ذهبت سيدة، طائعة مختارة، بل فرحة سعيدة مسرورة إلى حفل زفاف إحدى
صديقاتها، إلى هنا، الأمر عادي تمامًا ولا غبار عليه، فجأة قررت السيدة طائعة
مختارة، بل فرحة سعيدة مسرورة أن يستجيب جسدها لطبلة لعوب، يمكنها أن تجعل معالي
وزير الغابة الفيل الرصين، تهتز أعطافه طربًا ونشوة.
رقصت السيدة كما شاءت، لم يجبرها أحد، ولم تحصل على أجر، لقد رقصت
لوجه الرقص، كانت ترقص في حفل، والحفل أي حفل كما نعلم تتكدس على مقاعده مئات الموبايلات،
والموبايلات كما نعلم بها كاميرات، وبعض الكاميرات، كما نعلم، ذات جودة عالية
جدًا، تقترب من جودة كاميرات السينما والتلفزيون، ولأن الموبايلات، كما لا يخفى
على أحد من الجمادات، التي لا تستطيع التصرف من تلقاء نفسها، فحبكة القصة دائمًا
هي في صاحب الموبايل.
قلتُ إن السيدة رقصت طائعة مختارة، رقصت في مكان لا يمكن تسميته
بالمكان الخاص المغلق، نعم قاعة الحفل ليست على المشاع مثل الشارع، ولكنها ليست
خاصة مثل صالة بيتها أو غرفة طعامها أو استقبالها، ولن أقول غرفة نومها.
هذا حفل زفاف، يدعى إليه البار والفاجر والأقرع والمشعر، يدعى إليه
الذي يغض البصر ويراعي المحارم، ويدعى إليه الذي يتلصص ويتجسس وقد يتحرش.
رقصت السيدة واستل أحدهم موبايله، وصوبه نحو جسد يتراقص ويتماوج، ظل
المصور يصور، حتى انهت السيدة رقصتها.
ألم تعرف السيدة أنها الآن تحت قبضة كاميرا عالية الجودة؟
هل فوجئت بالمصور فتركته وضميره؟
السيدة كانت ترقص طائعة مختارة وخضعت لغواية التصوير طائعة مختارة.
هل أذنب المصور؟
نعم هو مذنب.
لأنه على أقل تقدير لا يرحب بتصوير واحدة من أهل بيته.
هل أذنب عندما رفع فيديو السيدة على اليوتيوب؟
نعم أذنب.
ولكن كما قال المثل الشعبي الحكيم:" إلهي يقطع اللي يجيب سيرة
الناس، قال: إلهي يقطع اللي يخلي الناس تجيب في سيرته".
وهناك مثل يقول:" يا رب دخلنا بيت الظالمين وطلعنا سالمين.. قال
له: ما أنت واقف بره!".
ويرحم الله
الشيخ الإمام ابن القيم الذي قال: «ولا يزال العبدُ يعاني الطَّاعة، ويألفها
ويحبُّها ويؤثرها، حتَّى يرسل الله سبحانه وتعالى برحمته عليه الملائكة تؤزُّه
إليها أزًّا، وتحرِّضه عليها، وتزعجه من فراشه ومجلسه إليها، ولا يزال يألف
المعاصي، ويحبُّها ويؤثِرها، حتَّى يرسل الله عليه الشَّياطين فتؤزُّه إليها أزًّا".
بعد شيوع
الفيديو، وما كان له إلا أن يشيع، بكت السيدة وعضت أصابعها من الندم وقالت من بين
دموعها:" سيطلقني زوجي!"
تعاطف معها من
تعاطف وطالبوا رافع الفيديو بحذفه، ولكن لا حياة لمن تنادي، فالفيديو منتشر ومتوغل
ولم يحذفه أحد وظني أنه لن يحذف.
ثم دخلت على
الخط إحدى كبريات المتعاطفات فقالت: إنها ستسجن رافع الفيديو؟
كيف هذا بربك؟
إذا كنت لا
تعرفين مصور الفيديو ورافعه فكيف ستسجنين أحدًا حتى لو كان هذا الأحد نملة تسعى
خلف حبة قمح أو سكر؟
السيدة الراقصة
ظهرت فجأة ونفت أنها سيدة ونفت أنها متزوجة وقالت: أنا آنسة وطالبة في الجامعة!
هذه الواقعة
المكررة حد الملل لا علاج لها إلا لدى المجتمع.
كيف يرى المجتمع
الرقص؟
هذا هو السؤال
المركزي، عندما يجيب عليه المجتمع إجابة تلقائية هو مقتنع بها وليست مفروضة عليه،
ساعتها سنحلل كل تلك المشكلات.
قبل أن يجيب
المجتمع فسيستجيب جسد سيدة ما لطبلة ما ثم سيصورها أحدهم ثم ستبكي السيدة ندمًا،
ثم سيذهب كل هذا إلى جب النسيان إلى أن نصحو على واقعة جديدة قد يكون فيها خراب
بيوت كانت عامرة قبل أن تستجيب السيدة لطبلة لعوب.
القصة قديمة وقد
تعرض لها الراحل الكريم الدكتور عبد الوهاب المسيري في مقال نشره بالأهرام قبل
قرابة عشرين سنة، وكان المقال عن الفيديو كليب وأغنية من أغنيات روبي
قال المسيري في
مقاله:" الرقص البلدي يهدف للإثارة الجنسية بشكل واضح وصريح، ولكننا كنا لا
نراه إلا في الأفلام وفى الأفراح والليالي الملاح، فهو جزء من عالم
"العوالم"، أي أننا كنا نعرفه بوصفه جزءًا من عالم مستقل عن عالمنا، قد
نتمتع به وقد نرفضه، ولكن في كلتا الحالتين هو ليس جزءًا من عالمنا (حاولت سعاد
حسنى في "خللي بالك من زوزو" أن توسع من الإمكانيات التعبيرية للرقص
البلدي، إذ قدمت مرثية عالم أمها الراقصة التقليدية من خلال رقصة حزينة في حين كان
شفيق جلال يغنى أغنية "لا تبكى يا عين على اللي فات ولا اللي قلبه
حجر"). وفى تصوري أن هذه كانت المحاولة الأولى والأخيرة لفصل الرقص البلدي عن
الإثارة الجنسية. وما تفعله الفيديو كليبات هو عكس ذلك تماما، وتحاول إنجازه من
خلال عشرات الراقصات (الروسيات والمصريات والهنديات...إلخ) المتحركات! ولكن الأهم
من كل هذا هو ما أسميه عملية تطبيع الرقص والإثارة؛ فالرقص يقدم في الفيديو كليب
على أنه جزء من صميم حياتنا العادية اليومية".
ويضيف
المسيري:" ولكن نلاحظ أن الرقص البلدي هنا ليس رقص المحترفات وإنما يشبه
الرقص الذي ترقصه بنات الناس الطيبين في الاجتماعات العائلية، وبذا يتم هدم الحواجز
بين حياتنا اليومية والرقص البلدي، ويتم تطبيعه تماما".
وبعدُ فمن
الواضح ان المجتمع لم يطبع علاقاته بالرقص البلدي حتى الساعة حتى لو قامت به بنات
الناس الطيبين في الاجتماعات العائلية!
وعلى ذلك فالرقص
مسئولية كل راقصة، فليس للراقصة أن ترقص ليلًا ثم تندم نهارًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق