الثلاثاء، 10 نوفمبر 2015

الشيخ الإمام فؤاد حداد















رمضان شتائي بعيد ، شقيقى الحاج مندي يهندس التدفئة ،يأتي" بالقروانة "يضع رملًا  في قعرها ،ثم يأتي بالحطب يبني منه هرمًا ويشعل النار في قاعدته ،يكون أبي الحاج بهجات قد أنتهي من تقطيع قشر البرتقال أو اليوسفي إلي قطع متناهية الصغر ينثرها فوق النار ،سريعًا تحترق القطع  مخلفة رائحة ( لن أشم مثلها أبدا )، النار الآن لها لون يجمع بين الأزرق والأحمر والأصفر،يندلع نقاش حاد بين الحاج مندي وأبي الحاج حول رجال لهم أسماء غريبة ( توفيق الحكيم ،محمد عودة ،مصطفي بهجت بدوي ) ،تأتي أمي بالسحور ولا ينقطع حبل النقاش ، ولكن عندما يأتى من الراديو صوت طبلة ورجل يغني، يسكت الجميع ،  الرجل يغني كلامًا يشبه كلام أمي، يغني كلامًا سهلًا أفهمه كله .

:"  إصحي يا نايم
وحّد الدايم
وقول نويت
بكره ان حييت
الشهر صايم
والفجر قايم
إصحي يا نايم
وحّد الرزاق.
المشي طاب لي
والدق علي طبلي
ناس كانوا قبلي قالوا في الأمثال
الرجل تدب مطرح ما تحب
وأنا صنعتي مسحراتي في البلد جوال ".

أعرف من أبي الحاج أن الرجل المغني اسمه سيد مكاوي وصاحب الكلام اسمه فؤاد حداد.

* * *
مضت سنوات وصوت مكاوي يتعذب بـ  "حبييت ودبييت كما العاشق ليالي طوال "
عرفت القراءة وعرفت الشعر ، بحثت في مكتبة بيت أبي عن شعر فؤاد حداد وجدت ديوانًا واحدًا فقط ( المسحراتي. الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر ،دار الكاتب العربي .الثمن 15قرشا).هل حفظت الديوان كله ؟

:"  كل اللي كان في البال
غيرلي ريقي وطل
الليل وياما طال
الفجر وياما طل
عجوز شويه وعلي راسي خطوط بيضا
والفجر لسه صغير لسه في البيضه
وأنا ماشي بأسمع سلامات الندي والطل ".

* * *
في مكتبة أبى  كل أشعار الأبنودي وصلاح جاهين و....
الوحيد الذي له ديوان واحد فقط هو فؤاد  حداد ،لغز لا أعرف له حلًا ،أبي الحاج والحاج مندي معجبان بشعره فلماذا لم يقتنيا كتبه ؟

اقتناء كتب حداد مهمة ألقيتها علي عاتقي، نشرت دار الثقافة الجديدة ( الحَمْل الفلسطيني ) كان الديوان يضم مختارات من دواوين له لم أكن قد عرفت طريقي إليها بعد.من ديوان " أيام العجب والموت " تذبحني قصيدته " النبض " فؤاد حداد يرثي نفسه:
"  نعشي طالع لابس العمّه
شيخ فؤاد يا شيخ فؤاد حتطير
وآلا راح تتقل علي كتافهم
وآلا تتسمر في نور الأرض
وآلا بعد الناصية راح نعمي
يا حبيبتي للأبد عن بعض ".

كنت قد حفظت من المظاهرات الجامعية  قصيدة:" ازرع كل الأرض مقاومة
ترمي في كل الأرض جدور
إن كان ظلمه تمد النور
وان كان سجن تهد السور
كون البادئ كون البادئ
كل فروع الحق بنادق
غير الدم ماحدش صادق
من أيام الوطن اللاجئ
إلي يوم الوطن المنصور ".

كان سب الرئيس جمال عبد الناصر يجلب الرزق، وكان فؤاد حداد ينشر ديوانا متحديا حمل عنوان "استشهاد جمال عبد الناصر ".

" حبّيت أموت واللي عشته من السنين نوّح
وشفت عيني بفجري وليلي يطوح
ولقيت يتيم شرقان ولقيت شهيد عرقان
ولقيتني زي الجمل طالع جبل قلقان
واللي أنكتب ع الجبين يشهد عليه النحر
ولا يعرف البحر غير اللي أتولد غرقان

                     ***
يا مصر حزنك ما يقدرش عليه النور
يا مصر حزنك يبكيّ الشمس لو جايّه
حزنك من الطمي الاسمر يقتل الميّه
حزنك يسمّع في قلبي وصوتي وعنيّه

                           ***
يا مصر من كل غمضه في عيني بتشقيّ
حزنك قديم وأليم وأمرّ من بقيّ
وكنت خلي الشهيد يا رب يستأذن

                         ***
يا حضن مصري يا طلعة فجر يا ريس
مع السلامة ياوالد ياأحنّ شهيد
آدي الرقابي والأعلام بتتنكس
فين طلتّك في الدقايق تسبق المواعيد
والابتسامة اللي أحلي من السلام بالإيد ".

                          ***
ثم جاء العام 1985وفيه نشرت دار المستقبل العربي دواوين ( رقص ومغني، التسالي، عيل علي المعاش، النقش باللاسلكي، مواويل ) في مجلد واحد.قرأتها حتى سري شعر حداد في عروقي
:" فنان فقير علي باب الله
الجيب ما فيهشي ولا سحتوت
والعمر فايت بيقول آه
والقطر فايت بيقول توت
صحتني ليه يا شاويش يا شاويش
أنا كنت سارح في الملكوت
لما با نام باحلم وباعيش
لما بافوق ما بافوقشي باموت
وتقول عليّ كبير السن
وأنا في قلبي ولد  كتكوت
وتشوفني بابكي وبانعي وائن
والدنيا لسه بنت بنوت ".

                               ***
وكان حقا عليّ واجبا أن أتوقف عند "شرع التسالي " فؤاد حداد أدرك أنه لن ينصف رغم كتابات خيري شلبي ومحمد كشيك فقالها بملء فيه منتصفا لنفسه
:"  أنا والد الشعراء فؤاد حداد
أيوه أنا الوالد ويا ما ولاد
قبلسه ربتهم بكل وداد
بعدسه تلميذ أولي وإعداد
يا اسمر يا روحي يا امتداد النيل  
الثانية مشيت قد ألفين ميل
علي قافيه متقدر لها تحميل
ألفين سنه ويفضل كلامي جميل ".

* * *
كان الأبنودي قد كتب عن حداد قصيدة حملت عنوانا يلخص مسيرة حداد " الإمام " (أنت الإمام الكبير وأصلنا الجامع * وأنت اللي نقبل نصلي وراك في الجامع ).

وكانت دار الغد قد نشرت " فؤاد حداد ،دراسات في شعره وقصائد في وداعه" وكان عمر الصاوي قد كتب استشهاد فؤاد حداد
:"  لما بشم في قلبي ريحة عياط
بأعرف إن الدنيا حلمت بيك ".

وكان محمد كشيك يدور كما الدراويش في حضرة الإمام منشدا
:"  شاعر قديم علي ناقه عربية
شاعر جديد بيغني حريه "
وكان أمين حداد قد سلم بموت أبيه فبكاه شعرا صافيا
:"  أبويا جاني في المنام وسمعت تنهيده
قلب عليا اللي راح بقديمه وجديده
وفضلت أقول المثل وأعيده وأزيده
عيدٌ بأية حالٍ عدت ياعيدُ
ليلٌ بأية حال عدت يا ليلُ
يا ليل حبيبي اللي كان في إيديا مش طايله
عدت جنازته علي البساتين وكان شايله
عصافير حمام ويمام وكناريا وبلابل
إبكي عليه ياريح واتشاهدي يا سنابل
إبكي عليه يا مّاي وخديه في أحضانك
سحي عليه الدموع واقري في قرانك
حاسبي عليه م الهوا واحميه من الزحمه
قلبه اللي خافض جناح الذل والرحمه
إيده اللي ماسكه الفانوس بتنور العتمه
حسه الجميل العميق ساكن ورا الكواليس
قاعد بينشد ويحكي ببنطلون وقميص ".

نعم كثرت الكتابات عن والد الشعراء، نعم كثرت القصائد، ولكن ظل الرجل محاصرًا  حتى جاء صيف العام 1996وجاء ما ظننته دوري في فك أطواق الحصار.

* * *
في صيف 1996 كنت أعمل في ديسك جريدة "الأحرار"،تغيبت عن العمل أسبوعين وعندما عدت كانت الصفحة الأخيرة من الأحرار مزينة ببرواز يحمل شعرا لفؤاد حداد .قال لي عبد السلام لملوم سكرتير التحرير إنه  هو الذي ينشر المختارات وإنه عازم علي نشر كل ديوان المسحراتي .

فرحت بالفكرة وأحزنني تنفيذها ،فؤاد حداد ليس المسحراتي فقط ،قد يكون ديوان المسحراتي درة تاجه لكنه يظل درة واحدة في تاج مرصع بملايين الدرر.رأيت في افتتان لملوم بالمسحراتي شكلا من أشكال حصار السيد الإمام .

ناقشت فكرة الحصار مع لملوم الذي تفهم موقفي وقال لي:" هذه بضاعتك ردت إليك".بدأت نشر مختاراتي من شعر السيد الإمام محاولا أن تكون معبرة عن ثراء الرجل، هذا فؤاد حداد يتغزل
:"  شفت عودها لما جاني
عودها لما طل تاني
كنت ماشي وراح تناني
قال ما كانش الخالي يشغل
شفت كوعك لما شمّر
قلت فل وقلت مرمر
العجين التاني خمّر
والدراع لسه مخدل
يا العروسه ".

وهذا فؤاد حداد الحزين
:"  البين يكتّف وينتف من جناحي الريش
والدم يجري في قلبي كأنه ما بيجريش
فيه أم ماتت عليلة وابنها مادريش
ماتت في ليلة ماجرّوه وانجلد والا
في ليلة طالت خمستاشر نهار والا
في ليلة زى الليالي كلها والا
من خوفها ليقولوا ماتت وابنها ما دريش ".

أزعجت اختياراتي عبد الفتاح طلعت مدير تحرير الأحرار فقال لي: الناس كلها تعرف أن فؤاد حداد هو شاعر المقاومة ،يا أخي هو اسمه المسحراتي ،يعني الرجل الذي يوقظ الناس من النوم والغفلة ،تفهم كلامي طبعا ؟.

كنت أفهم كلام عبد الفتاح وجاء ردي عليه عمليا ،الإمام في قلبه ولد كتكوت يتيح له أن يغني قائلا
: " آه يا عرايس يا عرايس
سمّيت علي القد المايس
وحلفت بالله المعبود
لاموت علي إيديكم بايس
وآه كأني ما قلتش آه
والشمس صنعتها تشمس
والقلب صنعته يتحمس
والآه لا صنعه ولا مجهود
باغني زى ما بتنفس
وآه كأني ما قلتش آه ".
تمنيت لو قرأت مصر كلها اعتراف فؤاد حداد
: " أنا من غلب في الصبابة أمة العصافير
أنا من طُلب بالربابة والغنا وصفافير
مرسال حنين وقاطع تذكرة وسفير
من قبل ما يصوتوا في قلبي يتوطوطوا
جوزين كناريا وبلابل سود علي فرافير ".

* * *
راحت السكرة وجاءت الفكرة، هل تستطيع نشر كل شعر فؤاد حداد ؟ هكذا سألت نفسي .كنت أعلم أن المختارات ستتوقف يوما ما ،يعود بعدها الإمام محاصرا .
ـ لماذا لا أكتب كتابًا عن فؤاد حداد ؟.
 ـ أنت تكتب عن الإمام هكذا مرة واحدة ؟.
ولمَ لا ،أكتب كتابا عمدة يصبح مصدرا ،أكتب عن حياة حداد ،سر شعره في حياته ـ ـ إذا كنت جادا فللبيوت أبواب .

* * *
طرقت باب أمين فؤاد حداد، استقبلني الرجل استقبالًا  حارًا، قصصت عليه القصة كاملة، بداية من تلك الليلة الرمضانية البعيدة ونهاية بلحظة طرقي لباب بيته.
قال أمين:لكل عائلة مؤرخ، ومؤرخ آل حداد هو حسن فؤاد حداد، حسن هذا عجيب جدا، يحفظ كل شيء، ينقذ رجال آل حداد ويذكرهم بأعياد ميلاد زوجاتهم، أنا شاعر ولا تعتمد علي ذاكرة شاعر، حسن يبدو لي أحيانا كأنه ولد قبل أبيه ،أذهب إليه ،بيته في شارع متفرع من شارع أحمد عرابي بالمهندسين .

* * *
عندما دخلت إلي بيت حسن فؤاد حداد كان يمّرن ذاكرته علي الحفظ منشدا رثاء مالك بن الريب لنفسه.
:" تذكرت من يبكي عليّ فلم أجد
سوي السيف والرمح الرد يني باكيا ".

* * *
أطلعتُ حافظ آل حداد ومؤرخهم علي خطتي ،نبدأ من الجذر اللبناني للعائلة من الجد الذي هبط أرض مصر ليدّرس المحاسبة في الجامعة الأمريكية ثم يستعين به بنك مصر ليضع له نظام محاسبته ،ثم مولد الإمام وأخوته ،ثم إسلام الإمام وسجنه،باختصار لن نترك يوما من حياته ،سأسجل معك ومع كل أفراد العائلة ،ثم تقدمني لأصحاب الإمام من غير المشاهير ،ثم سأذهب منفردا للتسجيل مع المشاهير من أصحابه .
بارك الأستاذ حسن خطتي واتفق معي علي العمل يومين من كل أسبوع.قبيل مغادرتي بيت المؤرخ قال لي :خذ هذه النفحة ،كان أبي إذا أصابته حمي الشعر ،يترك أقلامه وأوراقه ويخر ساجدا ،نسأله عن سجدته الطويلة فيرد قائلا :"تعس مخلوق نسي أنه مخلوق ". يقودني حسن نحو باب الخروج ويمنحني نفحة ثانية:"أسلم أبي في بداية شبابه، كان جالسا علي المقهى ثم قال لنفسه:" لا يليق بي إلا أن أكون شاعرا مسلما ".

* * *
مضت شهور من العمل مع حسن ، كنتُ خلالها  راضيا عن الديسك ،كنتُ كصاحب كنز لا يعرف به أحد ،نهاري نهار الديسكاوية حتى إذا بدا ليّ الليل استخرجت كنزي ،هذا فؤاد حدا بين يديّ أري حياته تتشكل أمام عينيّ ،تقول لي السيدة زكية زوج الإمام :عمك فؤاد كان سيعمل مع أم كلثوم ،طلبت منه قصيدة ،كان سعيدا جدا ،في اللحظة الحاسمة ،تدخل أولاد الحلال ـ ربنا يسامح الجميع ـ أفسدوا الأمر كله ، لو غنت له أم كلثوم لنُشر شعره كله ،هل تعرف أن سبعة عشر ديوانا من شعر عمك فؤاد لم تنشر بعد. الأسابيع تتوالي والكنز يكبر ويكبر ،أمتلك الآن ثلاثين ساعة تسجيل تؤرخ لحياة فؤاد حداد من مولده وحتى رحيله في الأول من نوفمبر 1985.

*  *  *
غادرت الشقة التي كنتُ أسكنها لشقة أخري ( كنتُ أعيش حياة البدو الرحل ) الكنز في حقيبة بجواره كتب هيكل ونسخة من الطبعة الأولي لمجموعة" أرخص ليالي" ليوسف إدريس ،ونسخة من الطبعة الأولي لمرايا محفوظ ،وضعت أشيائي وحقائبي في صالة سكني الجديد ،غرس ثعبان خبيث نابه في قلبي ،ضاعت حقيبة الكنز .
من يومها وأنا أتواري عن أنظار من آل حداد، لقد ضاع كنزي وكنزهم.

* * *
هدأت أحزاني فعرفت أنني أهون من أن ينصر الله علي يديّ وليّه  الشيخ الإمام فؤاد حداد .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر في جريدة القاهرة بتاريخ 10 نوفمبر 2015  

الأحد، 8 نوفمبر 2015

دولة الإهانات







كنتُ في بداية عملي بالصحافة، وذات صباح ذهبت إلي الفنان التشكيلي "عدلي رزق الله" للحصول على رأيه في تحقيق كنت أكتبه، استقبلني الرجل استقبالًا طيبًا، وزاد من طيب الاستقبال وحرارته معرفته بأنني "بلدياته" صعيدي أسيوطي .


رد على كل أسئلتي برحابة صدر حتى جاء سؤال كان رده عليه: "متتعلمش التفاهة من دلوقت وتسأل أسئلة تافهة وهايفة". رده أصابني بخجل لم يسكتني ، بل جعلني أطلق دفعة شتائم في وجه الرجل.


باغتني الفنان العجوز الحكيم  بضحكة مجلجلة ثم قال: "جدع يا ولد، متخليش حد يهينك بس في نفس الوقت خليك واعي للفرق بين الإهانة وبين النقد القاسي، ثم يا صعيدي الإهانة لاحقة الجميع وكلنا تحت سيفها بطريقة أو بأخرى".

لم يعجبني كلامه لإيماني وقتها بأن الإهانة تلحق بمن يستحق فقط!!.


قرأ هو في وجهي عدم اقتناعي بكلامه فواصل قائلًا: "هسألك سؤال وهصدق إجابتك وعايزك تصدق إجابتي أنا عن نفس السؤال: مين هو من وجهة نظرك أكبر وأهم كاتب في مصر؟"

قلت علي الفور: "الأستاذ نجيب محفوظ".

رد هو: "طبعًا الأستاذ نجيب كبير ومهم ولكن عليك أن تعرف قبل أن تعرّفك الأيام أن الدولة المصرية لو عايزة تهين نجيب محفوظ فمش هتتأخر وهتبعتله أصغر عسكري يجره من قفاه ويسحله علي الأسفلت".


ولأنني كنت أخضر العود فلم أصدق إجابة الأستاذ عدلي رزق الله .


ثم بعدها بسنوات مات الأستاذ نجيب وكانت جنازته باردة لأن الدولة أرادتها رسمية مانعة لمحبيه وعارفي فضله من المشاركة في تشيعيه، وبعد الجنازة بأيام كتب الصحفي مجدي مهنا مقالًا في المصري اليوم قال فيه إن أجهزة الأمن قد فتشت جثمان محفوظ خوفًا من أن يكون أحدهم قد دس قنبلة في الجثمان، وذلك حرصًا علي كبار المشيعين وكان من بينهم الرئيس مبارك!!


وندد مهنا في مقاله بالعبث الذي لحق بالجثمان مما يعد إهانة للموت وللميت.

لم يكذب أحد ما كتبه مهنا، وأنا لم أعتذر لعدلي رزق الله  بعدما أثبتت الأيام صدق إجابته القديمة.


صباح اليوم الأحد الثامن من نوفمبر 2015 زاد رصيدنا في بنك الإهانات إهانة جديدة ، وذلك عندما قامت قوات من الأمن بإلقاء القبض على رجل الأعمال الشهير صلاح دياب ونجله ووضعت القيود الحديدية في أيديهما وصورتهما مقيدين وبعثت بالصور إلي المواقع الإخبارية !!

صلاح دياب فاسد أم شريف؟

الإجابة لدي القضاء .

فإن كان شريفًا فلماذا تتعمد الدولة إهانته على هذا النحو؟.

وإن كان فاسدًا فهل عقوبة الفاسد هي  إهانته لساعات أو لأيام ثم يطلق سراحه؟.

وإن كان فاسدًا فهل هو الفاسد الوحيد بين رجال الأعمال؟.


أعود إلي حديثي القديم مع الراحل الكريم عدلي رزق الله ،الذي تأكدت عبر تجارب مريرة أليمة من صحته ، لأقول إن  الدولة تهين من تريد وقتما تريد لأسباب تخصها ، أهانت جثمان الشيخ العجوز نجيب محفوظ حرصًا على حياة مبارك !!


وتهين صلاح دياب لخلاف بينه وبينها لا علاقة له بمصالح البلاد العليا أو السفلى .

إن كل غرض هو مرض ، وإن كل عقاب خارج منظومة القانون يجب علينا جميعًا الوقوف ضده ، فكما جرت إهانة دياب ـ ولو كان فاسدًا ـ جرتْ إهانة أبرياء شرفاء وستجري إهانة أبرياء آخرين إلي أن يقام للعدل ميزان في هذا البلد .  

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر بموقع البداية بتاريخ 8 نوفمبر 2015

الأربعاء، 4 نوفمبر 2015

طبل السيسي في خمس دقات






تعد مشكلة الرئيس السيسي مع الإعلام بمختلف وسائله من المشاكل القديمة جدًا ، فمنذ خطابات شهر العسل ولقاءات التودد كان الرجل يقول :" إن الإعلام هو الذي ساند عبد الناصر لكي ينجز ما أنجزه ".


كثيرًا ما ألح السيسي على تلك الرؤية بألفاظ وطرق تعبير مختلفة ، ولكن بقي جوهر الرؤية واحدًا ، هو لا يريد معارضة إعلامية من أي نوع كانت هو يؤمن أن الإعلام المؤيد سيحقق الانتصارات ويؤمن أن الإعلام المعارض سيفكك البلد !!.

ثم تفاقمت الحالة  حتى وصلت إلى الكراهية الواضحة وعبر هو عن تلك الكراهية بأسلوبين يظنهما المتعجل متناقضين .


الأول هو تسخيف الإعلام ـ خاصة المرئي ـ منه وتشويه رسالته وذلك بفتح الباب لكي من هب ودب لكي يخوض في أعراض الناس وشرفهم الوطني ، وراجع أنت قائمة طويلة إن بدأت بريهام سعيد فلن تنتهي بمرتضى منصور .


الأسلوب الثاني كان غضبه المعلن من أدني نقد يوجه إليه أو إلى سياساته .


والمثال الحاضر الآن هو غضبه من كلمة عابرة قالها خالد أبو بكر المحامي الذي يعمل في برنامج يذاع على قناة مشفرة .


غضبة السيسي كشفت عن أمور مرعبة  .

1ـ أفق السيسي السياسي بل الإنساني ضيق للغاية ، يكاد لا يتسع إلا لتصوراته هو عن نفسه ، وذلك لأن أبا بكر من أكابر مؤيديه وكان في جملته العابرة يمارس تطبيلًا مقنعًا، وذلك كأن تقول مثلًا :" فلان مقصر في الحرب لأنه لم يقتل بمفرده سوى ألف من جنود العدو، وذلك لأنه كان يحارب بمفرده، ولكن رغم كونه يحارب بمفرده فقد كان أملنا أن يقتل ألفين أو ثلاثة !!".


السيسي لا يريد كلمة مقصر حتى ولو كانت غطاءً لنفاق فج وتطبيل أعلى من طبل كل الدنيا .

فإن كان سمع كلمة خالد ولم يلاحظ تطبيلها فتلك مصيبة، وإن كان الذي نقلها له لم يستوعبها فالمصيبة أعظم .


والمضحك بل المحزن في تلك النقطة أن جريدة الشروق نشرت في عددها الصادر صباح الثلاثاء الثالث من نوفمبر الجاري تعقيبًا لأبي بكر علي خطاب السيسي ، وكان تعقيب أبي بكر مضحكًا جدًا وآية من آيات التطبيل ، فقد قال ما ملخصه :" إن الخطاب كان يهدف إلي تعليم الشعب المصري طريقة التفكير السليمة وكان خطابًا سهلًا مفهومًا ولعله أنجح خطابات الرئيس ". ضع ما شئت أنت من علامات التعجب !!


2ـ السيسي يريد إعلامًا على مزاجه الخاص وقد ضرب هو المثل الذي يريده في خطابه الأخير، وذلك عندما تحدث عن كارثة غرق الإسكندرية، لقد هوّن منها حتى كأنها لم تكن وقال إن الأمر قد عاد إلى طبيعته بعد أقل من 24 ساعة !!

يعني هو لا يعد بأكثر من نزح المياه كلما غرقت البلاد، ويريد من الإعلام أن يطبل للقوات التي تقوم بهذا العمل الذي يقدم حلًا مؤقتًا لكارثة مقيمة، وليس مسموحًا لأحد بأن يتحدث عن بنية تحتية منهارة ولا عن فساد ممنهج ومنظم يخرب المحليات.


ثم وسبحان العلي القدير عادت الإسكندرية لتغرق مجددًا صباح الأربعاء الرابع من نوفمبر !!

فهل سيعتذر السيسي عن تهوينه واستخفافه بالأمر ثم يبدأ في إصلاح جاد لبنية أساسية منهارة أم سيأمر القوات برفع المياه انتظارًا لغرق جديد ؟؟


3ـ السيسي فقد الثقة بنفسه وبجماهيره وبمؤيديه ولذا لا يريد سماع كلمة اعتراض واحدة لأنه يدرك أنه لن ينجز شيئًا حقيقيًا ينهض بالبلاد .

4ـ  كل خوض في أعراض الناس وفي شرفهم الوطني يتم تحت عين وسمع الرئاسة، والرئاسة لن توقفه ولن تحرك ساكنًا، ولكن إذا أظهر أحدهم شيئًا من التطبيل الخفي المقنع جرتْ مهاجمته على الملأ لكي يكون رأس الذئب الطائر ويكون عبرة لمن يعتبر .


5ـ السيسي مقتنع جدًا بأن سياسة تكميم الأفواه ستصرف الأنظار عن فشل سياساته التي لم تقدم حتى الآن دليلًا واحدًا على أنها جادة في اتخاذ أي خطوات إصلاحية حقيقية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر المقال بموقع البداية بتاريخ 4 نوفمبر 2015

الأحد، 25 أكتوبر 2015

مطر 72





الأسبوع الماضى وقع فى يدى عدد من مجلة صباح الخير صدر يوم الخميس 30 نوفمبر 1972، أى مضى عليه 39 عاماً. لو شاركتنى متعة تصفح هذا العدد فستتوقف طويلاً أمام جمال الغلاف الذى تحتله لوحة فاتنة للفنان الراحل جمال كامل وبعد الغلاف ستتذوق رشفة من «عصير كتب» علاء الديب الذى يبشر فيه بموهبة الكاتب الشاب «جمال الغيطانى» قد لا تفلت من الوقوع فى أسر حلقة جديدة من رواية «زينب والعرش» لفتحى غانم، إن نجوت من الرواية فستقع فى براثن لوحات هبة عنايت التى يكرر فيها رسم أنثى تطل «الحسية» من عينيها.

طبعا ستفرح مثلى لأن كل هذا الجمال مقابل 50 مليماً «خمسة قروش».
ولكن لأن الحلو لا يكتمل فستقرأ صفحة الرياضة، وفيها ستجد تلك الجملة التى تلخص تاريخ كوارثنا حيث يقول المحرر الرياضى: «رغم ان مصر فازت على الصومال 4 / 2 فى تصفيات الدورة الافريقية لكرة القدم إلا أن الفائز الحقيقى كان الجمهور الذى أثبت بطولة فذة، حيث احتشد أكثر من عشرة آلاف متفرج فدائى فى استاد القاهرة، استطاعوا بإمكانياتهم المحدودة الوصول إلى الاستاد رغم الأمطار التى عزلت مناطق القاهرة عن بعضها، تلك الأمطار التى أدت إلى انقطاع التيار الكهربائى عن العاصمة».
من المحرر الرياضى ذهبت إلى التحقيق الرئيسى الذى كتبه «لويس جريس» رئيس التحرير .كان تحقيق لويس تحت عنوان «ملايين الجنيهات فى اليوم المطير» وكان العنوان مرسوما على هيئة «لطخة طين» تغرق الجميع.
لم أكلف نفسى قراءة تفاصيل التحقيق، مكتفيا بأن يوما مطيرا فى بداية السبعينات قد أضاع على الوطن ملايين الجنيهات.
أغلقت المجلة ورحت أقارن بين حالنا فى مطلع السبعينات وحالنا الآن . لقد نعمنا بما كان المخلوع يطلق عليه استقرارا لمدة تزيد على الثلاثين عاما فماذا أنجزنا؟
هل اقمنا بنية أساسية تصمد لمطر مفاجئ؟ هل تخلصنا من الشوارع الغارقة فى الطين ؟ هل تخلصنا من تلال القمامة التى كانت تحتل العاصمة فى السبعينات ولا تزال تحتلها فى الألفية الجديدة. ألف سؤال والإجابة دائما هى بالنفى التام، كأن إهدار الفرص فن مصرى خالص وثقافة مصرية متجذرة فى تربة مجتمعنا.
البكاء على اللبن المسكوب لن يفيد أحداً فهل ننتهز فرصة الصحوة الثورية التى نعيش فى ظلالها ونرد لشهداء ومصابى ثورة يناير بعض حقهم ولو بتنظيف شوارعنا والاستعداد الجاد والمدروس لمطر قادم؟ أم سنظل نندهش عندما تمطر السماء وتنقطع الكهرباء وتتوقف المواصلات، ثم بعد أن تهدأ دهشتنا نقسم أننا سنستعد ولكن فى العام القادم!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ