هل امتلكت المواجع قلب صلاح جاهين إلا "لينزف" الرباعيات فيكتب لها سيد مكاوي خلودًا أبديًا فتظل أصواتنا تقطر أسى وهي تردد خلفه "دخل الربيع يضحك لقائي حزين.. نده الربيع على اسمي.. لم قلت مين.. حط الربيع أزهاره جنبي وراح.. وإيه تعمل الأزهار للميتين؟".
إنه سيد مكاوي من أجله خطفت زحمة الموالد قلب صلاح جاهين وانبجست روحه شعرًا صافيًا ليكتب الليلة الكبيرة ويأخذها "عود" مكاوي ويجعلها النشيد الرسمي الذى به يفتتح السهارى مهرجان لياليهم.. ومكاوي هو المسحراتي الذي عانقت "طبلته" جلال شعر فؤاد حداد.. وغناه كأنه يرتل تاريخ أحزاننا.. تسمعه وهو يصرخ "إن الفجر لمن صلاه" فينتفض قلبك من جلال الشعر والموسيقى.
لا تحس وأنت تسمع سيد مكاوي إنه غريب عنك لأنه ظل وفيًا ومخلصًا لأعظم ما في موسيقى الشعب من معان حتى ليبدو وكأنه يترجم نداءات البائعة وأشواق "المجاذيب" الذين يريدون الهروب من حصار أجسادهم ليلحقوا بركب النور الإلهي.
ولكن الرجل يركل بفظاظة كل هذا المجد ويدمي قلوبًا أحبته ويكون الوحيد والأوحد الذي يغني للسادات وهو يخون دم الشهداء في تل أبيب سمعناه يغني "كان قلبي معاك طول ما أنت هناك / الله يخليك ويبارك فيك / ويخلينا لك وتعيش يا سادات"!!.. لم يجرؤ أحد على أن يغني للسادات وهو واقف في الكنيست يمحو بكلماته تاريخًا من النضال وتراثًا من دم الشهداء لماذا فعلها سيد مكاوي؟ لا إجابة.
ومن يومها تباعدت موسيقاه عن نبعها الذي طالما نهلت منه وأصبحت ألحانه ترزح تحت وطأة زخارف إيقاعية لا تمس سوى سطح جلود "العوالم" ولا تنفذ أبدًا إلى قرار أرواحنا كما كانت تفعل ألحانه السابقة.
وفي الأسبوع الأخير من يونية 1996 شن مكاوي هجومًا تعافه نفس أي فنان على فنان الشعب الراحل الشيخ إمام عيسى فقد صرح لمجلة الوسط بما نصه "لم أسمع إماما في حياتي إلا في ثلاث أغنيات!! الأولى كان يشتم فيها عبدالناصر, والثانية كان يشتم فيها السادات, والثالثة كان يمجد فيها واحد اسمه جيفارا!! ومعلوم أن أي شهيد من شهداء حرب أكتوبر أحسن من جيفارا مائة مرة"!!
انتهى كلام مكاوي وعلامات التعجب من عندنا ولا نستطيع مناقشة التزوير والخلط الذي مارسه الرجل.. فما عادت تجدي المناقشة.
فقط تحيرني هذه الأسئلة.. لماذا "يخيبون على كبر؟".
لماذا لا يكتملون؟ لماذا لا يواصلون رحلتهم؟ كلها أسئلة تفرضها حالة سيد مكاوي وغيره من المبدعين الذين ينتقلون بيسر وسهولة من خندق الإبداع إلى "خية" الحرفية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة الأحرار - 11 يوليو 1996
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق