يقف مثقف عربى مرتبكًا فى حضرة
مسئول عربى، ويسأله وهو يقدم كلمة ويؤخر الثانية: "هل ترى سيادتكم أن لقضية القدس
أبعادًا دينية؟".
تتصلب عروق رقبة المسئول العربى
غضبًا ويتكلم من بين أسنانه قائلًا: "ما هذا الكلام؟ نحن أمام صراع سياسى، أو
معركة سببها النزاع على ملكية قطعة من الأرض، إدخال الدين فى هذه القضية سيزيدها
فسادًا على فسادها، أرجوك لا تطرح هذا السؤال مرة ثانية، وحاذر أن تلعب بورقة
الدين".
يواصل المسئول العربى الرطانة
الأعجمية.
تبدو على وجه المثقف العربى
علامات عدم الفهم، فيستدير معطيًا ظهره للمسئول وينصرف عنه، كأنه "حنظلة"
الفلسطينى فى رسومات ناجى العلى والذى دائمًا ما كان يعطى للعالم كله ظهره بعد أن
فقد التواصل مع ظلمات هذا الكون التعس.
يدخل "التاريخ" ذاته إلى المشهد،
ونراه وقد قعد مسترخيًا على حجر مصرى أقدم من التاريخ ذاته، وراح يقرأ من كتاب بين
يديه بصوت مسموع: "يقول اليهود إن عيد الحانوكا هو عيد من أعيادهم الثانوية، ليست
له مكانة عيد الغفران، ولكنه يظل مهمًا لديهم".
الحانوكا كلمة عبرية تعنى
التدشين، وهى مناسبة يتم فيها تشجيع ومكافأة الأطفال لدراسة التوراة. ونتيجة لذلك،
يعطى الآباء أبناءهم أموالا وهدايا خلال العيد.
ـ لا تزال الكاميرا على "التاريخ" وهو يغلق الكتاب وتشرد نظراته وهو يخاطب مجهولًا لا يظهر فى الكادر
قائلًا: "طالب أنت بتدريس القرآن وانظر ماذا سيحدث لك".
ـ الكاميرا على يد "التاريخ" وهى
تعيد فتح الكتاب ليواصل القراءة بصوت مسموع: والتدشين المقصود هو التذكير بتدشين
الهيكل المقدس الثانى فى أورشليم فى القرن الثانى قبل الميلاد، وللحانوكا اسم شائع
وهو "عيد الأنوار"، وسيأتى الكشف عن سر التسمية، فى الفصول القادمة من كتابنا، وفى
ذلك العيد يتواصل احتفال اليهود لثمانية أيام، وأيام العيد ليست محددة بدقة، فهى
أحيانًا تبدأ فى الأسبوع الأخير من نوفمبر، وأحيانًا تكون فى الأسبوع الأخير من
ديسمبر.
فى اللحظة ذاتها التى كان فيها
المسئول العربى يرطن مستهجنًا وجود أبعاد دينية (إسلامية ومسيحية) لقضية القدس،
كان الرئيس الأمريكى ترامب المسيحى يقولها بجماع قلبه: القدس يهودية هكذا كانت
وهكذا ستبقى!
لم يهتم ترامب بتبيض وجه المسئول
العربى، فترامب من المؤمنين بأن "من يهن يسهل الهوان عليه، ما لجرحٍ بميت إيلام"،
ترك ترامب المسئول العربى ضائقًا بسؤال مواطنه، وكتب على الموقع الرسمى للبيت
الأبيض رسالة يقول نصها: "نفتخر فى هذا العيد أننا ندعم الشعب اليهودى الذى يلمع
بين الدول، كما نؤيد شعب إسرائيل والدولة اليهودية التى لها فى حد ذاتها تاريخ
رائع فى التغلب على الظروف غير المواتية، وآمل أن يحظى من يحتفل بهذا العيد فى
الولايات المتحدة، وفى إسرائيل وحول العالم، بإجازة ممتعة".
عندما كان المثقف العربى صاحب
السؤال جالسًا على رصيف مقهاه ينفخ غضبه مع دخان الشيشة سائلًا نفسه: "كيف لا يكون
للإسلام والمسيحية دخل بالقدس؟!".
فى اللحظة ذاتها كان ترامب قد
حشد كل أفراد أسرته، بداية من زوجته الشابة الجميلة، ونهاية بأحفاده الأطفال
الأبرياء، ووقف خطيبًا يحتفل بعيد الحانوكا اليهودى.
قال ترامب فى خطبة احتفاله "حانوكا لليهود فى جميع أنحاء العالم، عندما يجتمعون حول المينورا المضاءة
ويحتفلون بعجائب الماضى والأمل فى المستقبل. ميلانيا (زوجته) وأنا نتمنى لجميع
إخوتنا اليهود الاحتفال بهذه العطلة الهامة لمدة 8 ليال كاملة بالسعادة والصحة.
قصة معجزة حانوكا بدأت منذ أكثر من 2000 سنة، عندما كانت ممارسة الشعائر اليهودية
يعاقب عليها بالموت. وقد انتفضت فرقة صغيرة من الوطنيين اليهود واستعادت الهوية
اليهودية عن طريق هزيمة جيش عظيم، وفى محاولة سعيهم لإعادة تشييد معبدهم المقدس،
لم يجد الأبطال اليهود غير قليل من الزيت
لإضاءة مصباح المعبد لليلة واحدة، ولكن وقعت معجزة، عندما استمر الزيت بنعمة من
الله فى الإضاءة لمدة ثمانية أيام".
ثم شرح ترامب وكأنه حاخام فقيه
فى الشريعة اليهودية أن من معانى الحانوكا الإضاءة الساطعة، حيث أن المصباح قد ظل
مضيئًا لثمانية أيام رغم قلة زيته، ثم واصل ترامب خطبته فتحدث عن معجزة إسرائيل
(يقصد نبى الله يعقوب عليه السلام ) وقال إن إسرائيل وأحفاد إبراهيم وإسحاق قد
تحملوا بشجاعة نادرة محنًا كثيرة مرت بهم ثم انتصروا على كل اضطهاد غير مبرر
تعرضوا له.
وقبل أن ينهى ترامب خطبته أكد
على أهمية الحانوكا هذا العام تحديدًا لأن العيد جاء بعد قراره بتهويد القدس.
الكاميرا تنتقل إلى المثقف
العربى وهو يضرب كفًا بكف وهو يقول: "حقًا القدس ليس لها أبعاد دينية، والدليل هو
خطبة ترامب الدينية!".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منشور بجريدة "صوت الأمة" ديسمبر 2017
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منشور بجريدة "صوت الأمة" ديسمبر 2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق