي بذلها المؤرخون، ولكن حركة تدوين التاريخ وبدايات الترجمة للصحابة بدأت بعد رحيلهم بسنوات عديدة، وتدخلت الأهواء السياسية في الأمرين جميعًا.

أبو الطفيل كان من قواد جيش الإمام علي وقد هُزمت ثورة عليّ وانتصرت الثورة المضادة التي لن تتحرج عن تجاهل ذكر أسماء كانت بارزة، بل لن تتحرج من طمس ملامح التاريخ ذاته.

رحم الله أبا الطفيل وجمعنا به في الصالحين.

ـــــــــــــــــ

منشور بجريدة صوت الأمة

9 فبراير 2025


أبو ذر.. الدولة تهزم الثورة

 

 


اسمه مختلف عليه، مرة يقولون:" جندب بن جنادة الغفاري “ومرة يقولون:" جندب بن سكن " وفريق ثالث يقول:" برير بن جنادة “.

عمومًا هو معروف لدينا بـ “أبو ذر " وحتى في هذه فهناك اختلاف، يقولون في سبب إطلاق تلك الكنية عليه إن اسم (أبي ذر) أو (أبي الذر) من معنى النملة. ويوجد قول صرّح بذلك: "كني بأبي ذر لأنه خبز خبزا فطلع عليه الذر".

وبعضهم يقول إن اسم أبي ذر من فعل (يذر) أي يترك. فالروايات التي تصف حال أبي ذر يُفهم منها أن اسم أبي ذر من (الوحدة) و (العزلة) و (الخلوة) و (التفرد) وهي جميعها من معاني فعل (يذر) أي يترك. وهناك حديث نبوي شهير يقول:" مرحبا بأبي ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده ".

شاء الله أن يكتمل ـ مبكرًا ـ عقل أبي ذر فهجر عبادة الأصنام قبل الإسلام وكان يعبد الله الواحد الأحد بطريقة ما، وكان لأبي ذر شقيق يدعى " أنيس " سافر إلى مكة في حاجة من حوائجه ومكث بها بعض الوقت، وعندما عاد سأله أبو ذر عن أحواله بمكة فقال له سمعت برجل يزعم أنه رسول من الله.

تنبهت كل حواس أبي ذر لكلام أخيه فعاد يسأله عن موقف قومه منه؟

فقال أنيس: إنهم يقولون هو ساحر ومرة يقولون إنه شاعر ومرة يقولون بل هو كاهن، أما أنا فلا أراه ساحرًا ولا شاعرًا ولا كاهنًا.

عند هذا الحد من الحوار انطلق أبو ذر يقصد مكة لكي يتبين الأمر بنفسه.

في مكة ستقابله مشكلتان، الأولي أنه غريب لا يعرف أحدًا كما لا يعرفه أحد، وقد تغلب بإقامته بجوار الكعبة على تلك المشكلة وكان طعامه وشرابه أن يرتوي من ماء زمزم.

المشكلة الثانية أنه يبحث عن رجل لا يعرف حتى ملامح وجهه.

مكث أبو ذر في مكة ثلاثين يومًا لا يعرف طريقًا إلى الرجل الذي يزعم أنه رسول من عند الله، حتى لفتت إقامته الدائمة بجوار الكعبة نظر الإمام علي بن أبي طالب، الذي استضافه في بيته ولم يسأله عن شيء، ثم تجرأ أبو ذر وباح بسره لعليّ الذي قدمه إلي الرسول فجري بينهما هذا الحوار 

قال أبو ذر: أنشدني مما تقول.

فأجاب الرسول عليه الصلاة والسلام: ما هو بشعر فأنشدك، ولكنه قرآن كريم.

قال أبو ذر: اقرأ عليّ.

فقرأ عليه الرسول، ما تيسر من القرآن، فقال أبو ذر:       " أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله"!

وسأله النبي: ممن أنت يا أخا العرب؟

فأجابه أبو ذر: من غفار.

فتألقت ابتسامة على فم الرسول، ضحك لها أبو ذر، لأنه يعرف سر ابتسامة الرسول، وذلك لأن قبيلة غفار كانت مضرب المثل في قطع الطريق والسطو على الناس، وها هو واحد من أبنائها جاء يجهر بالإسلام الذي لم يكن قد غادر بعد مهده الأول.

قبيل انصراف أبي ذر من مجلسه مع الرسول، طلب منه الرسول أن يكتم الأمر حتى إذا ظهر الإسلام واشتد عوده يعود أبو ذر علانية غير خائف من أحد.

لكن أبو ذر غلبت عليه طبيعته التي تريد الحق كله في ساعة واحدة، ولذا فقد أقسم بأنه سيجهر بإسلامه أمام صناديد قريش، بالفعل توجه إلى الكعبة وأعلن إسلامه فانهلوا عليه بالضرب ثم تركوه وهو يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة، وفي صباح اليوم الثاني كرر فعلته فعادوا إلي ضربه، حتي مر بهم العباس بن عبد المطلب فحذرهم من قتل الرجل الذي عرف إنه من غفار لأن قبيلته لن تسكت على قتله خاصة وطريق تجارة قريش يمر عبر أراضي القبيلة.

عاد أبو ذر إلى قبيلته وعرض الإسلام علي أمه وأخيه أنيس فأسلما ثم عرضه على باقي أفراد قبيلته فاسلموا جميعًا ثم لم يكتف بهذا الانجاز فعرض الإسلام علي قبيلة تجاورهم وهي قبيلة " أسلم " فاسلموا كذلك.

وعندما سمع بهجرة الرسول وأصحابه إلى المدينة هاجر بكل أفراد القبيلتين الذين بايعوا الرسول ثم عادوا إلى أراضيهم وبقي أبو ذر بجوار الرسول في المدينة.

كان قلب أبي ذر قد امتلأ بالمعني الأول للإسلام من حيث أنه يعني المساواة الكاملة والحق المطلق والثورة الدائمة على كل ظلم وأي ظلم.

هذا المعني لم يكن يمثل أدني مشكلة في زمن دولة الرسول ولا في زمن دولة أبي بكر الصديق ولا في زمن دولة عمر، ولكنه هذا المعني الجليل الخطير تحول إلى محنة في زمن دولة عثمان.

الصحابة المجاهدون الذين عايشوا الرسول أصبح بعضهم من أثرى أثرياء القوم، بينما ظل الفقراء على حالهم من الفقر والعوز، رجل يريد الحق المطلق مثل أبي ذر لا يرتاح له جانب حتى يخرج على الناس محذرًا من ضياع المعني الأول، معني المساواة ونصرة الحق.

ولأنه لم يكن رجل دولة ولا رجل سياسة بل كان رجل ثورة دائمة فقد توجه إلى معقل الأثرياء وإلي قلعتهم الحصينة، توجه إلى دمشق التي يحكمها باسم الخلافة معاوية بين أبي سفيان.

اجتمعت الأمة علي أبي ذر الذي لو أراد أن يكون من الفقراء جيشًا يحارب به الأثرياء لفعل، ولكن الرجل يريد أن يعيد الأمة إلى شريعتها بالكلام لا بالسيوف، هو يكره أن يراق الدم ويحب أن تسري كلمته في القلوب فتعيدها كما كانت في زمن الرسول، ولذا راح يصرخ في طرقات دمشق حيث قصور ومزارع الأثرياء:" بشر الذين يكنزون الذهب والفضة بمكاوٍ من نار، تكوى بها جباههم وجنوبهم يوم القيامة ".

ثم يصرخ وقد اشتد ضيقه بهؤلاء الأثرياء:" عجبت لمن لم يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهرًا سيفه ".

ثم ينفر من الدم ومن خروج السيوف من أغمادها فيعود إلى التخويف من النار التي تنتظر الكانزين.

ضاق الأمير معاوية بدعوة أبي ذر فاستدعائه ليناظره، وزعم معاوية أن آية الكنز قد نزلت في أهل الكتاب، فرد عليه أبو ذر:" لقد نزلت فيهم وفينا ".

لم يجد معاوية أمامه سوى الشكوى إلي الخليفة عثمان بن عفان الذي استدعي أبا ذر وخيره بين الإقامة في المدينة أو الخروج منها، فاختار أبو ذر الخروج لأنه لم يعد لديه صديق، فهو يهاجم الجميع، فما إن يسمع بأن فلانًا من الصحابة قد بني بيتًا أو امتلك مزرعة حتى يقيم عليه الدنيا.

أبو ذر يريد كل الحق الآن ولا تستطيع طبيعته الثورية أن تتسامح مع أدني درجات الظلم ولو للحظة.

لقد عرضوا عليه إمارة العراق هذا المكان الثري جدًا والمتحضر للغاية لكنه رفض قائلًا:" والله لا تميلوا عليّ بدنياكم أبدًا ".

أبو ذر يريد الصحابة كما تركهم الرسول، مجاهدين مصابيح هدى، أما الثروات فهو لا يكاد يصبر على جمعها وعلي جامعيها لحظة واحدة.

لقد خرج إلى أرض الربذة وهي صحراء من كل الجهات، لكي تتحقق فيه نبوءة الرسول، يعيش وحده ويموت وحده، وقبيل موته يقول عنه الإمام عليّ بن أبي طالب:" لم يبق اليوم أحد لا يبالي في الله لومة لائم غير أبي ذر ".

وهو يحتضر بكته زوجته وولده فلم يكن لديهما ما يصلح كفنًا لأبي ذر فمر بهم عبد الله بن مسعود فبكاه قائلًا:" صدق رسول الله، تعيش وحدك وتمشي وحدك وتموت وحدك ".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

منشور بصوت الأمة 

السبت 22 فبراير 2025


 



الخميس، 20 فبراير 2025

العذاب الثقافي لزعيم مكة


 تتأمل اسمه فتشعر بمهابته، أبو سفيان صخر بن حرب بن أميه القرشي، عندما يتزوج لا يتزوج إلا سيدات 

زمانه، يكفيك أن تعرف أن هند بنت عتبة واحدة منهن، وعندما يُولد له يكون معاوية ملك الإسلام، الرجل الذي

 أسس دولة واحدًا من أولاده، يسود قريشًا التي تسود دولة مكة وهو في مقتبل عمره، يتاجر لها ويقود قوافلها 

ويحمي مصالحها الاستراتيجية، ويجالس هرقل ويتحدث مع كسري ويحارب ثم يفاوض عدوها الأول  محمد بن عبد الله.


رجل كهذا يتمتع بالعقل والحكمة والنباهة ترى ما الذي صرفه عن الإسلام؟

في أعماق نفسه كان يعرف أن الإسلام قادم لا محالة وأن محمدًا وأصحابه لن ينكسروا وأنهم عائدون إلى ديارهم الأولى حيث مكة والكعبة التي بفضل وجودها تسود قريش العرب.

مصارحته لنفسه جعلته يغض الطرف عن زواج ابنته أم حبيبة من عدوه محمد، كان يستطيع إرسال فرقة اغتيال تتخلص منها وهي في مهجرها بالحبشة، أبو سفيان التاجر الماهر، تمهل، واتخذ القرار الصائب الذي سيصب في مصلحة دولته مكة، وجود ابنته في بيت عدوه سيقوي مركزه التفاوضي يوم تبدأ المفاوضات.

على الأقل هو سيدخل بيت أبنته ويجلس تحت رعايتها المباشرة.

ولكن ما الذي صرفه عن اغتنام كامل الفرصة والسبق إلي الإسلام حتى يواصل سيادته تحت مظلة رضوان محمد الزعيم القادم لا محالة؟

إنها الثقافة، ثقافة أبي سفيان، هى التي منعته، أبو سفيان لا يستطيع قبول وجود بلال بن رباح أو عمار بن ياسر 

أو صهيب الرومي بجواره، إنه لا يكاد يراهم، وهم في الوقت نفسه مقربون جدًا من الزعيم القادم.

الزعيم القادم تأمر شريعته بالمساواة الكاملة والتامة والشاملة، شريعة الزعيم القادم لا تري فرقًا بين أبيض وأسود

 ولا بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى، شريعة الزعيم القادم تؤكد: "كلكم لآدم وآدم من تراب".

كل هذا أثقل من جبل أحد على قلب أبي سفيان، مَنْ هؤلاء الذين سيجالسهم ويسمر معهم بل قد يتلقى منهم الأوامر؟

عالم أبي سفيان سيختل عندما تضعه شريعة محمد في كفة وبلالًا في كفة، ثم ترجح كفة بلال!

هل يقف أبو سفيان خلف عمار بن ياسر في الصلاة ويركع خلفه ويسجد خلفه ولا ينهي صلاته قبله؟

كيف يكون هذا؟ ثم مَنْ عمار، بل مِنْ كل هؤلاء؟

إنهم أكبر صفر رآه في حياته، ولكن مهما عظم حجم الصفر فسيظل صفرًا.

إنه لا يصدق أن سادة مثل على بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطلب وسعد بن أبي وقاص و أبو بكر بن أبي قحافة وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان يجالسون هؤلاء ويأكلون معهم في طبق واحد، بل يقدمونهم أحيانًا على أنفسهم.

ما الذي حدث لهذا العالم التعس الذي يريد لأبي سفيان نهاية كهذه؟

لا وألف حرب، لا وألف معركة، لا وأنهار من الدم تجري على صحراء الجزيرة، هؤلاء شيء، أما أنا فأبو سفيان.

ثم لم يعد من أمر الله عاصم، وحانت لحظة الحقيقة، بلال وصهيب وعمار أصبحوا قادة وأمراء، وأبو سفيان 

أصبح لا في العير ولا النفير.

أستسلم أبو سفيان فأسلم ولكن السيد الجديد لم يتركه لشأنه، السيد الجديد معطاء كريم كأنه الريح المرسلة، السيد الجديد لا ينفد حلمه ولا نهاية لصبره، لكنه لا يسمح بأدنى كلمة تقال ضد ثقافته، ثقافة شريعته، إنه يشعل حربًا 

لو شعر بأن ميزان المساواة شابه اختلال.

دولة السيد الجديد، إعلامها، جيشها، قضاؤها، فقهها، حديثها، تفسيرها، كل الآليات مسلطة فوق رأسي أبي سفيان، 

لا تخيره إلا بين أمرين، المساواة أو العدم.

أبو سفيان تعذب وهو يغير ثقافته، الريح عاتية والدولة قوية مخلصة لثقافتها، إذن لا مفر.

إن جهاد أبي سفيان في ترويض نفسه على الثقافة الجديدة يستحق التأمل، إنه جهاد مرير لأنه كان يدمر عالمًا 

قديمًا ليبني عالمًا جديدًا، السيادة فيه لأهل الكفاءة ولأهل التقوى، أما أهل الحسب والنسب فعليهم أن يسابقوا

 أعمارهم لكي يلحقوا بركب المنتصرين.

ـــــــــــــــــــــــ

منشور بجريدة صوت الأمة

السبت 15 فبراير 2025

إراحة الضمير بصنع الأساطير


شهد يوم الاثنين 27 يناير 2025 حدثًا خارقًا، عندما قرر آلاف الفلسطينيين، العودة سيرًا على الأقدام إلى ديارهم في شمال، وهم الذين كان الاحتلال قد فرض عليهم النزوح إلى أقصى جنوب غزة.

كان المشهد ينتمي لعالم الأرواح والأشواق وليس لعالم الحسابات العقلية البادرة، كان المشهد رسالة واضحة جدًا: نحن شعب غير قابل للهزيمة.

أثناء الزحف سيرًا على الأقدام قال بعضهم: سنقيم خيمنا فوق أنقاض بيوتنا.

آخرون دعوا الله أن يرشدهم لأنقاض بيوتهم.

بعد الوصول، ذهبت السكرة وجاءت الفكرة، لا وجود لأي شيء من مقومات الحياة، لا بيوت ولا مدارس ولا مستشفيات ولا كهرباء ولا ماء ولا صرف صحي ولا بنوك ولا طرق، فكيف سيعيش هؤلاء؟

نشر موقع روسيا اليوم تصريحات على لسان مصدر فلسطيني جاء فيها: "لم يتم إدخال أي بيوت متنقلة مؤقتة إلى شمالي القطاع أو جنوبه، ونحو ثلثي الشاحنات التي دخلت قطاع غزة تحمل مواد غذائية.

وذكر أنه تم إدخال 197 شاحنة وقود للقطاع لا يستفيد منها الدفاع المدني ولا البلديات ولا شركات الكهرباء، كما لفتت المصادر إلى أنه لم يتم إدخال أي آليات أو معدات ثقيلة إلى القطاع لإزالة الركام والبحث عن الجثث.

وتابع أنه لم يتم أيضا، إدخال أي مواد بناء إلى غزة رغم الحاجة الماسة إليها في الترميم وإعادة التأهيل، وكذلك لم يتم إدخال أي من مستلزمات الطاقة الشمسية رغم الحاجة الماسة إليها، ولا حتى الأجهزة والأدوات الطبية إلى المستشفيات بشكل كاف، مشيرة إلى أن شمالي قطاع غزة يعاني من أزمة مياه خانقة بسبب تضرر أكثر من 75% من الآبار.

وختم المصدر قائلًا: لم يتم إدخال السيولة النقدية للبنوك في قطاع غزة رغم الأزمة الشديدة في توفر العملة".

الهدف الحقيقي من عدوان الاحتلال على غزة بدأ في الظهور شيئًا فشيئًا، الهدف هو التهجير ولا شيء غيره، ودع عنك القضاء على حماس وتحرير الأسرى بالقوة، فحماس ها هي تستعرض الأسلحة التي غنمتها من العدو أثناء حفلات إفراجها عن الأسرى، والأسرى أنفسهم لم يتم تحريرهم إلا بالتفاوض.

توارى نتانياهو المشغول بترميم حكومته وبالدفاع عن نفسه أمام القضاء ليحل محله دونالد ترامب رئيس القوى العالمية المسيطرة.

رفع ترامب غلالة الستر وقال: على مصر والأردن قبول أعداد كبيرة من الفلسطينيين.

هذا هو التهجير العاري الذي لا تستر عريه أكاذيب حقوق الإنسان وفق التعريف الغربي والأمريكي.

هبت مصر والأردن لرفض كلام ترامب، وصدرت عن قيادات البلدين تصريحات هي الأقوى منذ زمن بعيد، تصريحات واضحة قاطعة حاسمة، لخصتها مقولة الرئيس عبد الفتاح السيسي:" تهجير الفلسطينيين ظلم لن نشارك فيه".

هل سكت ترامب؟

حتى ساعة كتابتي لهذه السطور، يبدو مصرا على كلامه رغم الرفض المصري الأردني!

الأمر جد لا هزل فيه، ولذا فقد أغضبني الغضب كله كلام كتبه وصرح به بعض الذين ينسبون أنفسهم لعالم السياسة.

هؤلاء لعبوا اللعبة الخبيثة المريحة، فلكي يريحوا ضمائرهم لجأوا إلى تحويل الموقف المصري والفلسطيني إلى أسطورة!

قائلين: صمود مصر وصلابة موقفها وكذا صمود أهل غزة لن ينكسر.

ما هذا؟

هي إراحة للضمير لا أكثر ولا أقل، مصر وغزة والأردن في مواجهة مع أعتى قوة عالمية، فإن لم يتم دعم الأطراف الثلاثة بقوة، فنحن نلقي بهم إلى العراء الكوني.

وما أصدق الشاعر الذي قال:

أَلقاهُ في اليَمِّ مَكتوفاً وَقالَ لَهُ

إِيّاكَ إِيّاكَ أَن تَبتَلَّ بِالماءِ.

لا شيء بالمجان، ومصر والأردن وأهل غزة سيدفعون ثمن موقفهم الرافض للتهجير، فإذا لم يحصلوا على دعم حقيقي، دعم على الأرض وليس في سماء الغناء والشعارات، فلن يستمر صمودهم إلى الأبد.

مصر الأن في وجه المدافع، والكل يعلم ما تحتاجه مصر، والتسويف والمماطلة لن تكون في صالح أحد، لأنه ببساطة وصراحة، إذا لا قدر الله انكسرت الإرادة المصرية، فسيضيع كل شيء ولن ينجو أحد.

أهل غزة الذين عادوا إلى الشمال، بعضهم لم يعرف أين شارعه الذي ولد وعاش على ترابه، فكيف نطالب هذا بالصمود الأبدي؟

إذا لم يسارع الفاعلون، وكلنا نعرفهم إلى تقديم الدعم فهم وبصراحة يدفعون للتهجير التهجير ولكن بشكل طوعي، إنهم يريدون من أهل فلسطين أن يطلبوا بألسنتهم إخراجهم من محرقة غزة.

مصر والأردن وغزة، قدموا ما في وسعهم ورفضوا خطة ترامب بوضوح وحسم، وهم الآن في حاجة ماسة لكل دعم ومساندة، هذا وإلا فالضياع التام الكامل لكل الذين يظنون أن حصونهم مانعتهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

منشور بجريدة صوت الأمة

09 فبراير 2025

الاثنين، 14 أكتوبر 2024

المقاومة كائن لا يقبل الهزيمة


المقاومة تهزم فى حالتين الأولى أن تلقى هى سلاحها وتعلن استسلامها والحالة الثانية عندما تنقلب بيئتها الحاضنة عليها

 

بعد الضربات القاسية، التى تلقتها المقاومة فى الأسبوعين الماضيين، خاصة على الساحة اللبنانية، يضع جمهور المقاومة يديه على قلبه، خوفًا من هزيمة ساحقة ماحقة، لا تقوم للمقاومين بعدها قائمة.

سطورى القادمة، ليست من باب بث الاطمئنان فى قلب الجمهور العريض المنتشر بين أرجاء العالم، وليست تسويقًا لأوهام، هى فقط محاولة منى  لبسط وجهة نظرى فى الأمر العام للمقاومة بعيدًا عن أمور الميدان الدقيقة التى نجهلها بطبيعة الحال.

بداية أقول: المقاومة كائن حى غير قابل للهزيمة، وذلك لأن المقاومة فى  طينتها الأولى التى منها خلقت، هى فكرة، ولا نعرف، ولن نعرف فكرة هزمت، فالأفكار راسخة، لا تتعرض جذورها للاقتلاع، أيًا كانت قوة العدو.

ثم المقاومة متجذرة فى النفوس، حتى أصبح لها حال كحال الاحتياجات البيولوجية، فكأنها الأكل والشرب والتنفس، فلا نعرف بشرا، ولن نعرف، ترك بالكلية الأكل والشرب والتنفس إلا إذا كان يريد الموت والانتهاء.

 

المقاومة تهزم فى حالتين اثنتين لا ثالث لهما، الأولى، أن تلقى هى سلاحها، وتعلن استسلامها، وتخرج رافعة رايات الانكسار والتراجع عن فكرتها.

 

الحالة الثانية والأخيرة، تكون عندما تنقلب بيئتها الحاضنة عليها، وتقوم بلفظها والامتناع عن دعمها، ساعتها تنهزم المقاومة.

هل وقع غبار الحالتين أو إحداهما على المقاومة العربية فى فلسطين أو لبنان؟

هل استسلمت المقاومة العربية، ورفعت رايات الانكسار والتراجع؟

هل لفظتها بيئتها الحاضنة، ورأينا مئات الآلاف، يتدفقون إلى الشوارع هاتفين ضد المقاومة ومستنكرين دورها؟

لم يقع شىء من هذا إلا فى أمنيات العدو وخيالاته وأحلامه وأوهامه.

المقاومة لم تلق سلاحها، وبيئتها الحاضنة لا تزال مع عظم التضحيات، تقدم لها كل دعم ممكن.

كل ما لحق بالمقاومة من ضربات، هو تفاصيل عابرة فى  جسد عملاق، فكل مقاومة، تلحق بها الضربات القاسية، لقد قدمت المقاومة العربية فى  الجزائر ما يربو على المليون ونصف المليون مواطن، لكى تحصد الانتصار الواضح، الذى لا لبس فيه، ولكى تحصل فى النهاية على بلدها الحر المستقل، وفى حالتنا المصرية، لا يعرف أحد على وجه القطع واليقين عدد الشهداء والمصابين الذين ارتقوا إثر مقاومتنا لغزوة نابليون بونابرت، ثم مقاومتنا لاحتلال إنجليزى تمدد حتى وصل إلى عامه السبعين، ثم معاركنا مع عدو يتربص بنا، ويقف على حدودنا الشرقية متسلحا بالنووى، يقينا خسرنا الكثير من المدن والحجر والبشر، ولكننا فى النهاية ربحنا حريتنا وكرامتنا وإنسانيتا.

ما الإنسان بدون كرامة؟

الضربات القاسية تؤلم، ولكنها لا تميت، لقد صعد على خط النيران الجنرال الذهبى الفريق عبدالمنعم رياض، رئيس أركان جيشنا، فما الذى حدث؟

لقد احتضنته أمه مصر، وواصلت جهادها، وكالت للعدو ضربات فى غاية القوة، ولم ينكسر الجيش المصرى العظيم، بل واصل القتال فى أيام حرب الاستنزاف، ولم يرتح حتى اقتحم قناة السويس أعظم مانع مائى ودك أحصن نقاط خط بارليف، صنعنا هذا بعيد رحيل قائدنا العظيم عبدالمنعم رياض، وفى قلب أيام معركة العبور، فقدنا نخبة من أعظم ضباطنا، كان على رأسهم بطلنا الأسطورى الشهيد إبراهيم الرفاعى، الذى ذهب للقاء ربه شهيدا يوم التاسع عشر من أكتوبر من العام 1973، يعنى فى اليوم الثالث عشر من بدء المعركة، فماذا حدث؟

 

لقد واصل جيشنا وأمتنا القتال حتى كتب الله لنا النصر.

والأمر كما ترى ببساطة، فمتى تنتصر المقاومة؟

هناك يجب تحديد ما هو الانتصار؟

فإن كان الانتصار هو مجرد الصمود، فالمقاومة انتصرت، وستنتصر لأنها لم تستسلم، ولن تستسلم، ولم ولن تنقلب عليها بيئتها الحاضنة.

وإن كان الانتصار هو تفشيل أهداف العدو الاستراتيجية، التى أعلن عنها بوصفها الأهداف، التى يسعى لتحقيقها، فالمقاومة قد انتصرت، فحتى ساعة كتابتى لهذه السطور، لم يحقق العدو هدفا واحدا، أما إن كان الانتصار هو تحرير الأرض، التى يغتصبها العدو من ثمانين عامًا، فالمقاومة لن تنتصر إلا بشرط واحد، وهو وجود دعم حقيقى مؤثر على مجريات الميدان، وللأسف لم تحصل بعدُ مقاومتنا العربية على هذا الداعم، الذى يدفع إلى شرايينها بدماء جديدة، ويريح أعصابها المتوترة على مدار الساعة، لكى تعيد ترتيب أوراقها، ولكن من يدرى، فالأيام حبلى بكل جديد وغريب وعجيب.

ــــــــــــــــــــــــــ

منشور بجريدة صوت الأمة / السبت 05 أكتوبر 2024