الذي نعلمه من مناصب الأستاذ إبراهيم
نافع أنه يعمل رئيسًا لتحرير "الأهرام" ورئيسًا لمجلس إدارتها ونقيبًا
للصحفيين المصريين ورئيسًا لاتحاد الصحفيين العرب وعضوًا بمجلس الشوري المصرى، هذا
ما نعلمه دون الدخول فى محاولات تقصى وظائف وأعمال ومناصب أخرى يشغلها الأستاذ
نافع.
وكنا – لغفلتنا – نظن أن مناصبه
"المعلنة" تكفي لجعله يتعامل مع كارثة غزو العدوين الأمريكي والبريطاني
وعملائهما لأرض العراق الشقيق بشيء من "التعقل" ولا يندفع هذه الاندفاعة
لمناصرة قوات الأعداء.
كنا لغفلتنا نأمل ألا ينساق نقيب
الصحفيين المصريين ورئيس اتحاد الصحفيين العرب وراء دعاية العدو الأمريكي حتى
أصبحت كتاباته وكأنها كتابات موظف في خارجية العدو.
فمنذ صدور القرار المجرم (1441)
القاضي بنزع أسلحة يزعم العدو الأمريكي أن العراق يمتلكها والأستاذ نافع يقدم يومياً
في عموده "حقائق" أو في مقاله "بهدوء" قراءة عجيبة لا نريد أن
نقول مريبة لهذا القرار المجرم. فهو يبدأ عموده أو مقاله محذرًا من الحرب وأضرار
الحرب وكأننا في "حصة مطالعة" وكأنه يخاطب أطفالاً لا يدرون ما الحرب
وما أهوالها، وبعد "لف ودوران" يطالب الرئيس العراقي بأن ينزع فتيل
الأزمة وينقذ نفسه وشعبه وأمته ويلم ملابسه في "بقجة" ويرحل تاركًا
الجمل بما حمل.. وما يدعو إليه الأستاذ نافع هو ذاته ما يدعو إليه المجرمون كولن
باول ورامسفلد وتشيني وكبيرهم المجرم بوش الصغير وتابعه بلير.
ولا ندري ما الصدف السعيدة التي
توحد بين نقيب الصحفيين المصريين المعارضين في أغلبهم للعدوان وبين مجرمي واشنطن؟
كلنا نعلم – فيم عدا الأستاذ
نافع – أن مجرمي واشنطن يريدون رحيل صدام لكي يأخذوا العراق على طبق من فضة أو من
ذهب أو من ماس وكلنا عدا النقيب نعلم أن وجود صدام يضمن وجود مقاومة للعدوان ولو
في حدها الأدنى، ثم إن رحيل صدام سيمهد الطريق أمام مجرمي واشنطن ولندن لكي يفعلوا
ثانية مع فلان وعلان من الحكام العرب.
وبرغم وضوح الأمر وضوحًا يفوق
وضوح الشمس تبنى النقيب دعوة العدو الأمريكي ضاربًا بالأمن القومي المصري ومصالحه
عرض الحائط ومتجاهلاً في الوقت ذاته عقل قارئه الذي بلا شك يعلم أن صدام ليس أكثر
من مسمار جحا يتعلل به العدو الأمريكي ليغزو العراق. وعندما أعلن العدو الأمريكي
أنه سيدخل بقواته الأرض العراقية سواء رحل صدام أم لا.. قلنا: الآن سيعتذر سيادة
النقيب فها هو العدو يكشف كل أوراقه ويعلن عن عدوانه بعيداً عن بقاء صدام أو
رحيله، ولكن خاب أملنا كالعادة وقفز الأستاذ نافع فوق هذه الحقيقة التي هي أوضح من
الشمس وواصل قصفه لعقل قارئه ولمصالح بلده وأمن أمته وتشبث بالدعوة لرحيل صدام.
ألا يعلم النقيب أن كثيرين غير صدام مهددون بنفس مصيره إن هم رفعوا أصبعاً في وجه
العدو؟ ألا يعلم النقيب أن بلده مصر ورئيسه المصري الأسبق جمال عبدالناصر قد عاشا
الموقف ذاته أيام العدوان الثلاثي؟ هل لو كان أيامها نقيبًا للصحفيين المصريين كان
سيطالب عبدالناصر بأن ينقذ شعبه ويأخذ أولاده خالد وعبدالحكيم وهدى ومنى وزوجته
السيدة تحية "ويسيح" في بلاد الله؟
عجيب أمر سيادة النقيب الذي جعل
من أكبر وأعرق مؤسسة صحفية عربية منبرًا للدعاية للعدو الأمريكي والذي يتجاهل مع
سبق الإصرار والترصد بديهيات لا نظنها تغيب عن عقل صحفي تحت التمرين فما بالنا
بنقيب الصحفيين ذات نفسه.
وليست الأستاذ نافع قد اكتفي
بمساندة أمنية العدو في رحيل قائد عربي عن بلاده.. فلو اكتفي بها لقلنا سقطة
و"تفوت" ولكنه بإصرار عجيب راح يورط نفسه ومناصبه ومؤسسته بل وبلده في
مواقف حتماً سيسجلها التاريخ ضده.
صباح الخميس وكانت طائرات العدو
قد بدأت تقصف بغداد نشر الأستاذ نافع في الصفحة السابعة عشرة من
"الأهرام" إعلانًا تحت عنوان: "أطفال العراق هم ضحايا صدام"
والإعلان مقدم من "لجنة مناهضة استعمال الأسلحة الكيمياوية ضد الشعب
العراقي" حركة الوفاق الوطني العراقي. الإعلان طبعاً يتحدث عن استخدام النظام
العراقي لمادة الخردل وكلام كثير عن أنواع الغازات السامة وأضرارها ويزعم الإعلان
أن النظام العراقي يستخدمها ضد شعبه.. وفي الإعلان صورة لطفل وجهه مشوه أو ملطخ
بمادة ما. هذا هو الإعلان.. والآن نسأل:
1- هل كان "الأهرام" سيعلن إفلاسه إن لم ينشر هذا الإعلان؟
2- ألا يمثل هذا الإعلان دعمًا مباشرًا لكل الأكاذيب التي يروجها العدو
الأمريكي عن قيام صدام بقصف أطفال بلاده؟
3- لنفترض أن صدام فعلها فعلاً وقصف أطفال بلاده فأين كان سيادة النقيب وقتها
ولماذا لم نقرأ له ولو مقالاً واحدًا يفضح فيه هذا العدوان علي أطفال أبرياء؟
وأخيرًا فإن النقطة المفصلية في "حدوتة"
استخدام صدام للأسلحة المحرمة دوليًا ضد شعبه تثبتها التقارير "الغربية"
التي أكدت قيام صدام بقصف جماعات كردية بالأسلحة المحرمة دوليًا في منتصف
الثمانينيات.
أيامها كان سيادة النقيب كما هو الآن صحفيًا
كبيرًا ورئيسًا لمجلس إدارة وتحرير "الأهرام" وأيامها لم نسمع له صوتًا
يستنكر أو نقرأ له مقالاً يدين.. أيامها كان سيادة النقيب ومعه الصحفيون الرسميون
يقدمون لنا صداماً بوصفه حامي حمي الجبهة الشرقية للأمة ومحرر العرب من المجوس –
الذين هم شعب إيران المسلم – وقائد القادسية الثانية و... وكلام كثير كدنا معه
نصدق أن صدام حسين هو على الأقل من أولياء الله الصالحين.
فما الذي حدث لكي يقلب سيادة النقيب في الدفاتر
القديمة فيكتشف ويا سبحان الله فجأة أن صدام قصف شعبه بالكيماوي والجرثومي؟
وبعد هذا الإعلان الصدمة الذي لم يكن الوقت وقته
ولا المكان مكانه أجرى أو هكذا قال الرئيس النقيب حوارًا مطولاً مع نائب رئيس
العدو الأمريكي ديك تشيني – نشر تنويها عنه يوم الخميس في الصفحة الأولى من
أهرامنا العريق العتيق ونشره بأكمله يوم الجمعة جزء بارز منه في الصفحة الأولى
والباقي على الصفحة الثالثة.
وهذا الحوار الفضيحة ينسف أولاً ما يشاع عن
"حياد الأهرام" لأن الحياد – هذه الكلمة البذيئة في ظروف كالتي تعيشها
أمتنا – كان يحتم على رئيس مجلس إدارة الأهرام ورئيس تحريره أن يحاور مسئولاً
عراقيًا في الوقت نفسه لكي تعتدل كفتا الميزان ولكي لا يصبح الأمر كما رأيناه
دعاية مجانية لأكاذيب العدو.. أما ثانية سقطات هذا الحوار الفضيحة فكان قيام
الرئيس النقيب بتحويل نفسه طائعًا مختارًا إلى جهاز تسجيل يتلقي إجابات المجرم
تشيني دون مراجعة أو حذف أو إضافة، هي المرة الأولى والله التي نعلم فيها أن تشيني
حديثه قرآن لا يرد عليه، فالأستاذ نافع يسأل أو هكذا قال لنا والمجرم يجيب
والأستاذ نافع ينشر الإجابات كما هي دون تعليق ولو كان هذا التعليق بسيطًا
وصغيرًا.. في حجم علامة استفهام أو تعجب.
في هذا الحوار الفضيحة ترك الأستاذ نافع الحبل علي
الغارب للمجرم تشيني فصال وجال منفردًا وكأنه يحاور نفسه أو يلقي بيانًا لمجموعة
من جنود مشاة البحرية قال المجرم وبدون مقاطعة أو حتى استفهام من نافع
"العراقيون سيرحبون بنا كمحررين" وقال أيضاً "إننا في العراق لننجز
شيئًا نافعًا للشعب العراقي" و"إننا نحترم انخراطنا في شئون المنطقة
لتشجيع الحرية والسيادة" و"إننا لا نريد إيذاء الشعب العراقي".
هذه الدعاية وغيرها من السخافات التي نطق بها
المجرم تشيني نشرها نافع وكأنها قرآن منزل.. ألا يعلم نقيب الصحفيين المصريين
ورئيس تحرير أكبر صحيفة مصرية وعربية أن حكومة مصر قد خرجت في مظاهرة تندد بالحرب
وترفض وقوعها؟!
ونحن نسأل منذ متى والأستاذ نافع يعارض سياسة، أية
سياسة للحكومة حتى يخرج علينا بمقالاته وأعمدته وحواراته التي تؤيد الحرب لدرجة
أنه يتبنى المصطلح الذي أطلقه العدو الأمريكي على حربه السافلة ضد العراق
"حرب تحرير العراق".
كل حكومة مصر ترفض الحرب إلا المعارض القوي
الأستاذ إبراهيم نافع.
الذي أصبح
معارضًا حتى لتوجه جريدته وللصحفيين العاملين بها فقد نشرت الزميلة
"العربي" بياناً أصدره صحفيو "الأهرام" استنكروا فيه ما يقوم
به نافع من ترويج للعدوان الأمريكي على شعبنا العربي المسلم في العراق.
لقد اختار نافع الانضمام إلى شرذمة من مؤيدي المجرم
بوش وتجاهل أمن بلده ومصالح أمته وكأنه لا يعلم أن العدو يضع مصر على أجندة
ضرباته.
_________________
الصدى - 26 مارس 2002