الشعر حين يتخلى عن صخب الموسيقى، والقصة عندما تسرق من الشعر إيجازه، والرواية عندما تومض وتلمح ولا تصرح هذا هو كتاب ( رأيت رام الله) للشاعر النبيل مريد البرغوثي.
تقرأ الكتاب فلا تجد في يديك يقيناً نقديًا يرشدك إلى جنس الكتاب لأن شاعرنا النبيل استطاع أن يحقق ببراعة ما يمكن تسميته بالكتابة النحلة ، حيث امتص رحيق الشعر والقصة والرواية والسيرة الذاتية وأدب الرحلات ولكنه لحظة التدفق خرج علينا بكتاب كأنه أول الكتابة وفاتحة القول
ضم الكتاب تسعة فصول هي إلى الدفقات الشعرية أقرب منها لفصول كتاب نثري، ولكن هناك ثمة خيطًا دقيقًا يلضم حبات العقد وذلكم هو العبث.
الكتاب من أوله إلي آخره يرصد عبثًا أسود يهيمن على الحياة الفلسطينية بأكملها وإلا ما معنى أن يتصل منيف البرغوثي شقيق مريد من قطر ليبلغ مريد المقيم بأمريكا إن فهيم ابن خالهما عطا قد استشهد في بيروت وعلى مريد أن يبلغ ذلك للخال عطا المقيم في الكويت ولجدة فهيم المقيمة في نابلس ولعمة فهيم المقيمة في الأردن!!
أليس هذا هو العبث بعينه ثم هناك مشهد أكثر عبثية يحكي عن تميم ابن الشاعر مريد البرغوثي الذي ولد في مستشفي على نيل القاهرة من أب فلسطيني يحمل جواز سفر أردني وأم مصرية والولد تميم لم يشاهد من فلسطين إلا غيابها الكامل وعندما أتم شهوره الخمسة الأولى كان أبوه ممنوعًا من دخول القاهرة وعندما أخذته أمه الدكتورة رضوى عاشور ليرى أباه راح يناديه عمو فلما قال له الأب أنا مش عمو يا تميم أنا بابا فصار يناديه يا عمو بابا!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة الدستور ــ 6 أغسطس 1997
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق