هناك أمراض لا شفاء منها تصيب معظم المثقفين العرب الذين تطول إقامتهم فى الغرب، فبعضهم يتحول إلى مستشرق (خواجة يتحدث العربية ولكن لا يحسها) وبعضهم يصاب بتطرف يجعله يرفض الغرب ويروح يراكم مشاعر العزلة فلا يعد قادرا على التعايش مع محيطه كما أنه ليس قادرا على العودة إلى بلاده، ومن هنا تبرز حالة الأديبة العربية السورية غالية قبانى التى تقف على النقيض من الحالات المرضية المشار إليها، فغالية رغم أنها تعيش فى لندن منذ سنوات (والأغلب أنها ستظل هناك) تكتب عن جذورها العربية ومحيطها الغربى بحب نادر كما أنها تتفاعل مع الحضارتين ولا تنحاز لواحدة على حساب الأخرى.
وخير مثال على ذلك قصص مجموعتها «تشاو بارتا» الصادرة قبل أيام عن سلسلة «أفاق الكتابة» التى يرأس تحريرها الأديب الكبير إبراهيم أصلان، فى القصة التى تحمل المجموعة عنوانها، تبحر غالية «العربية السورية» داخل أعماق أديب بريطانى جفت منابع إبداعه وتقلصت مساحات مخيلته، فضاق بحياته الأسرية فترك زوجته وعاش فى أطراف المدينة سعيا وراء إبداع جف نبعه، ثم يسافر الكاتب إلى إيطاليا ممنيا نفسه بالعثور على موضوعات لقصصه، ينزل الكاتب فى فندق يطل على احدى البحيرات ويروح يتابع حياة النزلاء ويخمن ما بينهم من علاقات، ثم تجذبه مديرة الفندق «بارتا» ويحلم بأن يقترن بها ويمضى ما بقى من أيامه بجوارها على ضفاف تلك البحيرة الساحرة التى حتما ستعيده إلى إبداعه، وعندما يصارح بارتا برغبته تجيبه بابتسامة ساخرة: «هل تريدنى أن أظل هنا إلى الأبد وسط هذا الصقيع؟.. لماذا لا نعيش فى لندن بين دور الكتب وقاعات الموسيقى وأركان المتاحف والشوارع الساهرة؟».. يترك الأديب بارتا ويعود لوطنه محاولا العثور على نبع إبداع داخلى.
أما قصة «الست سميحة» فهى عن سميحة الفقيرة الحلبية التى تزوجت من هاشم الذى ينتمى للفرع الفقير من عائلة حلبية ثرية وعريقة، نجحت سميحة فى غزو قلوب رجال ونساء الفرع الغنى من خلال تقديمها لخدمات يعجز الأثرياء عادة عن القيام بها، ولكنها ظلت مجرد فقيرة لطيفة تخدمهم حتى جاء ذلك الحفل الذى ضم كبراء العائلة وأرادت سميحة الغناء مستعينة بعود احتضنته كأنه وليدها، فى البداية لم يلتفت إليها أحد فرمتهم بنظرة نارية وطالبتهم باحترام فنها فلما سكتوا لكى لا يتوتر جو الحفل، أطربتهم ومن يومها وهم يلقبونها بـالست سميحة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق