في التاسع من نوفمبر من العام
1977 وقف الرئيس الأسبق محمد أنور السادات أمام مجلس الشعب، بحضور ياسر عرفات زعيم
منظمة التحرير الفلسطينية، وقال: "إنني أعُلن أمامكم وأمام العالم إنني على استعداد
للذهاب حتى آخر العالم من أجل تحقيق السلام، بل إنني أُعلن أمامكم، وسوف يُدهشون في
إسرائيل وهم يسمعون ذلك، إنني على استعداد للذهاب إلى القدس ومخاطبة الإسرائيليين في
عقر دارهم، في الكنيست الذي يضم نواب شعبهم من أجل تحقيق السلام".
وفي السابع عشر من مايو من العام
2016، وفي قلب محافظة أسيوط، وقف الرئيس عبد الفتاح السيسي ليقول كلامًا كثيرًا عن
الرغبة في السلام مع إسرائيل وعن بذل كل جهد ممكن لتنعم المنطقة بسلام دافئ.
ما قاله السادات نفَّذه، أما ما
قاله السيسي فيحتاج لقراءة هادئة لكي نعرف هل يمكن تنفيذه على أرض الواقع، أم سيظل
مجرد كلام مرتجل جاء في خطاب سياسي.
بدأ السيسي حديثه بلفت نظر العالم
إلى ضرورة الاستماع لما سيقوله جيدًا، وبعدها بجملة واحدة قال شيئًا عجيبًا لا يتسق
وحرصه على استماع العالم إليه، قال إنه لم يُحضّر لكلامه.
ضع أنتَ ما شئتَ من علامات التعجب
بعد جملته تلك.
ثم قال سيادته ما ملخصه إن مصر
لا تسعي للعب دور ريادي ولا للقيادة، ولكنها ستبذل جهدها في إحلال السلام وحل المسألة
الفلسطينية، وإن المنطقة سترى العجب عندما يُقَرُّ السلام، لأن المفاوض الإسرائيلي
الذي كان يفاوض أمام السادات ويحرص على أن تكون النقطة جيم من سيناء منزوعة السلاح،
لن يصدق نفسه عندما يرى عتاد القوات المسلحة المصرية وهو منتشر في كل سيناء لمحاربة
الإرهاب.
كان هذا باختصار غير مخل أبرز
ما قاله الرئيس في خطابه عن جهود إحياء عملية السلام.
ولأننا لسنا سمكًا وما تزال لنا
ذاكرة، فيحق لنا استرجاع شريط الأحداث من بدايته الأولى على يد السادات، فيوم قال السادات
إنه جاهز للذهاب إلى الكنيست، كانت الطبخة معدة سلفًا من خلال اللقاءات التي احتضنها
ملك المغرب الحسن الثاني وجرت بين حسن التهامي نائب رئيس الوزراء المصري، وموشيه ديان
وزير الخارجية الإسرائيلي، ثم زار السادات رومانيا وإيران، وكشفت الوثائق فيما بعد
أن الدولتين قامتا بدور كبير في تجهيز مسرح الزيارة التي جرت بعد الخطاب بعشرة أيام
فقط لا غير.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، فهل جرى
تجهيز كواليس المسرح قبل خطاب السيسي، كما جرى مع السادات؟
ثمة إشارات تقول إن الإجابة هي
نعم، فقد سبق وأن صرح السيسي في الصيف الماضي برغبته في توسيع نطاق اتفاقية كامب ديفيد،
ولأن تصريحه ذاك كان متزامنًا مع حفر التفريعة الجديدة لقناة السويس، فقد بدا الأمر
كأننا أمام تفريعة جديدة لكامب ديفيد تستوعب دولًا وأنظمة لم تكن لها صلة بالاتفاقية،
إن لم تكن على عداء واضح وصريح معها.
في كل الأحوال يبقي السلام العادل
حلمًا إنسانيًا نبيلًا، ولكن لأننا نعيش على الأرض وليس في الجنة فلا شيء مجاني، ولا
أحلام بدون ثمن، قد يكون باهظًا، والسادات من ناحيته دفع ثمن سلامه مع إسرائيل، فقد
اعترف بإسرائيل بوصفها عضوًا طبيعيًا في المجتمع الدولي والإنساني، وأخرج مصر تمامًا
بل ونهائيًا من خندق المواجهة العسكرية مع تل أبيب، ثم أخلى لإسرائيل كامل الوطن العربي
والجزء الأكبر والأخطر من أفريقيا لتتصرف معه كما تشاء، وظل حتى قُتل يحاول أن يوجٍد
لإسرائيل ولو موطئ قدم داخل الوجدان المصري، من خلال عمليات تطبيع العلاقات.
كل هذه الأثمان دفعها السادات
مقابل الحصول على سيناء منزوعة السلاح والسيادة والتنمية، فماذا بيد السيسي ليدفعه
لإسرائيل ليجبرها على سلام هي ليست راغبة فيه أساسًا؟
يقول بعضهم إن اتفاقية إعادة ترسيم
الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية، والتي بمقتضاها أصبحت جزيرتا تيران
وصنافير قاب قوسين أو أدني من السيادة السعودية، هي مقدم الثمن الذي ستدفعه مصر، لأن
سيادة السعودية على الجزيرتين ستجبر اﻷخيرة على دخول نطاق اتفاقية كامب ديفيد.
ولكن هل ستكتفي إسرائيل بهذا الثمن
أم ستتوحش كعادة المرابين وتطالب بالمزيد؟
وهل سيشمل هذا المزيد إعادة رسم
خارطة سيناء؟
السؤال مخيف والإجابة مرعبة، خاصة
والحديث يدور عن كون إقامة الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية على أرض جد صغيرة سيخلق
العديد من المشاكل، من ناحية تسكين ملايين الفلسطينيين على جزء من أرض فلسطين التاريخية.
أين سيعيش هؤلاء إذن؟
الغريب في الأمر كله هو أن الرئيس
قال ما سبقه إليه وزير خارجيته: "إننا لا نسعى للريادة ولا نسعى لدور قيادي".
فإذا كان هذا هو حالنا باعتراف
رئيسنا، فما الذي يجبرنا على لعب دور ريادي سندفع ثمنه عاجلًا أو آجلًا؟ لماذا نحشر
أنفسنا مع الرواد والقادة ما دمنا قد اعترفنا بأننا لسنا منهم وليسوا منا؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر فى موقع مدى مصر بتاريخ 21 مايو 2016