المنصف لا ينكر الدور الإيجابى الذى قامتْ به النخبة فى حياة مصر، فكثيرًا ما رأينا النخبة وهى تثرى البلد بأفكارها، بل ورأينا النخبة وهى تقدم دماءها قربانًا للوطن فى أزماته الكبرى.
المنصف سيذكر أيضًا أن النخبة هى صانعة الجرائد والمجلات والفضائيات التى مهدتْ لثورة يناير وبشرتْ بها ودافعتْ عنها وعن شهدائها، وحملت وحمت أفكارها ومبادئها وأهدافها. وقد دفعت النخبة المصرية أثمانًا باهظة لموقفها المبدئى المناصر والمنادى بحقوق الأمة، فمن النخبة مَنْ قُتل ومنها مَنْ سُجن ومنها أكثرية، ضيقتْ عليهم نظم الحكم المختلفة أسباب الحياة حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحُبت.
ثم جرت فى النهر مياه كثيرة، فاختلفت النخبة من بعد ما جاءتها الثورة، ولم يكن اختلافها كغيره، لقد كان مرهقًا لها حتى أنساها الأمر الذى خلقت له، وهو أن تقود ولا تقاد، تبشر ولا تنفر، تجمع ولا تفرق، تهدى ولا تضل.
نسيت النخبة أو تناست أن دورها فى حياة الوطن هو دور القلب فى حياة الجسد، فإن صلح القلب صلح سائر الجسد وإن فسد القلب فسد سائر الجسد.
إننا نرى الآن النخبة وهى تختلف وتتطاحن حول سؤال هو إلى الفتنة أقرب منه للسؤال، سؤال اخترعته النخبة وألقته فى وجه الجماهير، فبات يكبر كل يوم كأنه كرة نار لا كرة ثلج تلتهم ما يقف فى وجهها.
هذا السؤال النخبوى هو: «هل تؤيد ترشيح وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسى أم تعارضه؟».
تطرح النخبة السؤال كأننا فى معترك سؤال عن الأهلى والزمالك، إما أن تكون أهلاويًّا وإما أن تكون زملكاويًّا، بحيث يصبح أى تصنيف آخر مرفوضا.
الآن يقود فريقان من النخبة الجماهير إلى صدام مؤكد حول السيسى، فريق يوزع منشورات تحمل عنوان «كمّل جميلك» يدعو إلى إجبار السيسى على أن يتقدم للترشح لمنصب الرئاسة، والفريق الآخر يقود حملة كلامية ميدانها الشوارع والمساجد وبعض الفضائيات والجرائد تناصب السيسى العداء المطلق كأنه الشيطان الرجيم.
لم تطرح النخبة حتى اللحظة مرشحها واكتفت بالتشاجر حول السيسى كأنه الفاعل الوحيد الأوحد فى المشهد المصرى كله.
الذين يعارضون ترشح السيسى يقدمون حججًا مضحكةً كأن يصفونه بالعسكرى أو الانقلابى، أو عدو الشرعية أو الطاغية الجديد الذى يعيد نفخ الحياة فى تحكم وسيطرة المؤسسة العسكرية على مقاليد الحكم فى مصر.
والذين يؤيدون ترشح السيسى يرونه البطل المغوار الذى هزم بمفرده تنظيم الإخوان.
وعندما تمتلك الجرأة اللازمة لكى تسأل أيًّا من الفريقين عن موقع الشعب من المعادلة؟
لا يجيبك أحد برد!!
وعندما تسأل عن برنامج السيسى الذى بناءً عليه يجب أن يجرى تقييم الأمر كله؟
لا يجيبك أحد برد!!
وبعيًدا عن هذا التطاحن النخبوى المريب يجب أن نقرر جملةً من الحقائق، يأتى على رأسها أن السيسى بوصفه وطنيًّا عاقلًا تحمل مسؤولية إصدار بيان المهلة الشهير كما تحمل مسؤولية إلقاء بيان الثالث من يوليو، وذلك لأن وطنيته أجبرته على أن يقف فى صف شعبه كما دعته وطنيته إلى أن يواجه ضغوطًا عالمية قادتها أمريكا ودول أوروبا لصالح محمد مرسى رئيس عصابة حسن البنا، ثم جاء دور عقله الذى جعله يدرك مبكرًا خطورة حكم عصابة حسن البنا على ماضى مصر وحاضرها ومستقبلها. وبعد هذا الموقف المركب والمعقد اختار السيسى أن يظل وزيرًا ضمن وزارة لها ما لها، وعليها ما عليها، فإن أراد حقًّا الترشح لمقعد الرئاسة فعليه أن يسفر عن نيته كاملة غير منقوصة ويطرح علينا برنامجه، لأننا الآن أحوج أكثر من أى وقت مضى إلى برنامج إنقاذ حقيقى يعتمد على مصارحة الشعب بحقائق الموقف على كل الأصعدة بعيدًا عن سياسة التمنيات الطيبة التى قد تصلح فى مجالس فض المنازعات، لكنها حتمًا لا تصلح لإدارة شؤون بلد يعانى ما تعانيه مصر من أزمات بل وكوارث.
على السيسى أن يحسم أمره ويقدم لنا برنامجه إن كان ينوى الترشح أو أن يخرج علينا مباشرة من غير وسيط ويصارحنا: «لن أترشح وابحثوا عن غيرى».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة التحرير 24 أكتوبر 2013
لينك المقال بموقع التحرير: