فتنة الجامعة
قبل حوالى ثمانين عامًا من عامنا هذا كان عميد الأدب العربي الدكتور طه
حسين يلقي على طلابه محاضرات في الشعر الجاهلي ، كان من بين تلاميذ العميد ،
الطالب محمود محمد شاكر ، الذى سيصبح فيما
بعد حارس العربية وشيخ مشايخ محققي التراث العربي والإسلامي ، الطالب شاكر لم
تعجبه محاضرات العميد وناقشه في منهجه الذى يشك في الوجود الحقيقي للشعر الجاهلي ،
ثم وقر في قلب الفتي شاكر أن العميد قد نسخ ( بمعنى سرق ) ومسخ بحثًا للمستشرق
مرجليوث حول نفس الشأن .
حدثت كل هذه النقاشات دون كلمة خارجة من أيهما ، لا الفتي شاكر رفع عينيه
في أستاذه ولا الأستاذ قمعه وهدده بـ " قلم البوليس السياسي " أو
بالرسوب .
خاض الفتي شاكر صراعًا نفسيًا مريرًا ، أدى إلى هجره للجامعة وقال قولته
الموجعة :" لقد انهدم معنى الجامعة
في نفسي ".
معنى الجامعة في نفس شاكر لم يكن يعني سوى التقديس المطلق لقيمة العلم .
وقد سجل الأستاذ شاكر دقائق وتفاصيل هذا الصراع في مقالات شهيرة ، جمعها في
كتاب " بيني وبين طه " فلم تفلت منه كلمة نابية واحدة ضد أستاذه ، بل على العكس اعترف
بفضل أستاذه عليه وكيف سانده لكي يلتحق
بقسم اللغة العربية بكلية الآداب .
تلك الحادثة البعيدة عن زماننا ، تشير إلي ما لحق بجامعاتنا
من سوء ، وهذا السوء هو للإنصاف قد ضرب كل
مؤسساتنا بعد التجريف الذى أصابنا على يد نظام حكم مبارك .
الجامعة الآن لم تعد مكانًا يقدس قيمة العلم وجلال الأستاذية ، لقد أصبحت
مسرحًا لعبث أظنه لم يخطر على قلب إبليس شخصيًا .
هناك طلاب وأساتذة يقولون إنهم ضد " الانقلاب ".
وهؤلاء أمرهم معروف ، فهم من خلايا عصابة حسن البنا أو من مدعي اليسارية
المراهقة .
ثم هناك طلاب وأساتذة يكاد الواحد منهم أن يقدس نظام الحكم الحالي .
هؤلاء وأولئك جعلوا من الجامعة
مسرحًا لتصفية حساباتهم السياسية ، فرأينا الشماريخ والمولوتوف بل والخرطوش بل
والبنادق التى تطلق الرصاص الحي إضافة إلى السلاسل والسكاكين والخناجر والعصي تمرح في جنبات الجامعة .
حدث هذا وأكثر العام الماضي وكانت نتيجته مقتل حوالي اربعة عشر طالبًا ،
ذهبت دماؤهم أدراج الرياح .
الكارثة الحقيقة هى في إدارة منظومة الجامعة ، كل المسئولين عن أمن الجامعة
يتصرفون وكأنهم يتعرفون لأول مرة على أوجه المصاعب والمتاعب والمشاكل التى تواجه
الجامعة ، الجميع يتصرف بعشوائية مفرطة ، كل مسئول يظن أن اعتقال طالب هنا أو حبس
طالب هناك سيؤدى إلى السيطرة على الجامعة وانتظام الدراسة ، لا أحد يريد الدخول في
نقاش حقيقي وجاد عن أسباب كل هذا الانفلات ، لا أحد يريد توريط نفسه في الذهاب إلي
رأس الدمل والتعامل معه بمشرط جراح يمتلك رهافة حس الفنان لا غلظة سواعد القاتل .
المظاهرات ستستمر والاشتباكات ستتواصل والنفخ في رماد الخلافات حتى يصير
الرماد جمرًا لن يتوقف ، إذن ما الحل؟
الحل هو أن يتحمّل كل مسوؤل مسوؤليته كاملة وإلا فليتفضل مشكورًا و يجلس مرتاحًا في بيت أبيه ، والمسوؤلية هنا
تعنى احترام حقوق الطلاب الإنسانية والسياسية .
التعامل بحزم وحسم مع كل خروج على القانون العام .
تحرى أقصى درجات الدقة في ضبط أمن الجامعة .
الكف عن الأساليب القديمة البالية التى تؤمن أن عصا الأمن قادرة على إخراس
كل صوت معارض ، لقد جرب نظام مبارك وكل نظام فاشل هذه الأساليب فلم تفلح سوى
في تخمير الثورات ومن ثم اندلاعها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق