كنت فى زيارة لأصدقائى بمجلة روز اليوسف، فى الممر المؤدى إلى مكاتبهم، لمحتها تتألق بين مجموعة لوحات لأهم فنانى الكاريكاتير العربى، إنها لوحة لحجازى ،
تصور رجلاً فقيراً جداً، كل تفاصيل اللوحة تبرز فقراً ليس بعده فقر، فبطل اللوحة لا يرتدى سوى «بنطلون بيجاما من الكستور الرخيص» وفانلة داخلية ممزقة، ولحيته لا هى حليقة ولا هى طليقة، ويجلس على سرير له مرتبة رثة ووسادة أشد رثاثة، و«ملة» السرير مقطعة، وأسفل قدمىّ الرجل يوجد «شبشب» ممزق، وأعقاب السجائر الرخيصة تملأ أرضية الغرفة العارية التى لا تكسوها حتى حصيرة من البلاستيك ناهيك عن وجود سجادة، هذا الرجل الفقير جدا، رسمه حجازى بفنه القادر وهو يقول بيقين كامل: «بكرة هبقى غنى جداً، وأتذكر الأيام دى وأموت من الضحك».
كدت أنا الذى يموت ضحكا وإعجابا بهذه اللوحة التى تختصر «الروح» المصرية.
تفحصت الممر فلم أشهد علىّ شاهدا، لقد قررت السطو على اللوحة، بزعم أنى أولى بها من حائط الممر، رحت أزين الأمر لنفسى مقدما تبريرا يسوغ تلك السرقة، سريعا أقنعت ضميرى بأن اللوحة هى واحدة من عشرات تزين الممر وأن اختفاءها لن يلفت نظر أحد، ثم أنا أحق بها من صحفيى الدار الذين يمرون بالممر بسرعة سهم طائش. من خلف ظهرى جاءنى صوت ضاحك يقول صاحبه: «إن كنت تريدها فخذها ولن أفتن عليك» أصابنى الصوت بارتباك اللصوص الهواة فسارعت بالابتعاد عن اللوحة وأنا أبالغ فى نفى «نيتى». تركنى صاحب الصوت الضاحك الذى عرفت أنه الأستاذ عادل حمودة ، ودلف إلى غرفة مكتبه.
غادرت مبنى المجلة وأنا حزين على ضياع فرصة الاحتفاظ بلوحة أصلية أبدعتها ريشة فنان الشعب حجازى الذى لعب فى فن الكاريكاتير نفس الدور الذى لعبه سيد درويش فى فن الموسيقى، إن الرجلين درويش وحجازى هما من اللذين يضيقون بسجن أجسادهم لأرواحهم التى ترغب دائما فى انطلاق أبدى لا يحده حد.
كان حجازى خارج السياق العام، إنه يرسم كما يريد هو حتى وإن أغضبت رسوماته «جمال عبد الناصر» كان يبحث عن تحرر كامل من كل القيود اللهم إلا قيود الانتماء لشعبه وقضايا وطنه.
يوم السبت الماضى عرفنا بأن فنان الشعب حجازى قد نجح أخيرا فى تحرير روحه من سجن جسده لتسافر الروح إلى ملكوت خالقها وتعود بريئة وطاهرة كما خلقها الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق