في الساعة التي تسقط فيها حصونك وتنهار قلاعك وتمحى سدودك ويأتيك العدو من فوقك ومن أسفل منك وتصبح يداك فارغتين من أي سلاح. تريث قبل أن تعلن تمام استسلامك وقاوم اكتمال دائرة هزيمتك وفتش داخلك. وحتماً ستجد السلاح القاطع لليل هزيمتك. إنه سلاح مخبوء لا يظهر إلا ساعة اليأس المحض. إنه سلاح الكراهية وهبه الله لكل البشر يستخدمونه فلا تنهار أرواحهم وما عليك وقد تخلى الرفاق وسقطت القلاع إلا أن تشهر سلاحك السرى في وجه قاتلك أجعل بدنك كله صخرة من جحيم الكره والبغضاء وارم عدوك بها. قل له لن أسامح، لن أغفر، وسأرضع أولادى تفاصيل تاريخك الدموى ويوما ما.
سيولد من يلبس الدرع كاملة
يوقد النار شاملة
يستولد الحق
من أضلع المستحيل *
.. وكنا نظن نحن الذين ماتزال عروقهم تجرى بها الدماء لا الماء. إن الأمة ستحافظ على مخزونها الاستراتيجي من سلاح الكراهية وقلنا فليفاوض من يفاوض وليهادن من يهادن وليستسلم من يستسلم ولكن روح الأمة ستبقى معبأة محتشدة بسلاحها حتى يأتى يوم النصر لا ريب فيه. ظننا أن «جمال بخيت» عندما صرخ:
ابن الصهاينة مايخدش من ليلك قمر
ابن الصهاينة ما يخدش من شجرك ثمر ولا تبتسم له في مؤتمر
كان يعبر عن روح أمة صامدة لا يمسها دنس النسيان محافظة علي توهج جمر الكراهية المقدس لاعنة من اغتصب أرضها وقتل أولادها وسرت في أجسادنا قناعة تقول «روح الأمة لن يطولها رجس النسيان» فعمينا عن حقيقة أخرى تقرر أن الأمة، أي أمة، شأنها شأن أي كائن حي لا تعيش بدون هواء وماء وطعام وقد نجح أعداؤنا يساندهم بعض عملاء الداخل في تسميم عناصر حياة الأمة، بل نجحوا فى زعزعة كل يقين وألقوا برمادهم على الأشياء، فما عادت الأمة تعرف خيطها الأبيض من الأسود. فأخذت تنسى وتصمت بل «وتصهين» ويوم الأربعاء 30/8/1995 جاءنا النذير العريان متمثلاً في رسالة نشرها بريد الأهرام لكاتبها الدكتور سراج الدين الحلفاوى وقد بلغت قسوة ما كشفت عنه الرسالة من حقائق حداً جعل الكاتب حسين كروم يصرخ فى عموده خواطر «الأحرار السبت 3/9/1995» هل هذا بلد؟ ورسالة الحلفاوى كان عنوانها «حج غير مقدس وحجاج غير مأجورين» وجاء فيها أن الحلفاوى مكث أسبوعًا على شاطئ الشيخ زويد شرقي العريش وهناك رأى كتلة خرسانية ضخمة يتجاوز ارتفاعها العشرين مترًا على أحد جوانبها نقش رمز سلاح الطيران الصهيونى وعلى الجانب الآخر عشرة أسماء لقتلى من هذا السلاح كانوا قد قاموا بغارة علي جيشنا غربى قناة السويس في معارك يونيه 1967 واستطاعت قوات دفاعنا الجوى إسقاط طائراتهم فهوت فى البحر ولم يعثر على أي أثر للطائرات أو الطيارين فأقام الكيان الصهيونى هذا النصب التذكارى على أرض سيناء تخليدًا وتكريمًا لهم!!
ويواصل الدكتور الحلفاوى تسجيل وقائع رحلته الفاجعة فيقول: يومياً ومن السابعة صباحًا وحتى غروب الشمس تتوافد عشرات من «أتوبيسات» السياحة المصرية حاملة آلاف المصريين الذين يصعدون بكل همة إلى حيث هذا الصنم الصهيونى ويأخذون في الطواف حوله «منبهرين» مسجلين هذه اللحظات بكاميراتهم.
ولم يجد الحلفاوى أمامه سوى القيام باستطلاع حول هذه الكارثة فقام بتوجيه ستة أسئلة إلى عينات عشوائية من هؤلاء «الحجيج الأنطاع» وقد جاءت إجابات 95٪ من «الأنطاع» كالآتى:
س: هل تعرف حقيقة هذه الصخرة؟
ج: نعم هي نصب تذكارى لضباط سلاح الطيران الإسرائيلى الذين سقطت طائراتهم فى البحر.
س: هل زرت النصب التذكارى لشهدائنا المقام فى مدينة نصر؟
ج: لا.
س: هل زرت النقطة الحصينة الباقية من خط بارليف الذي اجتاحه أبطالنا فى حرب 1973؟
ج: لا.
س: هل زرت بانوراما حرب أكتوبر المقامة بجوار استاد القاهرة؟
ج: لا.
س: هل زرع المتحف الحربى بالقلعة؟
ج: لا، ولا أعرف أين هو.
س: مش مكسوف من نفسك؟
ج: لا.
عند هذا الحد لم يعد بمقدور الرجل توجيه أي سؤال، فهؤلاء مصريون لا شك أن لهم قريب أو صديق أو جار أو حتى «معرفة» قد سفك الصهاينة دمه ومع ذلك يقومون «منبهرين» بالحج إلى صنم صهيونى يمجد ويخلد ذكرى السفاحين القتلة.
وهذا - وللأسف - لا يعني سوي أمر واحد فقط وهو أن دائرة الهزيمة قد اكتملت، فها هو «الشعب» يحج إلى صنم قاتليه «آلاف من الشعب» يمثلون بلا شك جميع عناصره وكل طبقاته وليت الأمر قد اقتصر على هذا الحج، فقد فجعنا الأستاذ مصطفى بكرى في عموده «بالعقل» الأحرار السبت 2/9/1995 عندما فضح الاتفاق الذي وقعته شركة مصر للطيران والعديد من شركات التصدير المصرية مع شركات تصدير المنتجات الزراعية الإسرائيلية ويتم بمقتضى هذا الاتفاق قيام الشركات المصرية بنقل المنتجات الصهيونية إلى منطقة الخليج العربى، أليس هؤلاء مصريين؟ ألم يسمعوا بمذابح الأسرى المصريين؟ وأخيرًا هل بقى شيء لم يسقط؟ والسؤال كيف نعيد تعبئة الأمة ضد القتلة؟! وأزعم أن النقطة الأولى فى الإجابة على هذا السؤال هى:
أن ننشأ إدارة لعموم الخيانة تكون أولى مهامها تنظيم أمور الخونة ودفع رواتبهم وإقامة السباقات بينهم حول من يخون أكثر حتى يأتى يوم حسابهم على أيدى رجال سيلبسون الدرع كاملة يوقدون النار شاملة يستولدون الحق من أضلع المستحيل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* من أشعار أمل دنقل
* من أشعار أمل دنقل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق