المقاومة تهزم فى حالتين الأولى أن
تلقى هى سلاحها وتعلن استسلامها والحالة الثانية عندما تنقلب بيئتها الحاضنة عليها
بعد الضربات القاسية، التى تلقتها
المقاومة فى الأسبوعين الماضيين، خاصة على الساحة اللبنانية، يضع جمهور المقاومة
يديه على قلبه، خوفًا من هزيمة ساحقة ماحقة، لا تقوم للمقاومين بعدها قائمة.
سطورى القادمة، ليست من باب بث
الاطمئنان فى قلب الجمهور العريض المنتشر بين أرجاء العالم، وليست تسويقًا لأوهام،
هى فقط محاولة منى لبسط وجهة نظرى فى
الأمر العام للمقاومة بعيدًا عن أمور الميدان الدقيقة التى نجهلها بطبيعة الحال.
بداية أقول: المقاومة كائن حى غير
قابل للهزيمة، وذلك لأن المقاومة فى
طينتها الأولى التى منها خلقت، هى فكرة، ولا نعرف، ولن نعرف فكرة هزمت،
فالأفكار راسخة، لا تتعرض جذورها للاقتلاع، أيًا كانت قوة العدو.
ثم المقاومة متجذرة فى النفوس، حتى
أصبح لها حال كحال الاحتياجات البيولوجية، فكأنها الأكل والشرب والتنفس، فلا نعرف
بشرا، ولن نعرف، ترك بالكلية الأكل والشرب والتنفس إلا إذا كان يريد الموت
والانتهاء.
المقاومة تهزم فى حالتين اثنتين لا
ثالث لهما، الأولى، أن تلقى هى سلاحها، وتعلن استسلامها، وتخرج رافعة رايات
الانكسار والتراجع عن فكرتها.
الحالة الثانية والأخيرة، تكون عندما
تنقلب بيئتها الحاضنة عليها، وتقوم بلفظها والامتناع عن دعمها، ساعتها تنهزم
المقاومة.
هل وقع غبار الحالتين أو إحداهما على
المقاومة العربية فى فلسطين أو لبنان؟
هل استسلمت المقاومة العربية، ورفعت
رايات الانكسار والتراجع؟
هل لفظتها بيئتها الحاضنة، ورأينا
مئات الآلاف، يتدفقون إلى الشوارع هاتفين ضد المقاومة ومستنكرين دورها؟
لم يقع شىء من هذا إلا فى أمنيات
العدو وخيالاته وأحلامه وأوهامه.
المقاومة لم تلق سلاحها، وبيئتها
الحاضنة لا تزال مع عظم التضحيات، تقدم لها كل دعم ممكن.
كل ما لحق بالمقاومة من ضربات، هو
تفاصيل عابرة فى جسد عملاق، فكل مقاومة،
تلحق بها الضربات القاسية، لقد قدمت المقاومة العربية فى الجزائر ما يربو على المليون ونصف المليون
مواطن، لكى تحصد الانتصار الواضح، الذى لا لبس فيه، ولكى تحصل فى النهاية على
بلدها الحر المستقل، وفى حالتنا المصرية، لا يعرف أحد على وجه القطع واليقين عدد
الشهداء والمصابين الذين ارتقوا إثر مقاومتنا لغزوة نابليون بونابرت، ثم مقاومتنا
لاحتلال إنجليزى تمدد حتى وصل إلى عامه السبعين، ثم معاركنا مع عدو يتربص بنا،
ويقف على حدودنا الشرقية متسلحا بالنووى، يقينا خسرنا الكثير من المدن والحجر
والبشر، ولكننا فى النهاية ربحنا حريتنا وكرامتنا وإنسانيتا.
ما الإنسان بدون كرامة؟
الضربات القاسية تؤلم، ولكنها لا
تميت، لقد صعد على خط النيران الجنرال الذهبى الفريق عبدالمنعم رياض، رئيس أركان
جيشنا، فما الذى حدث؟
لقد احتضنته أمه مصر، وواصلت جهادها،
وكالت للعدو ضربات فى غاية القوة، ولم ينكسر الجيش المصرى العظيم، بل واصل القتال
فى أيام حرب الاستنزاف، ولم يرتح حتى اقتحم قناة السويس أعظم مانع مائى ودك أحصن
نقاط خط بارليف، صنعنا هذا بعيد رحيل قائدنا العظيم عبدالمنعم رياض، وفى قلب أيام
معركة العبور، فقدنا نخبة من أعظم ضباطنا، كان على رأسهم بطلنا الأسطورى الشهيد
إبراهيم الرفاعى، الذى ذهب للقاء ربه شهيدا يوم التاسع عشر من أكتوبر من العام
1973، يعنى فى اليوم الثالث عشر من بدء المعركة، فماذا حدث؟
لقد واصل جيشنا وأمتنا القتال حتى كتب
الله لنا النصر.
والأمر كما ترى ببساطة، فمتى تنتصر
المقاومة؟
هناك يجب تحديد ما هو الانتصار؟
فإن كان الانتصار هو مجرد الصمود،
فالمقاومة انتصرت، وستنتصر لأنها لم تستسلم، ولن تستسلم، ولم ولن تنقلب عليها
بيئتها الحاضنة.
وإن كان الانتصار هو تفشيل أهداف
العدو الاستراتيجية، التى أعلن عنها بوصفها الأهداف، التى يسعى لتحقيقها،
فالمقاومة قد انتصرت، فحتى ساعة كتابتى لهذه السطور، لم يحقق العدو هدفا واحدا،
أما إن كان الانتصار هو تحرير الأرض، التى يغتصبها العدو من ثمانين عامًا، فالمقاومة
لن تنتصر إلا بشرط واحد، وهو وجود دعم حقيقى مؤثر على مجريات الميدان، وللأسف لم
تحصل بعدُ مقاومتنا العربية على هذا الداعم، الذى يدفع إلى شرايينها بدماء جديدة،
ويريح أعصابها المتوترة على مدار الساعة، لكى تعيد ترتيب أوراقها، ولكن من يدرى،
فالأيام حبلى بكل جديد وغريب وعجيب.
ــــــــــــــــــــــــــ
منشور بجريدة
صوت الأمة / السبت 05 أكتوبر 2024
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق