الاثنين، 7 يوليو 2025

قداسة الجهل الدامي!

هل يمكنك أن تحارب أُممًا لا تعرف عنها شيئًا؟
بداهةُ العقل تقول: لا.
لكن قوى الاحتلال ذات النزوع الإمبراطوري تقول بأعلى صوت: نعم، نحن نستطيع محاربة الذين لا نعرف عنهم شيئًا، وسنظل نحاربهم حتى نطحن عظامهم.

فهل قوى الاحتلال، ذات التوجه الإمبراطوري، التي تريد إعادة رسم العالم وتخطيطه وفق مصالحها، عاجزة عن المعرفة؟
الحقيقة: لا.
الحقيقة أنها تستمرئ الجهل، ثم تؤسِّس له مدرسة تقوم على خلط الأوراق، فتتوه الحقائق، فلا يدري المقتول مَن قتله، ولا لأي ذنب قُتل!

قرأتُ قديمًا قصة تقول إن السيدة جيهان السادات، زوجة الرئيس الراحل محمد أنور السادات، سمحت لصحفية أمريكية بمحاورتها. وقبل بدء الحوار، كانت السيدتان تتجاذبان أطراف الحديث، وفجأة سألت الصحفيةُ السيدةَ جيهان:
ـ كم مرة يضربكِ زوجكِ يوميًا؟
مع وقاحة السؤال، ظنت السيدة جيهان أن الصحفية تشاكسها أو تصنع مادة للضحك، فأجابتها مبتسمة: خمس مرات يوميًا!
لكن الصحفية لم تبتسم، بل ظهرت على وجهها علامات الجدية، فصاحت السيدة جيهان في وجهها:
ـ ما هذا السؤال؟! ظننتك تمزحين! أنا زوجة رئيس الجمهورية، وأستاذة بالجامعة المصرية!
ثم تبيَّن للسيدة جيهان، بعد النقاش، أن الصحفية خلطت بين مرات الصلاة الخمس المفروضة وضرب الرجل المسلم لزوجته!

ما الرابط بين الأمرين؟
سَلِ الأمريكيين!

أنا أصدق تلك القصة، فعليها من عالم الحاضر شواهد وشهود، وقد شهد بعض المنصفين من أهل بلاد الاحتلال بأنهم لا يعرفون شيئًا ـ أي شيء ـ عن الأمم التي يقاتلونها بضراوة منذ قرون، بل ولا يريدون أن يعرفوا!

نقرأ معًا شهادة النائب الأمريكي الشهير بول فندلي، الذي رحل قبل سنوات قلائل. يقول فندلي في كتابه «لا سكوت بعد اليوم: مواجهة الصور المزيفة عن الإسلام في أمريكا»:

"إن معظم الأمريكيين لا يعرفون أي مسلم، لم يناقشوا يومًا الإسلام مع أي شخص مطّلع على هذا الدين، ولم يقرأوا يومًا آية واحدة من القرآن، بل ولا أي كتاب عن الإسلام. وتنبع غالبية تصوراتهم عن الإسلام من الصور السلبية المزيفة التي تظهرها التقارير الإخبارية، والأفلام، والمسلسلات التلفزيونية، والحوارات في الإذاعات والتلفزيون".

ويعترف فندلي:

"أنه منذ طفولته وحتى خريف عمره، استقرت نمطية مضللة في ذهنه، فقد كانت معلمة مدرسة الأحد المسيحية تقول لنا: إن شعبًا أميًّا، بدائيًّا، ميّالًا إلى العنف، يعيش في مناطق صحراوية، ويعبد إلهًا غريبًا".

ويختم فندلي شهادته قائلًا:

"كنت أعتقد أن المسيحية واليهودية مرتبطتان معًا، وتشكلان جبهة الغرب المتمدن والتقدمي، على الخط الفاصل الذي يقف على جبهته الأخرى الإسلام، الذي اعتبرته القوة المتخلفة والخطِرة في الشرق العربي".

فندلي هذا كان له كتاب شهير نشره تحت عنوان: "من يجرؤ على الكلام؟" وقد تُرجم إلى لغات عديدة، على رأسها العربية. في ذلك الكتاب، يعترف فندلي بأنه، قبل زيارته لليمن في مطلع سبعينيات القرن الماضي، لم يكن يعرف شيئًا لا عن اليمن ولا عن الشرق الأوسط كله، وقد فضح في كتابه هذا صناعة الجهل أو التجهيل التي يقوم بها اللوبي الصهيوني المتحكم في الإعلام والثقافة، بل والسياسة الغربية.

والجدير بالذكر أن فندلي، الذي كان نائبًا عن دائرته لعشرين عامًا، فقد مقعده في الكونغرس، ولم يعد إليه ثانية، لأنه تجرأ على فضح الأكاذيب الصهيونية.

ومن الشهادات الدامية الفاضحة، ما جاء في تقرير لوحدة من وحدات جيش الاحتلال عن بدء عملية الطوفان.
قال أحد الضباط:

"لقد رأيتهم في العاشرة صباحًا (يقصد المقاومين) ، وهم يصلّون العصر، ثم شنّوا هجومًا على المدنيين!"

هذا الضابط، الذي يحتل وجيشه فلسطين منذ ما يزيد على السبعين عامًا، يجزم بأنهم صلّوا العصر في تمام العاشرة صباحًا!
وليس في الإسلام، منذ أن كان، صلاة مفروضة في العاشرة صباحًا.
ومع ذلك، يُرفَع التقرير إلى الجهات العليا التي تبني موقفها بناءً على تقارير كاذبة جاهلة مثل هذا التقرير!

وأختم بجزء من المقابلة التي أجراها المذيع الأمريكي تاكر كارلسون مع السيناتور الجمهوري تيد كروز، وهو من غلاة المنادين بسحق إيران:

تاكر: هل تعرف عدد سكان إيران؟
كروز: لا أعرف.
تاكر: ألا تعرف عدد سكان الدولة التي تسعى لإسقاط حكومتها؟! كيف يمكن ذلك؟
كروز: وهل تعرف أنت؟
تاكر: نعم، 92 مليون نسمة.

تواصل الحوار، وكان في حدّة وسرعة تنس الطاولة، إلى أن ختمه السيناتور المتعصب الداعي لسحق إيران بفضح المسكوت عنه، عندما قال:

"لقد تعلمت من الكتاب المقدس: أولئك الذين يباركون إسرائيل سيباركون، وأولئك الذين يلعنون إسرائيل سيلعنون. من وجهة نظري، أريد أن أكون مباركًا".

ليت أبناء نخبتنا الذين يجلدون ظهورنا كل يوم، ويتهموننا بالجهل والتخلف لأننا لا نريد أن نتعلم من الغرب المتحضِّر المتمدِّن، ليتهم يتشجعون مرة ويناشدون الغرب أن يعرف من نحن، قبل أن يشن غارته علينا!


منشور بجريدة صوت الأمة
السبت 5 يوليو 2025م