وقف الرجل الفقير المغمور أمام النيابة
العامة ليقص تفاصيل العدوان الذي وقع عليه وعلى زوجته.
قال الرجل: أنا متزوج من عدة شهور وأعمل في
تجميع الكرتون والمخلفات، وأعتمد في عملي على التروسيكل الذي أنقل به بضاعتي، ويعد
كل رأس مالي، وذات يوم فوجئت باختفاء التروسيكل، بحثت عنه في مكل مكان، ولكن لم
أجده، وأرشدني أحدهم إلى المقابر فقد يكون لص قد سرق التروسيكل وذهب به إلى هناك،
كنت عاقدًا العزم على الذهاب إلى المقابر بمفردي لكن زوجتي أصرت على أن تكون
بصحبتي، لأن المكان مهجور وهى تخشى أن يلحقني شر، ذهبت معي زوجتي التي تعد عروسًا
إلى المقابر، وأثناء بحثنا عن رأس مالنا تقدم منها أربعة رجال وهو يشهرون في
وجهينا الأسلحة البيضاء، حاولت التخلص منهم ولكن لم أستطع مواصلة مقاومتهم،
أفهمتهم أن التي معي هي زوجتي على سنة الله ورسوله، ولكنهم لم يستمعوا لكلامي ولا
لصرخات زوجتي، قاموا بربطي في شجرة وقام أحدهم تحت تهديد السلاح باغتصاب زوجتي
أمامي.
انتهى كلام الرجل الفقير المغمور، ولكن
بحمد الله وفضله لم تلتفت أجهزة الأمن ولا منظومة العدالة إلى حالته الاجتماعية،
لقد أهتم الأمن بالقصة التي هزت الرأي العام من فرط بشاعتها وألقى القبض على الجناة
الذين قدموا اعترافات تفصيلية بما اقترفوا من جريمة منكرة، وعندما أصبح الأمر كله
بين يدي القضاء أصدرت محكمة جنايات الإسماعيلية الدائرة الثانية، برئاسة المستشار
محمد نصر الدين بركات وعضوية المستشارين محى الدين إسماعيل، ومحمد الصواف ومحمود
مجدى وأمانة سر محمد عبدالستار ومحمد العجوز، حكما بالإعدام شنقا على المتهم
الرئيسي ( ع )، وقضت بالسجن لمدة 10 سنوات على كل من (ع ب) و( ا.م) و ( م . ل)،
وذلك لأنهم ساعدوا المتهم الأول في تقييد حركة الزوج، إضافة إلى مساعدتهم له في
عملية الاغتصاب بترهيب الزوجة.
لقد صدر الحكم الذي قوبل باستحسان الذين
تابعوا القضية وشغلتهم تفاصيلها الدامية، ولكن هناك الذين يريدون خلط الأوراق
ووضعها جميعًا في سلة واحدة.
لقد فوجئت (شخصيًا) بجماعة من المثقفين
الذين يملؤون الأرض صرخًا رفضًا لعمليات التنمر (وهم محقون في رفضهم)، يملؤون فضاء
السوشيال ميديا صراخًا رفضًا لحكم الإعدام في القضية التي عرضنا تفاصيلها!
بأي مكيال يكيل هؤلاء؟
يرفضون التنمر والتحرش ولو بنظرة عين جشعة
ثم يجادلون في إعدام مغتصب أقر بفعلته، وربما كان يباهي بها ويفاخر قبل وقوعه في
قبضة الأمن، فبأي منطق يحكمون؟
العجيب أن بعض المعترضين أقام الدنيا ولم
يقعدها لأن سخيفًا قال كلمة سخيفة مرفوضة في حق طفلة أمها ممثلة شهيرة!
والأعجب أن بعضهم قد تذكر الإسلام وقال إن
الشريعة تحض على العفو!
كل علامات التعجب لا تكفي من إظهار الدهشة
من كلام كهذا، نعم الشريعة تحض على العفو ولكن هذا الحكم متجزأ من سياقه العام
الذي يقول: لولي الدم أن يعفو أو يقبل بالدية أو يطلب بالقصاص، وهذا هو الترتيب
وهذه هي الخيارات.
الجريمة التي نحن بصددها ليست جريمة قتل
جسدي وإن كانت جريمة قتل معنوي، والشريعة تتيح للقاضي أن يعزر الجناة تعزيرًا يصل
إلى الإعدام، وذلك بعد أن يمعن النظر في تفاصيل القضية، وقد فعل القضاة ما أمرتهم
به الشريعة وقر في وجدانهم أن الجناة يستحقون الأحكام الصادرة في حقهم، لأن الجناة
قاموا بعدوان على المجتمع كله قبل أن يعتدوا على زوجة تحت تهديد السلاح.
أشرت متعمدًا في أول السطور إلى أن الزوج
رجل فقير مغمور لا يعرف عنه أحد شيئًا ولا يتمتع بثروة ولا سلطة ولا نفوذ ولا
شهرة، فهل يجوز لي أن أقول إن المعترض على الحكم الشجاع السديد قد نظر إلى وضع
الرجل الاجتماعي فلو كان من أهل النفوذ لتغير كلامه؟
نحمد الله على نعمة العدالة معصوبة العينين التي لا ترى شخوص المتخاصمين وترى قضاياهم فقط.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة صوت الأمة 16 يناير 2021