كان ابن زريق يعيش مع
زوجته حياة هادئة في حي الكرخ ببغداد ولما عضه الفقر قرر الهجرة إلى الأندلس لعله
هناك يكسب مالاً ينجيه من فخاخ الفقر القاتلة، كانت زوجته تحبه وهو أيضاً كان
يحبها .
عارضت الزوجة قرار
هجرته كل المعارضة ولكنها في النهاية رضخت خاصة وقد أقنعها أنه سيتغرب عاماً أو
عامين ثم يعود محملاً بثراء يكفل لهما حياة كريمة.
سيسجل ابن زريق فيما
بعد مشهد الوداع قائلاً:
ودعته وبودي لو
يودعني
صفو الحياة وأني لا
أودعه
وكم تشبث بي يوم
الرحيل ضحى
وأدمعى مستهلات
وأدمعه
سافر ابن زريق وهناك
في الأندلس البعيد تكالبت عليه الغربة والأشواق والأمراض وجاء قضاء الله فمات بأرض
بعيدة البعد كله عن أرض صباه وحبه وشبابه وذلك كان في العام أربعمائة وعشرين من
الهجرة.
وقبيل لفظه لأنفاسه
الأخيرة سجل مأساته في قصيدة وجهها لزوجته المحبة المنتظرة.
بقيت القصيدة من يوم
كتبها ابن زريق إلى يومنا هذا وستبقي ما بقي محبون تغتالهم الأيام ومحبات يغتالهن
الانتظار.
أكتب كلماتي هذه فجر
الخميس السابع عشر من محرم 1424 هجرية العشرين من آذار "مارس" 2003
ميلادية الحادي عشر من برمهات 1719 قبطية، نعم علينا حفظ هذا اليوم بكل تاريخ
وتقويم.. إنه يوم الفصل.. صواريخ الأعداء همج أمريكا وبريطانيا وعملائهم تقصف
بغداد الحبيبة، نعم رأيت صواريخ الأعداء تمزق جسد هالة ، هيفاء ، ليلي ،عبلة ،هند ،لبني
،عزة ،بثينة .
ورأيتك يا ابن زريق
تخرج من قبرك تصرخ بأعلى صوتك وبأصفى قطرة من دمك..
استودع الله في بغداد
لي قمرا
بالكرخ من فلك
الأزرار مطلعة
ما أسعدك يا ابن زريق
استودعت الله قمرا واحدا تعني به زوجتك المحبة المنتظرة.
وما أتعسني وأشقاني
وأنا أستودع الله قمرا وأرضا وحضارة وتاريخا وشعرا وماءً وسماءً وجبالاً وديناً.
استودع الله رجالاً
بشوارب وبنات بضفائر وأطفالاً لم يغادروا بعد فجر طهرهم.
استودع الله في بغداد
لى أحبة لم أرهم ولم يروني ولكنهم أحبتى.
استودع الله في بغداد
دماء الحسين وعلي بن الحسين وأصحاب الحسين والأرواح الطاهرة التي حلت بفناء
الحسين.
استودع الله في بغداد
المثنى وسعد بن أبي وقاص والقادسية وجيوش خالد.
استودع الله المتنبي
وشعره والأصمعي وعلمه وأبا حنيفة وفقهه وسيبويه ونحوه.
استودع الله أمهات
يلوحن بمناديلهن لأولادهن الذاهبين إلى الجبهة.
استودع الله أباءً
ينتظرون عودة أولادهم ليزفوهم إلى حبيباتهم.
استودع الله تمر
العراق ومواويل العراق وشاي العراق وشوارع العراق وغناء العراق ودموع العراق
وأحزان العراق.
ويا عراق واثق أنا أن
الله سيردك لى نعم ستعود يا عراق نظيفًا لامعًا منتصرًا ستقاتل يا عراق الهمج
وستنتصر هذا وعد الله ولن يخلف الله وعده.
وسنقاتل معك عاما
عامين، جيلاً جيلين، قرناً قرنين، دهرًا دهرين، زمناً زمنين لكي نحظي بشرف مشاركتك
في نصر آت لا محالة. ويا أيها المسلمون يا أيها المسيحيون يا أيها الناس أينما
كنتم وبأي عقيدة تؤمنون: ارضعوا أولادكم كراهية الأعداء الهمج، الكراهية سلاح لا
يهزم أبداً اكرهوا الهمج وحرضوا على كرههم.
ويا أيها الكتاب
والصحفيون: ابن ( ........) من كتب منكم
كلمة أمريكا أو بريطانيا ولم يسبقها بكلمة العدو.
_________________
الصدى - 26 مارس 2003
أصبت عين الحق
ردحذف