يفصل بيننا وبين
الخامس من مارس، موعد اجتماع الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين المصرية، أقل من أسبوع فإذا حضر نصف أعضاء الجمعية (قرابة الخمسة
آلاف عضو) جرت انتخابات النقابة في اليوم ذاته.
الانتخاب حق
دستوري أصيل لا يمكن لأحد التلاعب به أو تجاهله، ولكن صيانة النفس البشرية هي
أيضًا من الحقوق الأساسية التي يعد العدوان عليها جناية كبرى.
بلدنا كغيرها من
البلاد يحاصرها وباء كورونا، وهو الوباء الذي يسجل إصابات ووفيات في دولة عظمى مثل
أمريكا بمعدلات يشيب لها الولدان، يتحدثون الآن عن قرابة النصف مليون أمريكي حصدهم
الوباء، إضافة إلى مئات الملايين من المصابين، ومعروف لكل ذي عقل أن الزحام هو
البيئة المثلى التي ينشط فيها كورونا، ومع كل تلك البديهيات نرى نقابتنا العريقة
تسارع إلى الدعوة لانعقاد الجمعية العمومية في الخامس من مارس!
فكيف يكون ذلك يا
خلق الله؟
نقابتنا أعني
سيادة النقيب والأساتذة أعضاء مجلس النقابة يعرفون الأمر وتعقيداته ولذا خافوا من
أنياب المبتزين والمزايدين ولجأوا إلى طلب الفتوى من مجلس الدولة، حول الوضع
القانوني لإجراء الانتخابات في ظل كورونا، مجلس الدولة من ناحيته قال:"إن ما يتعلق
بالظروف الصحية المصاحبة لعقد الجمعية العمومية للنقابة، ليس من المسائل القانونية
التي تختص الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بإبداء الرأي فيها، وإنما تعد
من المسائل الفنية التي تستقل بتقديرها الجهات المعنية بالشئون الصحية كوزارة
الصحة".
نفذت نقابتنا
توصية مجلس الدولة وذهبت إلى جهة الاختصاص وهي هنا وزارة الصحة التي أرسلت فريقًا
طبيًا لفحص مبنى النقابة الذي يشترط قانونها عقد الجمعية العمومية بداخله، وبعد
الفحص قال الأستاذ خالد ميري، وكيل نقابة الصحفيين، ورئيس اللجنة المشرفة
على انتخابات التجديد النصف بالنقابة:" تلقت النقابة تلقت ردًا من إدارة الطب
الوقائي بوزارة الصحة يحذر من إجراء الانتخابات في هذا التوقيت بسبب تفشي جائحة
فيروس كورونا، واتخاذ الدولة إجراءات احترازية مشددة من ضمنها حظر التجمعات
الكبيرة في أماكن محدودة خوفًا من انتشار الفيروس".
بعد هذا الكلام الواضح الصريح كان من المفترض أن نقول:" قطعت جهيزة
قول كل خطيب".
ولكن الخوف من الابتزاز والمزايدة والانشغال ببوستات الفيس بوك وبتغريدات
تويتر جعل النقابة تمضي في إجراءات عقد الجمعية العمومية وفتح باب الترشيح على
مقعد النقيب وعلى مقاعد التجديد النصفي لمجلس النقابة.
السؤال الآن ليس سؤالًا سياسيًا، إنه سؤال أخلاقي في المقام الأول بل
والأخير.
أهل الذكر قالوا: لن نستطيع تأمين النقابة طبيًا لا في يوم عقد الجمعية
العمومية ولا في يوم الانتخابات، وقد قالوا ذلك بأفصح لفظ، فما معنى تجاهل كلامهم
وتحذيرهم؟
ليس لدي بيان قاطع بعدد أعضاء الجمعية العمومية ولكن بالترجيح فهو لن يقل
عن عشرة آلاف عضو، يجب حضور نصفهم أي خمسة آلاف صحفي في أول انعقاد للجمعية
العمومية، فكم من هؤلاء سيصاب؟
ثم كم من المصابين سنبكي على قبره بعد صراع مع مرض سخيف لم يعرف له العالم
رأسًا من قدمين حتى اللحظة؟
مَنْ يدفع هذه الفاتورة؟ وفي رقبة مَنْ سيكون يتم الأبناء وترمل الزوجات؟
كرونا خطير
ومميت وقاتل، ولا يعرف الهزل ويضرب أرباب القصور وساكني الأكواخ، فكيف سينجو آلاف
الصحفيين يوم عقد الجمعية العمومية ويوم إجراء الانتخابات؟
ألا لا يتحدثن
أحد عن الكمامة والمطهر، فقد رأينا بعيوننا زحام يوم فتح باب الترشيح وكيف تخلى
الجميع عن أبسط وأقل الإجراءات الاحترازية.
ليس من المنطق
ولا من الأخلاق في شيء أن أذهب لدعم هذا الزميل أو ذاك ثم أعودـ إن عدت ـ مصابًا
وناقلًا العدوى لأهلي، ثم ليس هناك معنى لعقد الانتخابات الآن الآن وليس غدًا،
فالآن الوباء في غاية النشاط، وتأجيل الانتخابات وعقدها في فصل الصيف حيث تقل
معدلات الإصابات لن يهتز له عرش الرحمن ولن تختل معه موازين القوى في الشرق الأوسط،
الكرة في ملعب الصحفيين قبل أن تكون في ملعب النقيب وأعضاء مجلس النقابة، ففي ظل
عدم إمكانية تدخل الدولة وفرضها لتأجيل الانتخابات يجب علينا جميعًا أن نراعي
أحوالنا بأنفسنا، فليس منا واحد محصن ضد الإصابة، وليس منا واحد لم يتجرع مرارة
الحزن على صديق أو قريب ضربه هذا الوباء القاتل.
أناشد الجميع الالتزام بخطة عدل وحكمة، فإن كانت الانتخابات تمثل دعمًا لمهنتنا فإن إصابتنا ستخصم هذا الدعم، وستزيد الطين بلة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة صوت الأمة 27 فبراير 2021
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق