الخميس، 1 أغسطس 2019

صلاة في محراب المحبوبة


كانت الحياة تقسو على الكاتب الكبير الأستاذ صلاح عيسي فُيفصل من عمله، أو يُنتزع من بيته إلى السجن، فإذا غادره عائدًا إلى دنيا الناس لم يجد سوى البطالة.
فى أيام البطالةـ وما أقساها على النفس ـ لم يكن الأستاذ صلاح، يسقط فى هوة رثاء الذات وفخاخ التحسر على ما مضى، كما لم يكن يقفز فى الفراغ، شأن الذين يريدون التخلص من مواجعهم عبر مواجهات خائبة يعودون منها ـ إن عادواـ وقد تحطمت قلوبهم.
أيام بطالة الأستاذ صلاح، كانت هى أيام الترفيه التى يعيشها!
 ليس فى وصفى مبالغة، فقد عرفته وسمعت منه كثيرًا، كان يصحو مبكرًا كأنه مرتبط بعمل مهم، ويغادر مسكنه عاقدًا العزم على إقامة  صلاة صوفية فى محراب المحبوبة، وما كانت المحبوبة سوى مصر العظيمة المقاومة.
صلاة العم صلاح، كان يقيمها فى أروقة ودهاليز كل مكان توجد به المجموعات النادرة من الكتب والمجلات والجرائد والنشرات، وكل ما له علاقة بتاريخ المحبوبة. 
لم يكن يغادر تلك القاعات إلا مجبرًا، فى ساعات إقامته بالقاعات، كان ينخرط فى صلاته لا يصرفه عن خشوعه شىء، كانت صلاته هى جمعه لكنوز مخبأة بين سطور جرائد كاد الزمان يذهب بحبر طباعتها.
كانت الكنوز تطول أحيانًا، لتصبح دراسات ومقالات، وكانت تقصر أحيانًا لتصبح ومضات، ولكنها فى كل الأحايين، كانت تبحث عن مصر التى لا يعرفها أحد، والتى ينسج صلاح من حكاياتها الكبيرة والصغيرة سجادة صلاته.
أصدرت «دار الكرمة» مؤخرًا كتاب الأستاذ صلاح عيسى «هوامش على دفتر المقريزى»، يضم الكتاب مائة وثمانين حكاية قصة قصيرة جدًا من قصص مصر ورجالها ونسائها، تبدأ القصص من عصر المماليك، وتصل إلى أحداث ثورة 1919.
لو كان الأمر بيدى لفرضت هذا الكتاب فرضًا على طلاب المدارس أو على دارسى التاريخ بالحد الأدنى، فالكتاب ليس ممتعًا فحسب، ولكنه عميق جدًا، ويأتى عمقه من براعة الأستاذ صلاح فى الكشف عن جوهر الشخصية المصرية، تلك الشخصية التى زمامها بيدها هى، فهى التى تقرر متى تتحدث ومتى تصمت، ومتى تعارض ومتى تؤيد، ومتى تنام هادئة، ومتى تنتفض انتفاضة عارمة.
من بين قصص الكتاب التى تكشف عن منهج كاتبه فى التقاط كنوز مصر، قصة الثائر المشرد.
عندما ثارت مصر فى عام 1919، ثارت بكل طوائفها، نعم كان المتعلمون فى المقدمة، ولكن حتى المتشردين شاركوا، يحكى الأستاذ العقاد أن ثلاثة عشر شابًا مصريًا لا يعلم عنهم أحد شيئًا تناوبوا رفع العلم، يسقط شاب برصاص الإنجليز، فيسارع صاحبه بالتقاط العلم لكى لا يسقط علم المحبوبة على الأرض، وما سقط العلم أرضًا إلا بعد استشهاد الشاب الثالث عشر.
من بين حاملى العلم، كان الشاب محمد الذى حملته سيارة الإسعاف إلى قصر العينى، وهو بين الحياة والموت، وهناك كشف عليه أعظم جراحى مصر على باشا إبراهيم، وسأله: أى عمل تعمل ؟.
فأجابه الشاب مبتسمًا: لا عمل لى لأنى مشرد.
بات الشاب محمد ليلته فى قصر العيني وكانت تهاجمه الحمى فيصرخ: «اثبت يا شيخ علي العلم يا محمد، العلم يا شيخ علي
عندما جاء الصباح، كان الشاب قد لفظ آخر أنفاسه.
عندما جاءت أسرة الشاب لتتسلم جثته كانت المفاجأة، لم تكن أسرته سوى أمه «توحيدة الإنجليزية».
سأترك بقية المساحة لقلم الأستاذ صلاح ليكمل لنا القصة: «كانت توحيدة قد أخذت لقبها، لأنها كانت الغانية المفضلة لجنود جيش الاحتلال وضباطه، وكان المنزل الذى تديره فى حى البغاء، يتفنن فى تقديم المتعة لهم، لدرجة أن أصبح لقب «الإنجليزية» مشهورًا ومعروفًا فى حى البغاء، بل فى مصر كلها، وطوال سنوات الحرب الأولى، فتحت توحيدة بيتها للترفيه عن جنود الاحتلال، الذين كانوا يقيمون فى القاهرة، أو يعودون إليها فى إجازات قصيرة، يشربون الخمر، وينالون المتعة، ويقيمون حفلات الرقص الشرقى، ويستمتعون بكل ما يتيحه لهم وضعهم المتسلط باعتبارهم حكام مصر الحقيقيين، وتسلمت توحيدة جثة ابنها الصبى، ودفنته من دون دمعة، وفى اليوم التالى، أقامت فى منزلها حفلة كبرى، دعت إليها مجموعة كبيرة من أصدقائها الإنجليز، وتحدث حى البغاء كله بالحفلة الفخمة، التى أريقت فيها الخمور، وسالت أنهارًا، وارتفعت نغمات الموسيقى، وملأت الضحكات أرجاء الحى السعيد، فى صالة المنزل، كانت توحيدة تضحك وترقص، وهى فى قمة فتنتها، وأخذت تترامى على ضيوفها الإنجليز معابثة، تمنح القبلات واللمسات، وتخطف غطاء الرأس من واحد لتضعه فوق رأس آخر. وأخيرًا أخذت مسدسين من وسط أحد الضباط، وأخذت ترقص بهما، وفى غيبة الوعى لم ينتبه أحد لما تفعل، وابتهج رواد الحفل بمشهدها، لقد أصبحت توحيدة إنجليزية فعلًا، الكاب على رأسها والمسدسات فى يديها. وفجأة انطلق الرصاص، وأصيب كثيرون من الجنود والضباط، وقتلت توحيدة ضيوفها الأعزاء، وفى الصباح كانت قد لفظت أنفاسها فى قصر العينى. ويعلق الدكتور على إبراهيم، الذى روى الحكاية، قائلًا: «تنازلت توحيدة عن لقب الإنجليزية بالدم، أصرت على أن تموت وهى توحيدة المصرية».
انتهت القصة، فهل تستحق مصر؟.
نعم تستحق دماء رقابنا جميعًا، فهى الحبيبة العظيمة المقاومة دائمًا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منشور بجريدة صوت الأمة 
13 يوليو 219

الجمعة، 24 مايو 2019

عبث شرير بتاريخ مجيد


ولد الدكتور أحمد صبحي منصور قبل سبعين عامًا، وتعلم فى المعاهد الأزهرية حتى   أصبح مدرسًا بجامعة الأزهر الشريف، ثم كثر الكلام عنه عندما بدأ يطعن فى حجية السنة القولية، وهى الكلام الذى تلفظ به الرسول وصح نسبه إليه، وبعدها طعن فى السنة العملية وهى التى تسجل أفعال الرسول  ومثالها الشهير قوله، صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتمونى أصلى»، وقوله أثناء حجة الوداع: «خذوا عنى مناسككم».
وعن تلك السنة، قال الدكتور صبحى كلامًا كثيرًا جدًا، يُمكن تلخيصه فى نقطة واحدة، وهى: إن الإسلام هو ملة إبراهيم عليه السلام، وكل ما كان يتعبد به إبراهيم أحياه الإسلام، فصلاتنا الآن هى صلاة إبراهيم وكذا بقية العبادات، ولذا لا نجد القرآن قد شرح طرق أداء تلك الشعائر!
مَنْ قال للدكتور صبحى، إن الخليل عليه السلام، كان يصلى الظهر أربع ركعات سرية، ويجلس للتشهد مرتين؟.
من الواضح أن الدكتور يفترض فرضًا ويبنى عليه، غير ملتفت لأساسيات مدرسة التاريخ الإسلامى التى تهدر كل رواية لا سند لها.
ثم لم يبق أمام الدكتور صبحى سوى السنة التقريرية، فنسفها نسفًا.
السنة التقريرية، قال العلماء فى تعريفها: إنها ما فُعل بحضرة النبى فأقره، أو علم به فسكت عليه؛ لأنه لا يسكت على باطل، ولا يقر إلا حقا .
وعندما كان يسأل الدكتور صبحى عن حجته فى إهدار حجية السنة يقول: أعتمد على القرآن فقط، ما فيه يلزمنى، وما ليس فيه لا يلزمنى.ولقد أشار رسولنا الكريم فى حديث شهير لخطورة رد الدكتور صبحى فقال لأصحابه: «لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته، يأتيه الأمر من أمرى مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول لا أدرى، ما وجدنا فى كتاب الله اتبعناه».
والحال كما رأيت دخل الأزهر معركته مع الدكتور صبحى، الذى كان يرد للأزهر الصاع صاعين، وما أكثر ما كتب فى وصف الأزهر، قائلًا: هذا هو الأزهر الشريف للبلاستيك!
وانتهت المعركة بفصله من جامعة الأزهر، وكاد أمره ينتهى إلى مقبرة الصمت إلا أن أحد الأصدقاء ـ سامحه الله ـ بعث الرجل من صمته، عندما قال لى: الدكتور أحمد صبحى منصور، يقول: إن عمر بن الخطاب قد قتل أبا بكر الصديق!
الحق لم أصدق صاحبى، الذى لم أعرفه كذابًا، فسألته: هل سمعته بأذنيك ؟.
قال: لا، بعضهم ذكر ذلك أمامى.
قلت لصاحبى: رمى الناس بالباطل أو الشبهات، هو أمر عند الله عظيم، نبحث لنتأكد.
وليتنى ما بحثت، لقد قالها الرجل فى كتابات موثقة، وكررها كثيرًا كأنها علكة يمضغها.
عثرت على قناة على  اليوتيوب لا أعرف هل هى من ممتلكات الدكتور صبحى الخاصة أو أن بعضهم قد أطلقها من أجله، وعلى تلك القناة يأتى الدكتور منصور بكل عجيبة ونقيصة، ثم عثرت على موقع يحمل عنوان «أهل القرآن»، يخصص ركنًا ثابتًا لمقالات الدكتور صبحى، فقرأت فيه تفصيل ما قاله صاحبى.
فى تفصيل قتل الفاروق للصديق، قال صبحى: إن حلفًا مكونًا من عمر بن الخطاب وأبى سفيان بن حرب، كان يفرض أوامره على حلف مضاد، يضم أبا بكر وخالد بن الوليد.
طبعًا هذا الكلام دون أى وثيقة أو حتى قرينة أو حتى أوهى دليل، فالدكتور يفترض، وعلينا نحن أن نصدقه.
نعم علينا أن نصدق أن عمر بن الخطاب كان واقعًا فى غرام أبى سفيان، ومن أجل عيون هذا الغرام الحرام باع عشرة العمر، وهانت عليه معانى الأخوة، وترك وصايا النبوة، وهجر القرآن، وأصبح رجل مؤامرات، لماذا نصدق هذه الأكاذيب؟
لأن الدكتور صبحى يريد ذلك!.

حلف عمر كان يعلم أن حلف الصديق، يستمد قوته من وجود خالد بن الوليد، فعمل ذلك الحلف كثيرًا على عزل خالد من قيادة الجيش، وعندما تمسك أبو بكر بورقته الرابحة، قام عمر باغتياله، ثم عندما تولى   الخلافة قام بعزل خالد.
آه لو كان على الكلام جمرك، لدفع الدكتور صبحى الغالى والنفيس، لكى يمرر كلامه هذا، ولكن المشكلة أن الكلام مرسل لا قيد عليه.
فى كل ما سبق توجد حقيقتان، الأولى: أن الصحابة قد تحاربوا، ولكنهم عندما وقعت الفتنة بينهم كانوا رجال شرف وفروسية، فكان الرجل منهم يقاتل أخاه وجهًا لوجه وسيفًا لسيف وليس بالاغتيال والخداع، والذين وقعت الفتنة بينهم لم يكونوا على عهد الصديق ولا الفاروق، لقد بدأت الفتنة بعد عهدهما بسنوات.
الحقيقة الثانية: أن الفاروق عندما تولى الخلافة قد عزل خالدًا، ولكن عزل خالد كان فى سياق بعيدًا جدًا عن سياق المؤامرات والأكاذيب التى يروج لها الدكتور صبحى.
عن قتل الفاروق للصديق، يقول الدكتور صبحى: 
1 ـ إنّ أبا بكر مات مسموما بمؤامرة  عمر، فقد كان المسيطر على أبى بكر فى خلافته، ثم كان المستفيد من موته فتولى الحكم بعده، وساعده طلحة وعثمان وعبد الرحمن بن عوف، وقد كانوا مع عمر فى مشهد موت أبى بكر ودفنه ومبايعة عمر بعده، وسنراهم فى مؤامرات تالية.

2 ـ ولأنها مؤامرة قتل فإن عمر أسرع بدفن الضحية ليلا، وقبل صباح اليوم التالى، ودون جنازة يحضرها الناس، بل ومنع النواح عليه، والروايات كلها تتفق فى دفن أبى بكر ليلا بمجرد وفاته، دون أن ينتظر عمر للصباح.
لا حول ولا قوة إلا بالله، أهذا هو البحث العلمى الذى يقدمه أستاذ تاريخ ؟.
أهذا تاريخ أم خيال ظل؟.
الدكتور صبحى لا يملك دليلًا واحدًا، يقدم من خلاله قراءة جديدة لتاريخنا، هو فقط يمتلك خيالًا شريرًا، فكل عسل عند الرجل هو سم، وكل براءة هى حيلة، وكل طهارة هى نجاسة، هل الدفن ليلًا يعنى التخلص من الجريمة؟.
ثم أين ذهب كل الصحابة وعلى رأسهم فتى الفتيان على، فارس الإسلام وفقيهه وفيلسوفه، هل شارك فى التغطية على جريمة قتل، أم تراه كان مخدرًا؟.
ثم أين ذهبت أسرة الصديق والرجل من قلب قريش ؟.
هل سكتوا جميعًا أم كانوا غائبين عن الوعى ؟.
الدكتور صبحى لا يمكنه الرد على هذه الأسئلة وغيرها، لأنه يخبط «خبط عشواء»، ويعبث وهو الرجل الذى جاوز السبعين بأصابع صبيانية فى متن تاريخ مجيد.

المسلمون خلق من خلق الله وأمة من الأمم، وتاريخهم به النبلاء والأوباش والفجار والأبرار والقتلة والأبرياء، فلم شن صبحى غارته على أبى بكر وعمر والطبقة الأولى من الصحابة؟.
إنها يا صاحبى خطة تسميم المنابع وحرق الجذور، هو ذهب إلى   الشيخين الجليلين وقدمهما على هيئة رجال العصابات، فأبو بكر عنده ليس مقتولًا فى مؤامرة فحسب، بل كان لصًا سرق «خزينة» الدولة!.
إن القرآن الذى ينسب الرجل نفسه إليه يتحدث صراحة عن رضوان الله عن الذين بايعوا النبى تحت الشجرة، وكان أبو بكر وعمر على رأس المبايعين، فكيف أصبحا فجأة رجال عصابات ؟.
ثم السنة، عفوًا لقد نسيت أن صبحى لا يعترف بالسنة.
ثم كد وتعب أجيال عظيمة من المؤرخين، الذين دونوا تاريخنا بالحرف والكلمة، كل هذا يرميه صبحى وراء ظهره
فلا دليل ولا وثيقة ولا حتى ذكاء فى قراءة الروايات التاريخية، لقد نسى الرجل فى حمى الكتابة القرآن الذى يتشدق به، قال القرآن: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى  ٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة صوت الأمة 11 مايو 2019

الأحد، 24 مارس 2019

ملاك من أفريقيا


كانت الشاشة مظلمة تمامًا ، ثم راح الظلام ينقشع ببطء، ومن قلب بقعة مضيئة، ظهرت السيدة السمراء قوية البنية ناصعة الأسنان، كان شعرها الأسود الخشن يغطى وجهها، ثم بيد مترددة  أزاحت خصلات الشعر ليظهر وجهها الذى يرتعش خوفًا أو عارًا أو ذلًا.
راحت تتحدث وهى تتحرك بخطوات عصبية مرتبكة فى وسط قاعة غارقة فى الصمت، ممتلئة بنساء من مختلف الأعمار والطبقات.
قالت السيدة المذعورة: كانوا يأتون بنا، كنا عشرات وأحيانًا مئات، وكانوا أقوياء جدًا، كانوا قد قتلوا قلوبهم وضمائرهم قبل أن يمسكوا بنا.
لقد كانوا يغتصبوننا بعنف وتوحش، ثم يهدءون قليلًا ليسألونا: هل أنتن متزوجات؟
تعيسة الحظ منا تلك التى تكون متزوجة، والأتعس تلك التى تكون متزوجة ولديها أولاد.
لقد كانوا يأتون بالأزواج والأولاد، ويأمرون الزوج باغتصاب زوجته أمام أعينهم وتحت عيون أولادهم، ثم يأمرون الأولاد باغتصاب أمهاتهم أمام الجميع، الولد الذى يرفض كانوا يطلقون النار على رأسه فورًا.
صمتت السيدة لثانيتين، ثم عادت لتنفجر وهى تضرب بطنها قائلة: ترى هل كان المشهد ينتهى بعد حفلة الاغتصاب تلك؟
لا، أحيانًا كانوا يغرسون حراب بنادقهم فى أعضائنا الخاصة، ويتركوننا للنزف حتى الموت أو للمذلة الأبدية، ما امرأة بدون أعضاء؟
أخيرًا عرفت السكينة طريقها لوجه السيدة قوية البنية، فلمع وجهها بشيء يشبه الانتصار!
دارت الكاميرا فى أرجاء القاعة ثم حطت على وجه رجل أسمر، كان الرجل الوحيد الجالس بين مئات النساء، كان وجهه بريئًا يدعو للشفقة كوجه طفل يعترف بذنبه.
فرك الرجل يديه ليبحث عن خيط الكلام، ثم قال مخاطبًا السيدة أولًا ثم العالم كله: الذى يتعرض لكارثة مثل التى تحدثت عنها لن يعرف الشفاء إلا إذا تخلص من عار الصمت، علينا أن نعترف بما حدث لنا، علينا أن نخرجه من قبره الذى أقمناه بداخل قلوبنا، ونكشفه للعالم كله، وبعد الاعتراف يأتى عقاب المجرم، وأنا أعدكم أن المجرمين لن يفلتوا، يومًا ما سننزل بهم العقاب الذى يستحقونه.
 عادت الشاشة للإظلام وتركتنى فى قبضة حيرة مظلمة، مَنْ هؤلاء؟ وما هذا الكابوس الذى أشاهده؟ إننى لا أعرف عنهم شيئًا.
عادة الشاشة للإضاءة ليقول صوت معلق: لقد رأيتم جانبًا من جلسة علاجية يقودها الطبيب الكونغولى، دينيس موكويغى.
ولد «موكويغى» فى الأول من  مارس عام  1955، كان أبوه راعيًا لكنيسة، يعالج أرواح المستضعفين، وكان موكويغى، يرى أن علاج والده ليس كافيًا، وفى يوم من الأيام قال لأبيه: يومًا ما سأتولى أنا علاج أجسادهم.
عاصر الطفل- ثم الشاب موكويغى- بلاده الكونغو الديمقراطية وهى تخرج من كارثة لتدخل فى غيرها، ولكن ذلك لم يثنه عن طلب العلم خاصة علوم الطب.
وعندما جرى على نطاق واسع استخدام سلاح الاغتصاب ضد نساء بلاده فى الحرب الأهلية التى شهدتها لسنوات، برز دوره، لقد أقام منشأة طبية لعلاج الناجين من العنف الجنسى.
يصمت المعلق ليفسح المجال لصوت الطبيب الذى يقول ونبرات صوته تقطر حزنًا: لقد عالجت طفلة ولدت على يدى فى مستشفاى هذا، كانت مغتصبة وهى فى الثانية من عمرها!
يعود صوت المعلق ليقول: لقد عالجت منشأة الطبيب أكثر من أربعين حالة، ثم تعرض الطبيب لست محاولات اغتيال، فهرب إلى أوروبا، ومكث بها سنة واحدة، إلا أنه عاد إلى بلاده ليجد آلاف السيدات اللاتى يرتدين الأبيض فى استقباله بالمطار!
يومها صاح الطبيب صيحته الخالدة: أين كان الرجال عندما جرى اغتصاب زوجاتهم وأمهاتهم وبناتهم؟!
حمل الطبيب قضية نساء بلاده على عاتقيه وطاف بها أرجاء العالم، وفجرها فى قلب قاعات الأمم المتحدة، لم يكن يترك فرصة إلا وانتهزها لكى يفضح الجريمة ويندد بالمجرمين، حتى أطلق عليه الإعلام العالمى لقب «ملاك بوكافو الحارس» وبوكافو هى اسم المنطقة التى يعمل بها.
قبل شهور من الآن أعلنت الأكاديمية الملكية السويدية منح جائزة نوبل للسلام لدينيس موكويغى لجهوده فى مكافحة العنف الجنسى، لتبدأ حلقة جديدة فى حياة الملاك الحارس.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منشور بجريدة صوت الأمة 

الاثنين، 4 فبراير 2019

عن عشق البالون للهواء



لم تكن سوى سيدة رشيقة القد، بيضاء البشرة، سوداء الشعر.
ـ ثم ماذا؟
ـ لا شيء آخر.
للإنصاف أسجل أن الشيء الوحيد الذى كانت تتمتع به فوق تلك الصفات الجسمانية، كان شوقها العارم لأن تصبح بالون ملونًا يحلق حيث السماوات العلا، بطريقة ما أصبحت البالون الذى تشتهيه (يوجد متخصصون فى ملء البالونات وتلميع الأسماء ودهان اللافتات) وبلمعان اسمها حصلت على الجرعة الأولى من الهواء اللازم لملء بالونها النفسى، جريدة شهيرة التقطتها وجعلت منها الصحفية الحديدية وعهدت إليها بمحاورة الشخصيات الشهيرة، هنا لا بد وأن تنتبه إلى أن كل حواراتها كانت مع شخصيات تتولى أرفع المناصب ثم أخنى عليها الذى أخنى على لبد، ولكن تلك الأحاديث الباردة نجحت فى إضافة المزيد من الهواء للبالون النفسى.
ثم بعد فترة من إجرائها للأحاديث الهادئة المطمئنة التى تجلب المزيد من الشهرة ولا تسبب أى قلق لأحد، تحولت السيدة إلى محاورة لكتّاب ومهتمين بالشأن العام يعيشون الأمتار الأخيرة من أعمارهم، ولقد كان هؤلاء لقمة طرية سقطت بين أسنانها، شائع جدًا أنها حاورت رجلًا كان فى شبابه وقبيل شيخوخته من الذين تقوم الدنيا إن قام وتقعد إن قعد، قال لها الرجل كلامًا كثيرًا لم يملأ بالونها بالهواء بالقدر المطلوب، فتفتق ذهنها عن فكرة شيطانية، لقد غافلت الشيخ العجوز الهرم وسطت على بعض من أوراقه شديدة الخصوصية، وعندما افتضح أمرها قالت بتلقائية تحسد عليها: لقد تدللت عليه وأخذت أوراقه !!!!
ثم جرت بعد تلك الواقعة فى النهر مياه كثيرة وأصبح اسمها يدوى مثل الطبول الأفريقية، وأصبح بالونها ممتلئًا حتى كاد أن ينفجر.
وتصدرت المشهد بوصفها المثقفة صاحبة المواقف البطولية، ثم لأنها لم تتمتع يوما بأى أصالة أيًا كان تعريفك للأصالة، فهى مجرد بالون لا أكثر ولا أقل، فقد تلاعب بها الريح فاصطدم بالونها بجسد صلب فانفجر، وسقط على الأرض جثة هامدة.
لم تتعلم الدرس فسعت لملء بالونها بعد أن لعقت جراحها وغيرت هيئتها بلون شعر جديد وملابس تبدو فيها مثل مراهقة حمقاء.
أطلت على الناس ببالونها الجديد قائلة: «مفاجأة لكل الستات اللى عايزة تعيش حياتها فى هناء ومن غير عكننة، لو كنت مطلقة وهتموتى على الزواج وخائفة تجربى «ليطلع شبه المأفون» أو أرملة، وخائفة «الناس تاكل وشك.. وتقول: ما صانتش الرجل فى تربته».. إليك العرض الخرافى رجل روبوت على كل صنف ولون، «النحنوح» و «الحمش»، «اللى بيسبل»، و«اللى بيغازل»، «واللى بيدخل على طول فى الموضوع... هيدلعك لا هيقولك تخنتى أو يا خميرة العكننة، وكل ما هتطلى فى وشه هيقولك: بحبك يا قمر، بموت فيك يا غزال.. الأسعار مثل أى سلعة تبدأ «غالية» وبعدها «هيرخصوا ويرطرطوا»، الأسعار تبدأ من 5 آلاف دولار حتى 16 ألف دولار، مميزاته بيقوم بكل الوظائف العضوية للرجل، «الوظائف إياها»، «لهلوبة فى شغل البيت، محترف فى المكواه، وأستاذ فى تشطيب الحوض»..
الرجل بعد فترة من الزواج ما فائدته: غير إنه يغير الأنبوية ويشغل السخان.. يا شيخة هينى قرشك ولا تهينى نفسك.. واختارى اللى على مزاجك.. قطع الرجل الطبيعي».
هل رأيتم عواقب البالونات؟.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منشور بجريدة صوت الأمة / السبت 2 فبراير 2019

الخميس، 31 يناير 2019

أكذوبة حديث الملبن



ذهبت السيدة حسناء الحسن «لا أعرف عنها شيئًا ولم أقرأ لها حرفًا» إلى فلان صاحب دار النشر الفلانية.
قالت حسناء لفلان: لقد كتبت كتابًا من أربعة فصول تناولت فيه قضايا المرأة.
رد فلان: لا بد من عنوان جذّاب لكى نضمن رواجه فى أيام معرض الكتاب.
بعد جلسة عصف ذهنى، اتفقا على أن يكون عنوان الكتاب « لا تظلموا الملبن».
وزيادة فى جذب الجماهير الغفيرة وضعت دار النشر صورة عظمى للمؤلفة احتلت كامل الغلاف الأمامى للكتاب.
قامت السيدة الحسناء بنشر الغلاف على الفيس بوك، فهاج نشطاء الفيس وماجوا، وتدفقت أسئلتهم التى من نوعية: مَنْ هذه؟ كيف تضع صورتها الشخصية على الغلاف الأمامى للكتاب؟ ما هذا العنوان المبتذل؟!
كبرت كرة الثلج، بل قل كرة النار حتى تحدث بعضهم عن غياب الرقابة!
يا الله! ما كل هذا الانفلات؟ أمن أجل غلاف كتاب وعنوانه ننادى بالرقابة؟، الحمد لله وحده لم تسمع الحكومة لمن يبكون على زمن الرقابة على الكتب ويتمنون عودتها من أجل غلاف واسم كاتبة تشارك فى الهرتلة القومية بكتاب.
أمام الهجوم الكاسح على شخصها، وعنوان كتابها، قررت الحسناء الرد، فجاءت بالأعاجيب شأن كل من يتحدث فى غير فنه.
قالت السيدة: «أنا سجلت اسم الكتاب فى الشهر العقارى كبرنامج تليفزيونى وكاسم كتاب وبرنامج إذاعى، واسم الكتاب «عادى للغاية، بنقول كلنا فى الشارع إنتى زى الملبن أو إنتى زى العسل».
وأضافت السيدة حسناء: «وصف المرأة بالملبن لا توجد به أى إساءة لها، فالملبن نوع من أنواع الحلويات زى العسل، والسكر».
ثم تقعرت السيدة فى محاولة منها لتأصيل عنوان كتابها، فقالت: «اخترت هذا العنوان لكتابها لأن الرسول قال: «رفقا بالقوارير» ونحن حاليا بدل ما نقول رفقا بالقوارير بنقول رفقا بالملبن».
السيدة حسناء لا تعرف الحديث الذى يقول نصه: عن أنس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سفر، وكان معه غلام أسود يقال له: «أنجشة» يحدو، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ويحك يا أنجشة رويدك بالقوارير».
هذا هو الحديث فأين الملبن أو اللبان فى الموضوع؟!
واضح لدى ذى بصيرة بالعربية أن الملبن تشبيه حسى، وعندما يصف أحدهم المرأة بأنها «ملبن» فالمعنى معروف جيدًا ولا يحتاج لشرح أو تفسير، أما ما جاء فى الحديث الشريف فأمر أرقى من ذلك بكثير، فالرسول كما قال شراح الحديث كان يقصد الصحابيات اللاتى يركبن الجمال، فقد كان أنجشة يقود الإبل بصوت جميل منغم وينشد شعرًا عاليًا فكانت الإبل تسرع وتهتز طربًا عند سماعها هذا الحداء، فخشى الرسول عليهن من إسراع الإبل بهن، وهذا من أروع التشبيهات البلاغية.
ثم هناك وجه آخر للحديث وهو أن الرسول خشى على أفئدة النساء الرقيقة من وطأة الشعر العالى، فقد يتأثرن به ويبكين مثلًا، فطلب من الحادى أنجشه أن يرفق بهن.
هذان هما الوجهان الوحيدان للحديث، فأين الملبن يا صاحبة الملبن؟!
ـــــــــــــــــــ

منشور بجريدة صوت الأمة 


الأحد، 20 يناير 2019

ميركاتو الثلوج القاتلة

هل أخطأ محمود دوريش شاعر فلسطين الكبير عندما قال: «يا حقل التجارب للصناعات الخفيفة والثقيلة يا لحم الفلسطيني؟».
هل كان يجب عليه ترك القوس مفتوحًا لأن لحم العرب من محيطهم إلى خليجهم أصبح حقل تجارب ليس للصناعات فحسب بل لظروف الطقس.قبل أيام ضربت مصرنا نوبة صقيع تركتنا جميعًا نرتعش، ولكنها مرت بسلام بفضل الله، ولكن النوبة ذاتها تحولت إلى عاصفة ثلجية ضربت بلدة «عرسال» اللبنانية، تلك البلدة تحتضن بعض مخيمات اللاجئين السوريين الفارين من قتال عبثى مجنون نعرف جميعًا كيف بدأ ولا يعرف أحد كيف سينتهى أو متى سيتوقف؟ وكالات الأنباء قالت ما ملخصه: أحرق لاجئون سوريون فى مخيم عرسال اللبنانية ملابسهم، فى محاولة لمواجهة البرد والثلوج والعواصف الرعدية والأمطار الغزيرة التى أغرقت خيامهم.
ويوجد عشرات الآلاف من اللاجئين فى بلدة عرسال القريبة من التلال الواقعة على الحدود مع سوريا.
وقات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين إن العواصف العاتية والأمطار وتساقط الثلوج أضر بشدة بأكثر من 150 مخيما مؤقتا بما فى ذلك بعض المخيمات التى أُغرقت أو تهدمت بالكامل. 
وذكرت منظمة (أنقذوا الأطفال) أن العاصفة المطيرة اجتاحت المئات من المخيمات فى أنحاء لبنان وتقطعت السبل بصبية فى أجواء برد قاسية.
قد يسأل سائل عن موقف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين من كارثة إنسانية كتلك؟
الحقيقة تقول: إن المفوضية تبذل أقصى ما لديها من جهد ولكنها تعانى منذ سنوات من عجز مادى فادح، فهى تعتمد فى تمويل عملياتها على التبرعات التى تصلها من الدول أو الهيئات الرسمية أو الخاصة، كما تستفيد المفوضية من إعانة سنوية صغيرة عن طريق الميزانية العادية للأمم المتحدة، ثم قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتقليص مساعدتها لكل الهيئات العاملة داخل نطاق الأمم المتحدة، ولم تقم دولة واحدة بتعويض الغياب الأمريكي.
المفوضية تشكو من سنوات وفى العام 2007 كان للمفوضية دور فى إنقاذ المشردين فى جنوب السودان وكان عددهم يصل إلى مئات الآلاف، وأيامها صرخت المفوضية قائلة: كيف سننقذ كل هؤلاء وليس بين أيدينا إلا خمسين مليون دولار فقط؟
من حسنات الرئيس الأمريكى الحالى ترامب أنه رجل صريح فقد صرح مرارًا وتكرارًا بأن بلاده لن تنفق على مواطنى دول تبعد عن بلاده آلاف الكيلومترات، وأكد أن بلاده لن تسهم فى إعمار سوريا أو غيرها من البلدان العربية التى شهدت وتشهد ظروفًا مماثلة كالتى تعيشها سوريا.
ومع صراحة الرجل نرى الدول العربية المنكوبة تناشد أمريكا التدخل لإنقاذ اللاجئين السوريين الذين فروا من نيران الحرب ليقعوا فريسة سهلة بين مخالب العواصف الثلجية.
هل العرب مجتمعين ليس بمقدورهم ماديًا دعم المفوضية؟
لغة الأرقام تؤكد أن بعض العرب يمتلكون تلالًا من الأموال يتم إنفاق معظمها فى ميادين ليست بأهمية إنقاذ أشقاء لهم من الثلوج القاتلة.
لقد تابعت شأن غيرى ما أنفقه بعض فرق كرة القدم العربية فى موسم انتقالات اللاعبين، المعروف بالميركاتو الشتوى، وأفزعتنى الأرقام التى جرى تبديدها فى عمليات شراء تغيب عنها الشفافية، وتلك المبالغ لو جرى جمعها لوجدنا أنفسنا وجهًا لوجه مع أرقام خرافية، كان يمكن توجيه بعضها لإنقاذ الفارين من جحيم الحرب.

الأربعاء، 21 نوفمبر 2018

قيام وانهيار دولة التلاوة


شاعت أجهزة التسجيل فى النصف الأول من سبعينيات القرن الماضى، وشأن أى تطور كانت هناك ضحايا لهذا الشيوع، وكان على رأس قائمة الضحايا «فن تلاوة» القرآن الكريم، فبعد أن كانت شهرة قارئ القرآن مرهونة بإجازة الإذاعة له، أصبح متاحًا لأى كان أن يملأ شريط كاست بأى تلاوة كانت، دون رقيب ولا حسيب.تلك السنوات كانت بداية انهيار دولة التلاوة المصرية بمدرستها الرائدة التى أسسها بالعرق والعلم جماعة من أفذاذ القراء الذين وهبهم الله حلاوة الصوت، ورهافة الحس، ثم فرغوا هم أنفسهم لصيانة مواهبهم الإلهية، وتعلموا كل قواعد التلاوة، والتزموا بها فى صرامة قل نظيرها، حتى أصبحت المدرسة المصرية فى التلاوة صرحًا لا يطاوله صرح.فى الفترة التى أشرت إليها هبت علينا أصوات تتاجر بالتلاوة، ولكى تكسب أرضًا جديدة وتربح أنصارًا، فقد عمد هؤلاء إلى التفنن فى التلاوة، معتمدين على أشذ القراءات، والعجيب فى تلك الأيام، أن انهيار دولة التلاوة قد تزامن مع صعود نجم الجماعات المسلحة، التى كان الإعلام يطلق عليها الجماعات الإسلامية.تلك الجماعات لم تكن تترك شيئًا إلا وحرمته على المصريين، ولكن الغريب، بل قل المريب أنها وقفت صامتة وهى ترى شواذ القراء يتلاعبون بالتلاوة الكريمة. أيامها لم يكن يواجه طوفان التلاعب بالتلاوة إلا عصبة من الأزهريين.ثم مرت السنون، وفشت ظاهرة المتلاعبين حتى سادت، فلم نعد نسمع لغيرهم إلا فى القليل النادر، ولأن الحديد لا يفله غير الحديد، فقد تصدى لهؤلاء نفر من العارفين بالقراءات الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعى التى جعلها المتلاعبون منصة ينطلقون منها.قد يأتى اليوم الذى يذكر فيه التاريخ جهود الكاتب الصحفى هيثم أبو زيد، الذى حمل منفردًا عبء التصدى لهؤلاء.ولمن لا يعرف الأستاذ هيثم، فهو قد حفظ القرآن، وجوده وبدأ دراسة القراءات وهو دون العشرين من عمره، ولم يكف عن دراستها إلى يومنا هذا. التحق بمعهد القراءات عام 1998، ونال شهادة عالية القراءات عام 2003 من معهد قراءات المنصورة، حفظ الشاطبية فى القراءات السبع، وقرأ تقريبا كل شروحها، كما اهتم بتاريخ التلاوة وأعلام القراء، وانغمس فى هذا الأمر منذ عام 1988.. أى من 30 عاما كاملة، والأستاذ هيثم مهتم أيضا بالغناء الكلاسيكى والموسيقى الشرقية، ودرس مقامات النغم، والتحق لفترة ببيت العود فى القاهرة، وتعلم العزف على آلة العود.وقد سألت الأستاذ هيثم عن المؤيدين لحملته الداعية لانقاذ دولة التلاوة، فقال لى: يقف معى بكل قوة فى هذه الحملة أستاذ كبير، وعالم جليل، هو الشيخ محمد على بحرى، الموسيقى الحلبى، الذى هو ودون مبالغة موسوعة تمشى على الأرض، وأخبر الناس على وجه البسيطة بالموشحات ومقاماتها وإيقاعاتها، وهو مرجع كبير ومهم يعرفه المختصون فى العالم.. وقد تعرض حسابه على الفيسبوك للإغلاق ربما عشر مرات من قبل المنزعجين من الحملة.وأيضا يساندنا الأستاذ الشاعر الناقد عبدالرحمن الطويل، وقد كتب دراسة فى هذا الباب، أزعم أنها غير مسبوقة، وهى فى غاية الدقة والقوة والإحكام.وأضاف الأستاذ هيثم: بدأت الحملة يوم 15 أكتوبر.. أى من نحو شهر.. بمقال بعنوان «كلمات.. فى وصف تلاوة ابن الشحات».. وفوجئت بردود فعل واسعة جدا.. وحقق المقال عشرات الآلاف من القراءات.. وتلقيت نحو 1000 طلب صداقة.. وألف رسالة.. واتصل بى عشرات القراء مساندين ومباركين.
فقام المتلاعبون بالتلاوة، وأغلقوا حسابى على فيسبوك.. واستعدته.. وأرسلوا رسائل شتائم بشعة.. ثم وصل الأمر لتهديدات بالتليفون، ومن المهم أن أقول لك إننى لا أستهدف المتلاعبين بهذه الحملة، فلا رجاء لى فيهم، إننى أستهدف توعية المستمعين، بعدما رأيت كثيرا من أصدقائى ينخدعون بالعناوين الكاذبة والألقاب المزورة.الكرة الآن فى ملعب نقابة محفظى القرآن الكريم، ومشيخة عموم المقارئ المصرية، ولجنة مراجعة المصحف الشريف بمجمع البحوث الإسلامية، فهذه الجهات وغيرها يجب أن تساند حملة انقاذ دولة التلاوة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منشور بجريدة صوت الأمة السبت 17 نوفمبر 2018

الاثنين، 12 نوفمبر 2018

للأسف نادي الأهلي أصبح مصريًا !


أعترف بأنني زملكاوي ، من ألف الزمالك إلى كافه ، ولكن زملكاويتي التي ورثتها عن أسرتي وورثتها لأولادي ولو أمتد بي العمر سأورثها لأحفادي ، لم ولن تفرض عليّ انكار  ضخامة كيان الفريق المنافس وهو النادي الأهلي .
الأهلي من حيث التاريخ هو الأعرق ومن حيث البطولات خزانته ممتلئة ، أما من حيث مهارة لاعبيه فحدث ولا حرج ، من حيث حنكة إدارته فلا إدارة كإدارة الأهلي انضباطًا وتفرغًا وموهبة .
ولكن حدث أن فقد الأهلي في موسمنا هذا شرط تميزه  وهو الإدارة .
 جاءت إدارته بمدرب أسباني لفريق كرة القدم ( وهو عنوان النادي وصانع أمجاده ) ذلك المدرب كان أبلد مدرب مر في تاريخ الفريق العريق ، لم يكن به من ميزه سوي جاكت بذلته القصير !!
المدرب المغمور غير الموهوب جعل الفريق ينزف نقاطًا كثيرة ، في الوقت الذي كان منافسه الزمالك يربح نقاطًا كثيرة ، وهو ما أدي في النهاية إلي انفراد الزمالك بالصدارة .
منذ بدايته القديمة كان الإعلام الأهلاوي ـ فيما يخص الأهلي علي الأقل ـ يحق الحق ويبطل الباطل ، أذكر أن الأهلي كان سيئًا جدًا في بداية الألفية حتى أنه خسر من فريق أفريقي في القاهرة برباعية ، يومها خرج الإعلام الأهلاوي ممثلًا في مجلة النادي بعنوان علي صدر الصفحة الأولي يقول : إن هؤلاء اللاعبين عار علي الفانلة الحمراء وليسوا جديرين بها !!
تلك المعالجة المحقة والصادمة جعلت الفريق يعيد حساباته ويأتي بالساحر  جوزيه ومعه كتيبة من أمهر لاعبي مصر ، وبهما معًا جوزيه والمهرة فاز الأهلي بكل البطولات وتقدم مستواه حتى بات قريبًا من مستوى الفرق الأوربية .
الآن سقط الأهلي في فخ  الحالة المصرية ، وهو فخ التبرير ونفي التهمة عن الذات والتقليل من الآخرين ونسب نجاحهم إلي عوامل خارجة عن إرادتهم .
للأسف ألتحق الأهلي بالنوادي المصرية وأصبح مصريًا يرى القذى الذي في عين الآخر ولا يرى الخشبة التي في عينه هو !!
مجلة النادي العريق بلغت سن الرشد من زمن بعيد بل هي الآن في سن الحكمة بعد أن تجاوز عمرها الأربعين عامًا ومع ذلك قدمت المعالجة الأسوأ والتي تنذر ببعثرة الفريق .قدمت معالجة مراهقة ورخيصة مثل فرش الملاية لنساء الحارات .
قالت المجلة في عناوين عددها الأخير إن فقدان الأهلي للدوري ما هو إلا زكاة عن الفريق !!
ثم قالت  إن ختام الدوري كان " التفويت " واضح طبعًا أن المجلة تشير  إلي مباراة الزمالك مع الإسماعيلي ،   التي أسفرت عن فوز الزمالك بثلاثية نظيفة قربته كثيرا من حسم اللقب .
ثم قالت المجلة إن مسابقة الدوري شهدت فوضي التحكيم وإرهاب اتحاد الكرة بالصوت العالي .
تلك كانت عناوين الصفحة الأولي ، باقي الصفحات كانت في سوء الصفحة الأولي بل اشد سوءًا .
فخ التبرير مريح جدًا لكنه علي المدى البعيد مهلك ،الأهلي الآن يحتاج إلي قسوة الناصح الأمين وليس إلي طبطبة المجامل ،  لو كانت المجلة منصفة كما كانت في السابق لقالت إن إدارة النادي قد أخطأت عندما تعاقدت مع الرجل صاحب الجاكت القصير .
وأخطأت عندما لم تسارع بإقالته بعد تكاثر أخطائه التي تحدث عنها الجميع .
لو كانت المجلة تريد استعادة الأهلي لمستواه المعروف لقالت إن إدارة الزمالك ( أنا لم أنتخب مرتضي منصور ولن أنتخبه أبدًا ) كانت بارعة في التعاقد مع مدرب له اسمه وشخصيته ومع لاعبين هم الآن الأبرز علي الساحة المصرية .
لماذا أفلت باسم مرسي وأيمن حنفي وعلي جبر ومحمد كوفي وأحمد الشناوي من الأهلي ؟
أليس في هذا رعونة من إدارة الأهلي ؟
هل حصد الزمالك كل نقاطه بضربات الجزاء ؟ وهل ضربات جزاء الزمالك كلها لم تكن مستحقه ؟
ثم أين كان إرهاب الحكام والزمالك يسجل هدفين في فريق إنبي ولا يحتسبهما الحكم ويخرج الزمالك خاسرًا اللقاء ؟؟؟؟
ثم أين هو الإرهاب والأهلي يرد الهدية بأن يخسر من فريق الاتحاد برباعية ؟.
ثم كيف كان الأهلي سينافس وهو يخسر خمسة لقاءات ويتعادل في ثمانية ؟.
كان المنتخب الوطني المصري بخير عندما كان الأهلي بخير ، وكان الأهلي بخير عندما كان يواجه نفسه بعيوبه ويقر بأن أول الشفاء هو الاعتراف بالمرض .
إدارة الأهلي بدأ التخبط يعرف طريقه إليها بعد أن كانت هي الأمهر في كل شيء ، في لقاء خاص جمعني وواحد من كبار مسئولي الأهلي قال لي :" طلب منا الزمالك أن نعلمه كيف يدير ، وكان ذلك علي عهد رئيسه نور الدالي ، فلم نتأخر وذهبنا إليه بمعارفنا ، ولكن الحمد لله ـ الكلام للمسئول ـ تكاتف أولاد الحلال ورموا بما قدمناه لهم في سلة المهملات ، فظل الأهلي يصعد والزمالك يتدهور ".
علي ما سبق فليس مطلوبًا من إعلام الأهلي أن يخترع العجلة ، كل المطلوب منه أن يعود مهنيًا ومنصفًا ناقدًا لا مجاملًا ، ساعتها لن يتحدث أحد هذا الحديث الرخيص عن التفويت والإرهاب وكأن إدارة الزمالك تنتمي إلي داعش !
ـــــــــــــــــــ 

جريدة التحرير / يوليو 2015