المسلمون أخذوا عن المسيحيين أسوأ ما فيهم وهو الكهنوت
«القطنة» قرية من قرى سوهاج تنقسم مثل معظم قرى الصعيد إلى غرب تسكنه أغلبية مسيحية وشرق تسكنه أغلبية مسلمة.. إلا أن الجميع قد ألقت الصحراء عليهم خشونة طباعها.. عن تاريخ القطنة وعن حياة أسرتين مسلمة ومسيحية كتب ابن القطنة الدكتور الأنبا يوحنا قلتة رواية «قرب غرب النيل» مؤرخاً لكفاح الفقراء ضد الفقر والجهل.. والدكتور يوحنا تعلم في كلية اللاهوت بالمعادي ثم التحق بالتعليم المدنى بجامعة القاهرة كلية الآداب قسم اللغة العربية وتتلمذ على أيدى الأساتذة شوقى ضيف، يوسف خليف، شكرى عياد، سهير القلماوى، وغيرهم وقدم رسالته للماجستير عن أثر الثقافة الفرنسية في أدب طه حسين وكانت رسالته للدكتوراه عن دراسات المستشرقين الفرنسيين للشعر العربى.
وعمل أستاذاً للأدب في أكاديمية الفنون والجامعة الأمريكية.. وفي نفس الوقت واصل أداء رسالته الدينية وهو الآن يشغل منصب نائب البطريرك الكاثوليكى وهذا حوارنا معه.
رجال الدين يطرحون أفكارهم عبر الكتب العقائدية أو المواعظ. فماذا اتجهت أنت لكتابة رواية؟
أعلم أن كتابة الروايات أمر قد يصعب على المشتغلين «بالقص» ولكنى لم أتردد في الكتابة رغبة منى في الإسهام في مواجهة هذا التيار الإرهابى الذي يريد تمزيق جسد الوطن بعد أن كاد يقضى على قيم عصر التنوير وعاد بنا إلى زمان «فقه التتار» وأتعجب من الذين ينصبون «أبا الأعلى المودودى» إماماً للدين ويتركون كل علماء الإسلام الذين لهم إسهامات فكرية لا تنكر.. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى هناك «مادة الرواية» وكان من الصعب تناولها «بصرامة» الكتب العقائدية أو «بمجانية» اللقاءات المباشرة مع الناس.
روايتك بها ملمح ذاتى عالى الحضور فأين تنتهى السيرة لتبدأ الرواية؟
أحب أن أؤكد أن ما كتبت ينتمى للرواية وليس لأدب السيرة الذاتية. نعم أنا «موجود» في الرواية ولكنه وجود «هش» لأن البطولة مخصصة لأهل القرية التي هي قريتى وأهلها هم أهلى. وما أنا إلا واحد من أبناء الأسر التى كتبت الرواية عنهم وعن مقاومتهم لقسوة الحياة من أجل غد أفضل.
ما موقف الكنيسة من الرواية؟
الأصح أن تقول موقف الكنائس. الكنيسة الإنجيلية رحبت بها وكذلك الكنيسة الكاثوليكية، أما الكنيسة الأرثوذكسية فقد قال لي رجالها لقد فضحتنا وطبعاً لم تعجبهم الرواية.
هل موقف الأرثوذكس من روايتك تعتبره رداً على اتهاماتك لهم في الرواية بأنهم جبابرة يريدون استعباد باقي المسيحيين؟
الموضوع ليس بهذه البساطة، فالمذهبية ستبقى مادامت هناك حياة لأن المذاهب تعبر عن اختلاف الأفكار والمصالح بل والأهواء والرواية حملت وجهات نظر كل فريق في الآخر، فالكاثوليك في الرواية يرون أن الأرثوذكس لا يريدون الخير والعلم إلا لأنفسهم والأرثوذكس من ناحيتهم يتهمون الكاثوليك بهدم الكنيسة ونشر أفكار الغرب.
هل هذا التضارب بين المذهبين كان وراء هجومك طيلة فصول الرواية على رجال الدين؟
أقولها بأعلى صوتى.. رجال الدين هم مفسدو الأديان وهم قساة القلوب ولا يقولون إلا ما يحقق مصالحهم ولا يفهمون رسالتهم فهما صحيحاً. وهم دائماً مع كل الآراء الرجعية ويستمدون سلطانهم من جهل الناس.. قل لى بربك كيف يلقى القس كلمتين علي المصلين يوم الأحد ثم يتقاضى راتباً على كلماته؟ وبأى حق يأخذ خطيب الجمعة أموالاً على أداء رسالة وهب لها نفسه.. على رجال الدين إذا كانوا يريدون أن يكونوا رجال دين حقاً البحث عن أعمال أخرى يتعيشون منها أما أداء الرسالة الدينية فليس له من أجر إلا عند الله. وجميع الرسل والأنبياء كانوا يعملون بأيديهم.. النبى محمد «صلى الله عليه وسلم» رعى الغنم، وبولس صانع خيام النبى موسى كان أستاذاً بجامعة هليوبوليس وهكذا.
ألست معى في أنك أضفيت على العلاقة بين المسلمين والمسيحيين كثيراً من الود في محاولة منك لتجميل وجه قبيح؟
كل ما ذكرته عن علاقة المسلمين بالأقباط عشته بنفسى. يا سيدى هناك أحداث نقلتها بنفس كلام أبطالها لأنها حفرت في ذاكرتى للأبد.. وليس هناك مجاملة أو تجميل فالذى كتبته حدث بالفعل.
إذن ما تفسيرك للحادث الآن بين الفريقين من فرقة؟
إنهم مرة أخرى مفسرو الأديان الذين يشحنون كل فريق ضد الآخر لتتحقق مصالحهم الذاتية على حساب الوطن.
ولكن الذى أعلمه يقيناً أن غالبية المسلمين تكفر الأقباط والعكس صحيح؟
وأنا أيضاً أعلم هذا.. وهنا تبرز علة المجتمع المصرى القاتلة وهي الازدواجية.. فالمسلم يؤمن أن القبطى كافر.. والقبطى يؤمن أن المسلم كافر.. فإذا خرجا خارج الجامع أو الكنيسة تعاملا سوياً كأحسن ما يكون التعامل.. وذلك لأن الحياة لها شروطها وظروفها.. وعلى ذلك تستطيع أن تقول إن روايتى ضد الازدواجية في المقام الأول.. فكثيراً ما يجيئنى قبطى ليقول لي إن القسيس قال له إن المسلمين يوجد في قرآنهم آية تقول «أموال النصارى حلال للمسلمين» وأحاول تصحيح هذه الأفكار التخريبية ولكني بمفردى. فماذا أفعل؟ وأيضاً هناك خطباء المساجد الذين يقولون النصارى لديهم سراديب بها أسلحة وسيقتلون المسلمين.. ما هذا التخريف والتخريب؟ كل هذه الكلمات تجعل المصرى مزدوجاً وهذا مرض عضال ولن نتقدم إلا بالقضاء عليه أو على الأقل حصاره فى أضيق الحدود حتى نعود كما كنا. أذكر أيام دراستى الجامعية أنني كنت أذهب إلى الجامعة بالزى الكهنوتى وكنت ألقى كل ترحاب وتكريم خاصة من الأساتذة سهير القلماوى وشكرى عياد وشوقى ضيف ويوسف خليف وكذلك الزملاء من الطلبة.. ترى ماذا سيكون الوضع الآن لو ذهبت إلي الجامعة بالزى الكهنوتى.
بدلاً من الهجوم على رجال الدين لماذا لا نسعى إلى «فك اشتباك» النصوص التي يعتمدون عليها أولاً؟
يا سيدى النصوص المقدسة في القرآن أو السنة المحمدية أو التوراة أو الإنجيل بريئة بريئة بريئة هذا أولاً وثانياً من سيقوم بفك الاشتباك هذا إن كان موجوداً؟ إنهم في المقام الأول رجال الدين.. إذا عدنا إلي نقطة البداية.. فلا يوجد نص قرآني يحرض ضد الأقباط ولا يوجد نص إنجيلى يحرض ضد المسلمين ولكن هناك مفسرين يكسرون رقاب الآيات لأغراض في أنفسهم.. وختاماً هناك كارثة تهدد المسلمين وهي أنهم أخذوا عن المسيحيين أسوأ ما فيهم وهو الكهنوت والكهانة وتقديس رجل الدين يا إخوان رجل الدين - أي دين - رجل عادى له فهمه الخاص ولن يحتكر تفسير الدين لنفسه إلا وسط الجهلاء وقانا الله شرهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة الدستور 28/8/1996
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق