الجمعة، 27 سبتمبر 2013

الاكتفاء الذاتى من شاكيرا





قبل سنوات ليست بعيدة طلعت علينا من غابات كولومبيا المغنية السيدة "شاكيرا" امرأة تلبس ما يكفى بالكاد لستر ما لا يجوز كشفه علنا، ترقص وكأنها سامية جمال فى عز شبابها، تتمتع بلياقة بدنية وكأنها المصارع كرم جابر، باختصار٠٠ السيدة شاكيرا لها خصر أوروبى وأرداف عربيًة٠

ونظرا لعروبة أردافها فقد تبناها الإعلام العربى فأصبحت أغانيها مقررة على كل الفضائيات العربية الراقصة، وقد ترسخت مكانة شاكيرا بعد اكتشاف جذورها العربية اللبنانية ومعروف عنا نحن العرب أننا مثل القرعاء التى تتباهى بشعر ابنة أختها.

ظلت شاكيرا ردحا من الزمان متربعة على عرش الفضاء العربى، ثم رويداً رويداً راح صوتها يخفت وأردافها تهدأ.

طبعا لم يكن فى الأمر خصام -لا قدر الله- بين الفضائيات العربية وبطن شاكيرا العارى كل ما هنالك أن النخاسين الجدد تجار أغانى الفيديو كليب قالوا إن جحا أولى بلحم توره، وعليه فقد جلبوا العشرات من بنات العرب، ليلعبن نفس دور شاكيرا، فإن كانت هى تهز ردفا فهن يعرين الردف والبطن والنهد معا، وإن كانت شاكيرا قد غنت وهى تتمرغ فى الوحل، فهن يغنين وهن يداعبن "العجلة والحصان والكلب أيضاً".

لنا أن نعترف أن تجار الرقيق الأبيض وجهوا لشاكيرا ضربة معلم وتم بحمد الله الذى لا يحمد على كليب سواه الاكتفاء الذاتى من السلعة شاكيرا مع وجود فائض يسمح بالتصدير.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة صوت الشعب - 3 مايو 2005


الخميس، 26 سبتمبر 2013

متى نشعر بالعار؟!





أكد تقرير صادر عن جهاز التعبئة العامة والإحصاء أن نسبة الأمية فى مصر (أم الدنيا) قد بلغتْ 30% من مجمل عدد السكان، أى أن نحو 17 مليون مصرى فوق سن الخامسة عشرة لا يعرفون الكتابة ولا القراءة!

ثم توسع التقرير الذى نقلت بياناته بدقة زميلتنا بجريدة «التحرير» حنان الجوهرى، فقال إنه على الرغم من أن نسبة الأمية يتم رصدها بدءًا من سن الخامسة عشرة فإن هناك رقما يشير إلى أن معدل الأمية بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين سن العاشرة والخامسة عشرة قد بلغ 25%.

وعن الصعيد (السعيد) قال التقرير إن المنيا تحتل المرتبة الأولى بين المحافظات الأكثر أمية بنسبة بلغت 36،7 % تليها محافظات بنى سويف والفيوم وسوهاج بنسبة بلغت 35% أما أسيوط وقنا فإن نسبة الأمية بهما هى 31%.

لا تظن أن الأمور وردية بالنسبة للقاهرة (مصر المحروسة) لأن نسبة الأمية بها 17،4%، أما الإسكندرية (عروس البحر الأبيض المتوسط) فنسبة أمية أولادها بلغت 16،5%.

لا داعى لذكر نسب ما بقى من محافظات، لأن شهاب الدين مثل أخيه، والكل فى المصيبة سواء.

ولكن هل هى مصيبة؟ هل نشعر بعارها؟

لقد أصبح خبر استفحال الأمية فى مصر من الأخبار الموسمية كأنه خبر عن اختفاء أنابيب البوتاجاز فى الشتاء وانقطاع الكهرباء فى الصيف، أصبح الخبر مألوفا لا يثير دهشة أحد، بل لا أبالغ إذا قلت إنه لم يعد يستوقف أحدا. من الرئيس إلى الخفير، كلنا نقرأ الكارثة ثم يكتفى صاحب المروءة منا بقلب شفتيه استنكارا وامتعاضا.

نُشر الخبر فما قرأنا حملة صحفية تستنكر وتدين وتعرى وتفضح المسؤولين عن تلك الكارثة، لم نشاهد برنامجا تليفزيونيا يخصص ولو فقرة من فقراته لمناقشة الأمر، لم نسمع برنامجا إذاعيا يضع الفأس فى عنق الجانى، كما لم يصلنا أن مسؤولا واحدا اهتم بالأمر وانشغل به.

من زاوية من الزوايا تبدو قضية الأمية فى مصر من القضايا العبثية التى تدفع لذلك النوع من الضحك الذى ينتهى بالدموع، فكل حكومة منذ محمد على باشا تكفّن الأمية ثم تضعها فى تابوت فاخر، ولا تغفل أبدا عن أن تعطر جثمان الفقيدة لكى لا تفوح رائحته، ثم تقوم بتسليم محتويات التابوت كاملا غير منقوص للحكومة التى تأتى بعدها، وكل جيل مصرى يصنع صنيع حكومته المصرية وكأنه يؤمن فى قرارة نفسه بأنه هو فقط الأحق بالتعليم، أما باقى الشعب فقد خلق للعمل اليدوى الشاق الذى لا يحتاج إلى مهارات المتعلمين، ولكى تكتمل الصورة العبثية رأينا كل حكومة تطلق برامج للقضاء على الأمية، ولكن الحقيقة تكمن دائما خلف ستار التصريحات الرسمية، فما تلك البرامج المزعومة إلا قناع من أقنعة التمويل الخارجى الذى تعيش عليه حكوماتنا، ففى هذا العالم ثمة من يؤمن بحق الناس فى التعليم ولذا يدفع تكاليف محو أمية المصريين، وهذا الذى يسدد الفاتورة لا يعرف أنه ينفق على قضية تحرص كل الحكومات المصرية على أن تخسرها بجدارة، ربما لكى يستمر الجهل الذى يتيح لها حكما مريحا، وربما لكى يستمر التمويل السخى!

وزير يعترف

تفضل المهندس إبراهيم محلب وزير الإسكان وهاتفنى على خلفية ما كتبته الأسبوع الماضى عن تعامل الحكومة مع الفقراء عبر تخصيص شقق لهم تبلغ مساحة الواحدة منها 42 مترا. وافقنى سيادة الوزير فى أن المساحة جد ضئيلة، ولكنه نبهنى إلى أنه لا يتحمل مسؤولية بناء تلك الشقق، فقد تم بناؤها قبل أن تتولى حكومة الدكتور الببلاوى المسؤولية، وأضاف الوزير أنه اختار أن يحل أزمة ستة آلاف أسرة بدلا من أن تظل الشقق مغلقة غير مأهولة، وأكد الوزير أن عهد وزارته لن يشهد بناء شقة تقل مساحتها عن 76 مترا.

أشكر سيادة الوزير على اهتمامه وأدعو له بالنصر على شياطين الإنس، وما أكثرهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة التحرير 26 سبتمبر 2013
لينك المقال على موقع التحرير:

الخميس، 19 سبتمبر 2013

42 مترًا يا ببلاوى!





فى صباح جمعة شتوىّ من العام 2006 حملتُ منفردا جثمان طفلتى «فاطمة الزهراء» من مستشفى بالدقى حتى مدفن جدها لأمها فى السيدة عائشة، لم تكن تلك أولى تجاربى مع الموت الذى يعضّ القلب، لكنها كانت أول مواجهة مباشرة مع ساكنى القبور. على بُعد خطوات من القبر الذى ستنام فيه طفلتى كانت غرفة الحفَّار، تقدم منِّى معزيا بآليّة ثم بدأ عمله، كان وسيمًا يرتدى جلبابا ناصع البياض.

عندما هبط إلى جوف القبر طلب منِّى تسليمه «الأمانة» عجزتُ عن حمل ابنتى إليه، رفع صوته مناديا زوجته، جاءت الزوجة، كانت نسخة من بطلات خيرى شلبى، بلطية تسبح فى جلباب بلدى فضفاض لا يستطيع إخفاء علامات أنوثتها، عملا معًا كجرّاح ومساعدته، عندما رأت الزوجة ما أنا عليه، طاب لها أن تخفف عنى بطريقتها الخاصة، جاءت بماء وغسلت وجهها ويديها وكذا فعل زوجها، ثم جاءت بشاى لنا جميعا، ثم نظرتْ مبتسمة إلى زوجها وقالت: «قل للأستاذ». قالت جملتها ثم انصرفت ضاحكة. غمغم الزوج بخجل غريب على هيئته، ثم قال: «دى ولية وشّها مكشوف، عايزانى أقولك يعنى إن ليلة زى ليلتنا إمبارح تخليك تخلف عشر صبيان مش بت واحدة، عوضك على ربنا يا باشا».

هل أبالغ لو قلت إن بؤس هذا المشهد جعل حزنى على طفلتى تافها رخيصا بلا معنى؟

هل رضىَ هؤلاء حقًّا عن حياتهم حتى إن الزوجة تشاكس زوجها أمامى بذكرى ليلة البارحة؟ هل غسلنا نحن أيدينا منهم؟ عن نفسى أعترف: «لم أزر قبر طفلتى قط». كم قلبًا سأحتاج إليه لكى أتحمل مضغ بؤس المقابر وابتلاعه؟

كلنا نخادع قلوبنا ونروِّج لخرافة تزعم أن هؤلاء قد رضوا عن حياتهم وأن حياتهم قد رضيت بهم.

يهاجمنى مشهد المقابر بكل تفاصيله كأنه قد حدث قبل ساعة، وأنا أقرأ بيان حكومة حازم الببلاوى الذى به سينجو ساكنو المقابر والسطوح والعشوائيات والـ... من بؤس مساكنهم. يقول الظالمون فى بيانهم: «فى إطار خطة الدولة لتحقيق العدالة الاجتماعية (لاحظ العدالة الاجتماعية) تعلن وزارة الإسكان عن فتح باب الحجز لعدد 6000 وحدة سكنية بمساحة 42 مترا، للإيجار بمدينة 6 أكتوبر بنظام القرعة العلنية للعاملين أو المقيمين بالقاهرة الكبرى».

يوضح البيان شروط الحصول على الشقة الحلم فيقول: «سيتم عمل بحث اجتماعى على المتقدمين من خلال وزارة التضامن الاجتماعى». نعلم جميعا أن هذا البحث هو اسم التدليل المصرى لشهادة الفقر.

ثم يؤكد البيان: «إن مقدَّم الحجز 1100جنيه والقيمة الإيجارية 125 جنيها فى الشهر، بزيادة 7% سنويا ومدة الإيجار 7 سنوات قابلة للتجديد طبقا لما يسفر عنه البحث الاجتماعى الذى يتم فى حينه».

انتهى البيان الذى يتستر خلف الشعار الأعظم لثورتنا «العدالة الاجتماعية» ليقرر أن 6 آلاف شقة هى كل خطة الحكومة فى تخفيف بؤس الفقراء وساكنى المقابر والعشوائيات والعلب الصفيحية!

هذا بيان مجرم يتحدث عن العدالة الاجتماعية ثم يتيح شقة مؤجرة لمدة سبع سنوات فقط بضمان شهادة فقر، كل مساحة تلك الشقة التى يدللونها باسم الوحدة السكنية 42 مترا فقط لا غير، يقينًا ستصبح المساحة 38 مترا بعد خصم المنافع!

نقرّ ونعترف أن حكومة الببلاوى ورثت كل هذا البؤس، ولكن نقرّ ونعترف أيضا أنها تواصل مسلسل الأكاذيب ذاته، وأنها لا تنوى مجرد نية حل أى مشكلة من جذورها، هذه حكومة تواصل مسلسل المسكنات، وليتها كانت مسكنات فاعلة، هل سألت حكومة الببلاوى قلبها فأفتاها مطمئنا بأن نصيب الفقراء من أرض وطنهم يبلغ 42 مترا فقط لا غير؟ كيف استطاعت هذه الحكومة مواصلة مسخ الناس حتى إن أحدا لم يعلق على هذا البيان المجرم؟ بل قرأت ترويجا له بوصفه الحل السحرى لكارثة السكن فى مصر!

يا أيها المصريون استفتوا قلوبكم، أليست المقابر أوسع وأرحب؟


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة التحرير - 19 سبتمبر 2013
لينك المقال فى موقع التحرير:

الخميس، 12 سبتمبر 2013

المرجِفون فى القاهرة





يحكى القرآن الكريم عن المرجِفين فى المدينة المنورة فى زمن رسولنا الكريم فيقول: «لئن لم ينتهِ المنافقون والذين فى قلوبهم مرض والمرجِفُون فى المدينة لَنُغْرِيَنَّك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا». ثم جاء المفسرون فقالوا إن المنافقين والذين فى قلوبهم مرض والمرجِفين ليسوا ثلاث فئات بل هم فئة واحدة تجمع الأمراض الثلاثة: النفاق ومرض القلوب والإرجاف، ثم توسَّع المفسرون فى ذكر المرجِفين وأحوالهم فقالوا إنهم هؤلاء الذين كانوا يهوِّنون من قوة المسلمين ويبالغون فى قوة عدوّهم ثم ينشرون الشائعات ويذيعون الأكاذيب بقصد نشر الفزع والرعب. وقد شاءت إرادة الذى لا رادَّ لمشيئته أن لا ينتهى أمر المرجِفين جميعًا إلى المحو النهائى من سجلات الوجود الإنسانى، فهم وإن انتهى أمرهم إلى هزيمة مُذِلَّة فى مدينة الرسول فقد تكاثروا فى مدن أخرى وتناسلوا عبر الأزمنة حتى وصل أحفادهم إلى العيش بيننا هنا فى عاصمتنا القاهرة، وهؤلاء الأحفاد ليسوا أعرابًا بسطاء كأجدادهم الذين كان الواحد منهم يقول كلمته واضحة فيتم اكتشاف أمره بيسر وسهولة، لا يا صاحبى، الأحفاد عصريون جدا ومتمكنون من كل فن من فنونهم وبارعون فى كل علم من علومهم، وتجد الواحد منهم يرطن بلغات شتى وله الباع الطويل فى زخرفة الكلام عن هموم الأمة حتى تحسبه لا ينام الليل من شدة قلقه على مصير الوطن. وعندما تتأمل المرجِفين تجد لهم علامات لا تخطئها عين، يبدأ الواحد منهم كلامه بأن يحذِّرك من خطورة التعامل الجاد الحاسم مع عصابة حسن البنا، يقول لك هامسًا بنبرة متباكية: «لئن تمّت مواجهة الجماعة فهذا سيجعلها تلجأ إلى العمل السرى وتنزل بثقل قوتها إلى تحت الأرض وتشبع الوطن الحبيب إرهابًا وخوفًا، ولذا لا بد من استيعاب الجماعة فى العمل السياسى العام».

فات المُرجِف أن الوطن الذى يتباكى عليه قد أتاح لجماعته فرصة عمرها وسلم لها مقاليد الحكم فلم تكفّ عن سرّيتها يومًا ولم تكفّ يومًا عن غدرها وسفكها للدماء.

وتقول المُرجِفة: «الدم كله حرام».

فات المُرجِفة أن الدم ليس كله حراما، هل يستوى القاتل مع القتيل؟ هل يستوى الجانى مع الضحية؟ هل يستوى المتظاهر الذى كل أدواته حنجرته وصدره العارى بهذا الذى هو مسلح بالمدفع الرشاش؟

ويقول المُرجِف: «لا بد من حل سياسى».

يتجاهل المُرجِف أن جماعته لم تطرح يومًا حلًّا سياسيًّا، وكل حلولها التى تطرحها تحصرنا بين أمرين، إما أن يخضع هذا الشعب لحكمى وإما أن يتجهز للقتل؟ هل طرحت الجماعة حلا غير هذا؟

وتقول المُرجِفة: «لا بد من مصالحة وطنية».

تتجاهل المُرجِفة أن جماعتها لم تدعُ يومًا للمصالحة، ثم كيف تصالح أمة بأكملها فريقًا شذّ عنها وخان مصالحها وتنكَّر لمبادئها؟

ثم كيف تصالِح أمة بأكملها فريقًا منها يحمل فى وجهها السلاح ويقتل أولادها بطريقة عشوائية، لوجه القتل لا لتحقيق شعار أو مصلحة ممكنة.

ويقول المُرجِف: «لئن هُزمتْ الجماعة لَتعودَنَّ الدولة القمعية».

يتجاهل المُرجِف أن جماعته لم تعمل يومًا على تطهير الأجهزة الأمنية من الذين ينتهجون القمع فى أداء عملهم الأمنى، وأن رئيس جماعته المعزول بإرادة شعبية قد أثنى الثناء الحسن الجميل على كل جهاز الشرطة وكذب متعمدًا قائلًا: «إن جهاز الشرطة كان فى القلب من ثورة يناير!!». كما يتجاهل المُرجِف أن الشعب قد صحّ عزمه على عدم الخضوع لأى قمع أيا كانت جهته، لكن هؤلاء المرجِفين يرطنون باسم الشعب ولكنهم فى قرارة أنفسهم يحتقرونه وينظرون إليه نظرة السيد لخادمه.

وعندما يسمعون تفنيدك لكلامهم يحاولون زعزعة ثقتك بنفسك عبر رميك بتُهم من نوعية فقدانك لإنسانيتك «لأنك لا تحترم حقوق القاتل فى أن يقتلك!!».

وعشقك لسفك الدماء «لأنك تنادى بحسم المواجهة مع إرهابيى سيناء مثلًا» ثم يخوفونك بأن الثورة ستفشل لأن كل دول العالم ستقف ضدها.

يا صاحبى لا تغترّ ببريق سطح المرجِفين، ابحث فى قاعهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت فى جريدة التحرير - 12 سبتمبر 2013
لينك المقال بموقع التحرير:

الخميس، 5 سبتمبر 2013

ليس أسوأ من القرضاوى إلا البشرى





يعلم الدكتور القرضاوى أن الرجل إذا أفتى فى مسألة وتحرج فى أختها فقد بطلتْ فتاواه جميعا، ويعلم فضيلته أنه لم يتحرج فحسب، بل أفتى فى كل مسائل الثورات العربية وفق هواه الإخوانى لا وفق فقه هو فيه بارع. ويعلم فضيلته أنه بيمينه قد أدان نفسه عندما كتب شعرا يمدح فيه رفيقه فى عصابة حسن البنا عبد المجيد حسن الذى قام باغتيال النقراشى باشا رئيس وزراء مصر، عندما قال: «عبد المجيد تحية وسلام / أبشر فإنك للشباب إمام / سممتَ كلبا جاء كلبٌ بعده / ولكل كلب عندنا سَمَّام».

هل سمع أحدنا فضيلته يعتذر اعتذارا واضحا لا لبس فيه عن شعره المحرض على القتل؟ الإجابة هى لا يقينا. إذن لا جديد تحت الشمس، فضيلته يواصل فى شيخوخته ما بدأه فى شبابه من تحريض سافر على القتل ما دام يصب فى مصلحة عصابته، وفضيلته يسب الناس بالباطل حتى إنه يصف القتيل النقراشى باشا ومن جاء بعده إبراهيم عبد الهادى باشا بالكلاب ويمنح القاتل صفة الإمام!!

فإن كان الثبات على الباطل ميزة يصبح القرضاوى أحسن من طارق البشرى، لأنه لم يتورط يوما فى معارضة عصابة حسن البنا، فهو دائما يؤيدها ويساندها، أما معالى المستشار البشرى فأمره غريب مريب عجيب، معاليه فضح إعلان مرسى الدستورى ووصفه بالمنعدم فى حوار أجراه معه محمد بصل ونشرته الشروق فى «24 نوفمبر 2012» قال البشرى: «إصدار إعلان جديد يعنى أن الرئيس يقوم بثورة جديدة على الثورة، وأنا الآن أشعر بقلق كبير لأنه فى ضوء صدور هذه القرارات فى شكل إعلان دستورى منعدم، فسوف يصدر الدستور الجديد لمصر فى ظل وضع انقلابى على الشرعية الدستورية، لأن هذا الإعلان يمثل عدوانا على الديمقراطية، وعدوانا على القضاء أيضا، وأؤكد أنه -أى إعلان مرسى- ضربَ السلطة القضائية التى يتعين الحفاظ عليها وضمان استقلاليتها عن السلطة التنفيذية».

هذا كان رأى معاليه فى إعلان مرسى الذى شقّ الأمة شقا، فماذا قال عن دستور عصابة البنا؟ قال فى نقده للمادة الخاصة بالمحكمة الدستورية «الشروق 5 ديسمبر 2012»: «إن بها نوعا من التدليس، والتدليس لغة هو كتمان العيب والمخادعة وإخفاء ما يستوجب الرفض أو الاستهجان. ووجه التدليس أنك تفصل قضاة بأسمائهم فى صيغة نص دستورى شديد العمومية والتجريد، وتختلس عليه موافقة الناخبين».

ثم يقول عن المادة الخاصة بنسبة العامل والفلاحين فى البرلمان إن صياغتها تنطوى: «على وجه من وجوه التدليس فى صياغة النصوص والأحكام، كنت أتمنى أن نعفّ عنه وأن نتنزه عنه».

من الفقرتين السابقتين رأينا معالى المستشار البشرى يقطع بأن إعلان مرسى باطل من كل الوجوه، وما ترتب على باطل فهو باطل، ثم رأيناه يصف دستور عصابة حسن البنا بأنه ينطوى على تدليس فى مادتين من أهم مواده، ونحن الآن لسنا بحاجة إلى أن نذكّر معاليه بأن الذى يسرق النملة يسرق الجمل، وأن الذى يدلس تدليسا صريحا فى مادتين يدلس فى باقى المواد، فقط سننعش ذاكرة معاليه بما خطّه من نقد يهدم به مشروع عصابة حسن البنا لتنمية إقليم قناة السويس. نشر معاليه دراسة وافية حول هذا الموضوع «الشروق 10 مايو 2013» قال فيها: «إن المشروع هو إعلان استقلال لإقليم قناة السويس عن الدولة المصرية، وهو يحول الإقليم إلى ملكية خاصة لأعضاء الهيئة العامة لتنمية إقليم قناة السويس، كما أنه يمنح رئيس الجمهورية سلطات مطلقة فى المنطقة بعيدا عن أية رقابة».

هذا كان كلام البشرى عن إعلان مرسى ودستوره ومشروع تنميته، فإذا ما خرجنا نبطل مرسى بإعلانه ودستوره ومشروع تنميته، لطم البشرى وجهه وشق جيبه حزنا على مرسى، ورفضا لثورتنا التى يصفها بالانقلاب!!

ألم أقل بداية إن موقفه غريب مريب عجيب؟ لا يستدعى مناقشة قدر ما يستوجب رأى الطب النفسى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة التحرير 5 سبتمبر 2013
لينك المقال بموقع التحرير:

الخميس، 29 أغسطس 2013

الماء العَكِر






سنحتّ فرص الذيوع والانتشار أمام الأستاذ أحمد عامر، معلم فن تجويد القرآن (نشهد له بأنه انتهزها جميعا) فقد تبنته أولا جريدة «الأسبوع» فى بدايات صدورها، ولم يكن بها إخوانى واحد، ووهبته مساحة يتقاتل عليها الكُتّاب المحترفون، ثم كتب عنه أكثر من يسارى مادحا محاولته إحياء مدرسة التلاوة المصرية، ثم تلقفته فضائية «دريم» وأفردت له برنامجا كان يذاع لسنوات عديدة فى ساعات المشاهدة المتميزة. كل هذا والرجل يطل علينا بوجهٍ بشوش يعلمنا فن التجويد فى رفق ثم ينصرف كل منا لشأنه، لم نعرف عنه قط أى انتماء لأيديولوجيا ولا تنطعا فى الدين، ثم حانت ساعة الحقيقة، ساعة أن التقى الجمعان، الشعب المصرى فى مواجهة عصابة حسن البنا، ساعتها نزع عامر عن وجهه قناع البشاشة واللطف وصعد منصة رابعة صارخا: «لا إله إلا الله، محمد رسول الله، دافعوا عن إسلامكم» ثم قال كلاما كثيرا ملخصه أن خالعى مرسى لا يريدون خلعه فحسب، بل يريدون إخراج الإسلام من مصر!

لماذا يكذب الرجل ويجعل خلع مرسى خلعا للإسلام؟ ألم يراجع نفسه لحظة ليكتشف أن الذين أتاحوا له الشهرة والمال هم جماعة من المسلمين؟

بأى دين يبيح لنفسه الدفاع عن عصابة مجرمة، هو لا ينتمى إليها تنظميا؟

هل الدودة حقا فى أصل الشجرة، كما قال صلاح عبد الصبور؟

هل كل الانتماء ولو بالتعاطف مع عصابة البنا يجعل المرء كذابا لوجه الكذب؟

ثم إذا تركنا الدكتور عامر يواصل صرخاته فى إشارة رابعة سنجد أنفسنا نقرأ للدكتور ناجح إبراهيم «المصرى اليوم 24 أغسطس الحالى» مقالا طويلا عريضا يخبرنا فى مقدمته أن فترة سجنه قد تبحر فى قراءة التاريخ القديم والحديث والمعاصر، وأن قراءاته قد هدته إلى سؤال عويص وهو: «لماذا كلما تصارع أهل الدعوة والدين على السلطة مع أهل السياسة والحرب.. انتصر أهل السياسة والحرب».

ثم بعد سؤاله الذى شغله لسنوات يمطرنا الدكتور ناجح الذى قال إنه تاب عن القتل بأمثلة عن انتصار أهل السياسة على أهل الدعوة، من انتصار معاوية على الحسن وانتصار الحجاج على عبد الله بن الزبير وصولا إلى انتصار يزيد بن معاوية على الحسين!

ثم بعد الدوران حول محور التاريخ الإنسانى يقول ناجح إبراهيم نصا: «ولا أدرى هل ما زال التاريخ يكرر نفسه حتى الآن أم ماذا؟ فكلما وصل أهل الدعوة والدين إلى السلطة أزيحوا عنها قهرا وقسرا.. وكلما اقتربوا من الوصول إليها بعدت عنهم أكثر.. لقد حارب العلويون أهل الدين والدعوة ملوك الأمويين قرابة مئة عام على الحكم.. فقتل معظمهم وأسر بعضهم ونكل بهم دون جدوى. لقد تفكرت فى هذا الأمر منذ قرابة 15 سنة.. وها أنا ذا أعيد التفكير فيه مرات ومرات.. فهل حقا يعيد الزمان نفسه.. يبدو أنه يفعل ذلك مرات ومرات».

ما الرسالة التى يريد ناجح إرسالها لقارئ مقاله؟

أظنها واضحة جدا، جماعة الإخوان هى جماعة الدين والدعوة تنهزم شأن كل أهل الدين والدعوة أمام جماعة السياسة والحرب!!

كان ناجح حتى سنوات قريبة قاتلا ومقاتلا فى صفوف جماعة إرهابية تُعرف إعلاميا باسم (الجماعة الإسلامية) وكانت جماعة الأخ ناجح قد خدعتنا وأوحت إلينا بأنها على عداء ظاهر مع عصابة حسن البنا، ولكن حين جد الجد وحانت ساعة الفرز رأينا أئمة جماعته عاصم عبد الماجد والزمر وغيرهما يصعدون منصة رابعة وينتصرون لعصابة البنا، بل ويقتلون لحسابها، ثم ها هو الأخ ناجح يلوى عنق التاريخ، بل والجغرافيا ليخبرنا بأن عصابة البنا هم أهل الدعوة والدين الذين وصلوا إلى السلطة وتمت إزاحتهم عنها قهرا وقسرا.

لم يكتب الرجل كلمة واحدة فى مقاله عن فشل أهل دينه وأهل دعوته، ولم يذكر شيئا عن غطرستهم وفسادهم، لم يشر مجرد إشارة إلى رعونتهم وتهديده الدائم بحرق البلد إن لم تخضع لحكمهم.

من الواضح أن العيب ليس عيب عامر وناجح، بل العيب هو عيبنا نحن الذين كنا نظن أن الماء العكر ربما يصفو فى يوم من الأيام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة التحرير 29 أغسطس 2013
لينك المقال بموقع التحرير:

الخميس، 22 أغسطس 2013

إقصائى وأفتخر




الآن حصص الحق، ولم يعد أمام الرجال إلا أن يكونوا رجالًا كما خلقهم الله وليس أمام النساء إلا أن يكن نساءً كما خلقهن الله، أما الذين ارتضوا لأنفسهم التخنث فلا كرامة لهم، وهم سقط متاع لا نلتفت إليهم احتقارًا لمرض أصاب قلوبهم وباقى أعضاء أجسادهم.


بلدنا الآن يخوض معركة القرن، فى القرن الماضى خضنا معركة التحرر من الاحتلال البريطانى، وفى قرننا هذا نخوض معركة التحرر من الاحتلال الأمريكى، هذا الاحتلال الخبيث الذى قبض على حاضرنا ومستقبلنا منذ أن قالها السادات : «99% من أوراق اللعب بيد الولايات المتحدة الأمريكية»، من يوم تلك المقولة ونحن نأكل بأمر أمريكا ونشرب بأمر أمريكا ونذهب إلى فراشنا بأمر أمريكا التى لا يهمها شخص الذى يتولى الحكم، ولكنها تهتم جدًا بتجنيده لصالح خدمة أهدافها، ولذا لم يكن مدهشًا بحال من الأحوال أن تتحالف مع عصابة حسن البنا، لكى تضمن استمرار دوران مصر فى فلكها.

حربنا فى عمقها ليست مع عصابة حسن البنا، هؤلاء ليسوا أكثر من آلة يديرها المحتل الأمريكى الذى يريد فرض شروطة كاملة على مستقبلنا كله.

ولأن هذا الاحتلال هو أخبث احتلال نتعرض له، فهو يطيل فى عمر وجوده البغيض، محتميًا بأفكار يروج لها جماعة اكتشفنا مؤاخرًا أنهم ليسوا أكثر من جماعة غلمان تدين بكامل الولاء لعصابة البنا، هم غلمان وإن تجاوز بعضهم السبعين من عمره، كنا نحسبهم من الرجال، ثم سقطت الأقنعة وظهر تخنثهم الذى تخجل منه الرجولة والأنوثة.

لقد تطاول الغلمان على يومنا الخالد (30 يونيو) ووصفوه بالانقلاب العسكرى، وراح غلام منهم أسس لأسطورته محتميًا بتلمذته على يد الأستاذين الكبيرين محمد حسنين هيكل وأحمد بهاء الدين يقود حملة إحصاء لجماهير الأمة التى تدفقت إلى الشوارع لكى يثبت أن العدد ليس أكثر من 600 ألف متظاهر، كان هذا الغلام المدلس يريد جرنا إلى معركة إحصائية لكى يوازى بين جماعة إرهابية تدرعت بالنساء والأطفال فى رابعة والنهضة وبين جماهير الأمة التى غادرت بيوتها عاقدة العزم على إسقاط حكم عصابة البنا. وعندما خاب سعى الغلمان وتأكدوا أن الشعب سيحمى جيشه الوطنى ولن يقدمه لقمة سائغة للعدو الأمريكى بدؤوا عزف نغمة أخبث، إنهم الآن وقد أضافوا إلى خندقهم حثالة من الجوارى

يريدون ترويض الشعب وفى المقدمة منه جيشه الوطنى كى يخضع لعصابة حسن البنا، إنهم يقولون بحتمية المصالحة السياسية والاجتماعية مع تلك العصابة التى تعتنق استباحة الدماء شريعة ومنهاجًا.

فإن كان لك صبر أيوب على البلايا وذهبت تناقش هؤلاء الغلمان لن تجد لهم إلا جملة واحدة يرطنون بها، إنهم يقولون: «يجب دمج جماعة البنا فى الحياة السياسية بوصفها فصيلًا من فصائل القوى السياسية».

ويا غلمان عصابة حسن البنا لقد جربنا مصرية ووطنية عصابتكم، لقد رأينا بعيوننا كيف يطلقون الرصاص بشكل عشوائى على كل المصريين وكيف يحرقون الكنائس ويدنسون المساجد. يا غلمان عصابة حسن البنا، عن أى سياسة تتحدثون؟ عن سياسة مصادرة الدولة لصالح عصابة؟ أم عن سياسة التفريط فى ترابها؟ أم عن سياسة قنص جنود وضباط الجيش والشرطة فى سيناء؟

غلمان عصابة حسن جماعة البنا فى الصحافة والفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعى يريدون تخويفنا، ووضعنا بين شرين، إما أن نقبل باستمرار وجود عصابتهم فى المشهد السياسى وإما أن نقبل بقتلنا ثم لا نشكو ولا نرد الرصاصة بالرصاصة.

ولأن الغلمان والجوارى بضاعتهم دائمًا ليست عقولهم بل أعضاء أخرى من أجسادهم، فقد فات عليهم أن هذا الشعب ساعة أن يحين الجد، هو أسطورة مقاومة تمشى على الأرض، إن الشعب الذى هزم كل الغزاة لن يقف عاجزًا ولا خائفًا أمام عصابة حسن البنا، إنه الخروج الأخير، إنه الطرد التام والكامل، إنه الإقصاء وصولًا للاستئصال، فبعد أن أطلقت عصابتكم الرصاص على الشعب لم يعد لديها مكان على أرضه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة التحرير - 22 أغسطس 2013
لينك المقال على موقع التحرير:
http://tahrirnews.com/columns/view.aspx?cdate=22082013&id=ce048ffa-3a12-4cb5-a38e-5f36bb9dc8c9

الخميس، 15 أغسطس 2013

نفاق أمريكى






ترتدى الحضارة الأمريكية ثوب نفاق من قطن أمريكى، نسجته يد أمريكية وتروج له آلة إعلام أمريكية فكأنه بين كل أنواع النفاق نفاق أمريكى خالص لا مثيل له، دمرت أمريكا العراق بزعم تحرير الكويت، ثم عادت لتدمير العراق بزعم تخليصه من أسلحة الدمار الشامل، ثم عادت لتدمير العراق بزعم نشر الديمقراطية، ثم ها هم الأمريكان فى حالة من حالات نفاقهم النموذجية يبكون على شرعية المخلوع محمد مرسى ويتقولون على يومنا الخالد (30 يونيو) ويصفونه بالانقلاب على الشرعية، يتجاهلون عن عمد إرهاب جماعة الشر الذى يحصد أرواح جنود ضباط وجنود جيشنا فى سيناء، ثم يولولون على شرعية مزعومة.

هنا نذكر بنموذج قديم من النفاق الأمريكى.

يقول التاريخ إن الكاتب الإيطالى كورزيو مالابارته كان يعمل فى أثناء الحرب العالمية الثانية (هى حرب فرضتها أوروبا على العالم) مراسلًا لإحدى الصحف على الجبهة الروسية، وعندما استسلمت إيطاليا عاد إليها وعمل ضابط اتصال بين حكومة بلاده وقوات الحلفاء التى دخلت إيطاليا تحت قيادة الجنرال الأمريكى كلارك بزعم تحريرها من الفاشية.

سجل مالابارته خطوات تحرير الأمريكان لبلاده من الفاشية فى سيرته الذاتية (الجلد) التى كان شاعرنا الفذ صلاح عبد الصبور أول من نقلها إلى العربية.

يقول مالابارته: «كنت أجوب نابولى مع صديقى الكولونيل الأمريكى جاك هاملتون وكان منظرنا بملابسنا النظيفة ووجوهنا التى يبدو عليها الشبع يبدو غريبًا بين الأنقاض والجوع، كان النساء يقلن فى صوت هامس لجنود الحلفاء: الولد بدولارين والبنت بثلاثة ووجدت نفسى أسأل صديقى الأمريكى: هل تريد بنتًا صغيرة بثلاثة دولارات؟».

وذات مساء اصطحبنى صديقى الأمريكى لكى أرى عن قرب عذراء إيطالية!

كان على باب غرفة العذراء حفنة من الجنود بعضهم أمريكى وبعضهم إنجليزى أو بولندى، دفعنا لامرأة كهلة دولارين، ودخلنا حجرة العذراء، كانت تجلس على السرير وقدماها قد تدليتا على الأرض، وكانت تدخن فى سكون، كانت تبدو صغيرة جدا وإن بدت عيناها كعيون العجائز، جاء صوت المرأة: «كفى اشتغلى» سحقت الفتاة سيجارتها على الأرض، ومدت يديها إلى ثوبها، ثم بعد لحظة كانت تستلقى على السرير عارية تمامًا وكان وجهها نصف مفتوح فى ضيق، وصاح صوت من ورائنا: «إنها عذراء ويمكنكم أن تلمسوها ولا تخافوا، إنها لا تعض، إنها لا تؤذى أحدًا». مد زنجى يده ولم تتحرك الفتاة ظلت تنظر بعينين مليئتين بالخوف واللعنة، ثم انتهى العرض ولبست ثوبها وانتزعت من بين شفتى بحار إنجليزى سيجارة، ثم خرجنا وكانت خطانا تتناثر على أرض الحارة مليئة بالخزى والمذلة، قلت للأمريكى: «لا بد وأنكم مزهوون، لأنكم قهرتم أمة إلى هذا الحد، فبدون تلك المناظر كيف كنتم ستحسون أنكم منتصرون».

ثم بضربة مشرط يذهب مالابارته إلى رأس الدمل الأمريكى فيقول: «كان الجنرال كلارك قد أقام مأدبة عشاء تحية لمسز فلات وهى أمريكية تعمل فى الصليب الأحمر تشرف على الكثير من أعمال الخير، طبخ لنا طباخ الجنرال سمكة عروس البحر، كانت عينا السمكة مفتوحتين وشفتاها نصف مغلقتين، وكانت بشرتها تلمع كما يلمع ثوب المسز فلات الغامق، ندت صرخة فزع من شفتى المسز فلات وتراجع الجنرال فى مقعده، صاحت المسز فلات: «أبعدوا هذا الشىء الفظيع عنى لم آت إلى أوروبا لآكل لحم الفتيات الصغيرات». رد الجنرال: «لكنها سمكة». فجأة صاح الكولونيل براون وهو من كبار الوعاظ فى الجيش الأمريكى: «ينبغى أن ندفنها».

وجدت الفرصة سانحة للتدخل فقلت: «ولكن ليس هناك مدافن للسمك فى نابولى يا صاحب القداسة، أهل نابولى يأكلون الأسماك ويدفنون الناس، ولكنهم لا يأكلون الناس ويدفنون الأسماك».

قال الواعظ كأنه لم يسمع كلامى: «نستطيع أن ندفنها فى الحديقة».

أحنى الجنرال رأسه موافقًا وأطرقت المسز فلات ثم انحدرت الدموع من عينيها وصاحت: «شكرًا لله».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة التحرير - 15 أغسطس 2013
لينك المقال بموقع التحرير:

الخميس، 8 أغسطس 2013

موقعة سامية صادق

عندما كنتُ طالبًا بجامعة الأزهر رأت إدارة المدن الجامعية أن تنعم على نزلائها بنسخ من «الأهرام» و«الأخبار» و«الجمهورية»، كانت الإدارة تضع النسخ فى إطار من السلك ذى الثقوب الواسعة بما يكفى للقراءة.
صباح أحد الأيام وقفت مع زملاء لإلقاء نظرة على عناوين الجرائد، باغتنى الزميل «ع» عندما أخرج قلمه من جيب قميصه ومده قاصدًا صورة صغيرة «بالأبيض والأسود» للإذاعية الرائدة سامية صادق.

سألته بهدوء: «ماذا ستفعل؟». أجاب: «سأظلل الصورة» عدت أسأله مندهشا: لماذا؟ أجاب وهو يرمينى بنظرة نارية: تسأل لماذا؟ دعنى أنا أسألك: هل أنت رجل أم لا؟ وهل هذه امرأة أم لا؟ وهل هذه المرأة سافرة أم لا؟ وهل يجوز لك أن تنظر لشعرها أم لا؟

لحظتها تأكدتُ أن سؤاله «البيولوجى» سيهزمنى شر هزيمة، وتأكدت أيضًا أن سؤالى «الإنسانى» حول كيفية هياج شاب من صورة لسيدة فى عمر أمه لا مجال له هنا.

لم يكن هناك مجال لكى أحدثه عن سامية صادق التى تربينا على صوتها وهى تقدم برامجها «من الشاشة للميكروفون - حول الأسرّة البيضاء - فنجان شاى و..».

الزميل وإن كان قادمًا من الطبقة المتوسطة التى أنتمى إليها فإنه كان مشبعًا بفكر تنظيم ما يسمى بالجماعة الإسلامية، حيث صورة لسيدة وقور تستطيع فتنة شاب فى العشرين من عمره!
كنا قد وصلنا إلى طريق مسدود هو يريد تظليل الصورة وأنا أرفض، وبعد تشابك بسيط بين ذراعينا سيطرت على قلمه وكسرته وألقيت به أرضًا. حاول الزملاء إصلاح الموقف ولكنه هشهم بغطرسة ونظر لى قائلًا: «بتكسر القلم.. ماشى.. بكرة تشوف».

كنتُ مغرورًا، لدرجة جعلتنى أهز كتفىّ سخرية من تهديده الطائش، فى استراحة بين محاضرتين، جاءنى أصدقائى مرتبكين يسألوننى عن حقيقة صدامى مع «ع». غاظنى ارتباكهم من موضوع كنت أراه تافهًا. لم يعجب الأصدقاء تقليلى من شأن «ع» وجماعته.

انفرد بى صديق من نفس محافظة «ع»، وقال إنه لا يستبعد أبدًا أن يحصل هذا الولد على فتوى من جماعته بأننى مرتد وأستحل الحرام، وساعتها سيكون دمى حلالًا له.

ثم همس صديقى: «مسجد المدينة الجامعية يقع فى بقعة تحفها الأشجار وإضاءتها خافتة، وليس بعيدًا أن يخرج عليك أحدهم من بين الأشجار ويطعنك طعنة واحدة تكون فيها نهايتك، ولذا فسنذهب للمسجد فى جماعة لكى لا ينفردوا بك».

كان لدىّ شعور بأن الصديق يبالغ حتى جاءت صلاة عشاء ذلك اليوم، ما إن دخلت وأصدقائى المسجد حتى أشار «ع» إلى جماعته إشارة جعلتهم يتفرقون صانعين مربعًا محكمًا لا يمكن النفاذ منه، نظر إلىّ الصديق الناصح كأنه يقول: «ألم أقل لك؟».

أمام جدية الموقف وخطورته تخليت مرغمًا عن أوهامى «السلمية» ووقفت مخاطبًا الإمام شرحت له الأمر كله وزدت «كاذبًا» بأننى قد هاتفت أهلى الصعايدة وأبلغتهم بأسماء الذين يتربصون بى.

شن الإمام هجومًا كاسحًا على المتنطعين بليدى الحس وعديمى الذوق الذين تهيجهم صورة لسيدة فى عمر أمهاتهم، ولم يكتف الإمام بذلك بل شجعنى على أن أبلغ إدارة المدينة بأسماء الذين يهددونى.

لم ينطق أحد منهم بكلمة وإن كانت وجوههم محتقنة بغضب مكتوم.

عندما علمت إدارة المدينة الجامعية بما حدث عاقبت الجميع وكفت عن عرض نسخ الجرائد!

ثم أمضيت باقى العام الدراسى «من حسن حظى أنه كان الأخير» متوترًا أتحرك بين جماعة من الأصدقاء خوفًا من مدية تهاجمنى من بين الأشجار، لأننى اعترضت على تظليل صورة بالأبيض والأسود لسامية صادق!!!!!

سأكذب لو قلت إننى لا أفتش جوانب صور الفضائيات بحثًا عن وجه «ع» بين المتمترسين فى إشارة رابعة، أولئك الذين لا يريدون تظليل صورة سامية صادق فحسب بل يريدون شطب و«كشط» صورة مصر ذاتها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة التحرير 8 أغسطس 2013
لينك المقال بموقع التحرير:

الخميس، 1 أغسطس 2013

أين اختفى الطفل المعجزة؟

لم يدلل الرسول أحدًا كما دلل أسامة بن زيد بن حارثة. تقول عائشة: «عثر أسامة على عتبة الباب، فشج جبهته»، فقال الرسول: «يا عائشة أميطى عنه الدم» فتقذرته (شعرت السيدة عائشة بقذارة الدم) فقام الرسول وراح يمص شجته (جرحه) ويقول: «لو كان أسامة جارية (فتاة) لكسوته وحليته».
ويصف أسامة نفسه تدليل الرسول له فيقول: «كان نبى الله يأخذنى فيقعدنى على فخذه ويقعد الحسن بن على على الفخذ الأخرى ثم يضمنا ويقول: اللهم ارحمهما فإنى أرحمهما اللهم أحبّهما فأحبّهما».
وفى يوم النصر الأعظم، فى يوم عودة الحق لأصحابه، يوم عودة الرسول إلى وطنه مكة، كان أسامة رديفه (يركب خلفه الحصان أو الجمل حتى يمس جسده جسد الرسول)، وعندما دخل الرسول إلى الكعبة بعد رحلة شوق دامت سنوات لم يصطحب معه غير أسامة بن زيد وبلال بن رباح.
وحدث أن أفتقد الرسول أسامة فأخر الإفاضة من عرفات وظل ينتظر والناس معه ظهور أسامة، فلما ظهر أسامة قال بعض أهل اليمن: «إنما حبسنا من أجل غلام أسود أفطس».
ولبس الرسول يوما عباءة فاخرة، وخطب الجمعة وهو يرتديها فلما هبط من على المنبر خلعها وأهداها لأسامة.
ثم كبر أسامة شيئًا ما فعَهِد إليه الرسول بقيادة فرقة من الجيش (كان أسامة وقتها فى نحو الثامنة عشرة من عمره) وعندما عاد من أرض المعركة دخل على الرسول فوجده متهلل الوجه، فقال له الرسول: «حدثنى فحدثه أسامة عن مجريات المعركة حتى قال له: لما انهزم القوم (قوات العدو) أدركتُ رجلًا منهم وأهويتُ إليه بالرمح فقال الرجل: لا إله إلا الله فطعنته فقتلته».
فتغير وجه الرسول وقال: «ويحك يا أسامة فكيف بك بلا إله إلا الله، ويحك يا أسامة فكيف بك بلا إله إلا الله «
وظل يرددها حتى لوددتُ أنى انسلختُ من كل عمل عملته واستقبلت الإسلام يومئذ جديدًا».
هذه الحادثة ستجعل أسامة يخشى كل قتال لأى مسلم حتى لو كان فى إسلامه نوع من الخداع، ثم كأن الرسول أراد أن يصحح موقف أسامة بطريقة عملية، فأسند إليه القيادة الكبرى للجيش (كان من بين جنوده الصديق والفاروق) فبلغ الرسول أن أناسًا لا يرضون بقيادة هذا الشاب أخضر العود ليِّنه، فصعد الرسول المنبر وخطب قائلا: «أيها الناس، أنفذوا بعث أسامة (حركوا الجيش) فلعمرى إن قلتم فى إمارته (شككتم فيها) فلقد قلتم فى إمارة أبيه، وإنه لخليق للإمارة (يستحقها عن جدارة) وإن كان أبوه لخليق بها».
ثم مات الرسول وتحرك الجيش وكان سيحارب الروم (كأنها أمريكا الآن) وانتصر أسامة نصرًا مبينًا ولم يخسر جنديا واحدًا من جنوده.
ثم ماذا؟ لقد اختفى هذا القائد الطفل المعجزة من التاريخ الإسلامى، لا نلمح اسمه بين أسماء القادة أو المتصدرين للمشهد العام، والعجيب أن عمره قد امتد حتى توفى فى آخر عهد معاوية بين أبى سفيان (نحو سنة 60 هـ). لقد اعتزل كل شىء وأقام فى منطقة بجوار المدينة خائفًا من لعنة دم الرجل الذى قتله بعد أن نطق بالشهادة.
هل تصل الرسالة إلى هؤلاء الذين يعسكرون فى ميدانى رابعة والنهضة ويحرضون على قتل المصريين، بل يقتلون ضباط وجنود الجيش والشرطة، ثم نراهم يتحدثون ليل نهار عن تقواهم وتعظيمهم لحرمة الدم؟
________________________________
نشرت بجريدة التحرير -  1 أغسطس 2013
لينك المقال بموقع التحرير: