ما كنت أحسبُ أنني سأعود
للاستشهاد بتلك القصة القديمة ، فقد استشهدتُ بها مرات ، لكن ماذا افعل الحوادث هي
هي ، والتنطع هو هو، تقول القصة القديمة : إن سيد التابعين الإمام الحسن البصري كان
جالسًا في المسجد الجامع يفقه الناس في دينهم ، فقطع رجل عليه الحديث صائحًا
:" يا إمام الدين افتني في دم البراغيث هل ينقض الوضوء ؟ ".
نظر إليه البصري وسأله
:" من أي البلاد الرجل ؟ ".
فرد السائل :" من الكوفة
".
فقال البصري لتلاميذه :"
أغيثوني من هذا الرجل الذي استباح قومه دم الحسين ثم جاء يسألني في دم البراغيث
".
وعلى ما سبق فلو كان الإمام
البصري بيننا وسمع بحبس الكاتب أحمد ناجي لقال لحابسه ":انظر إلى نفسك وأنت
تري مذبحتين في ملعبيّ كرة قدم وتري كشوف عذرية لأبكار وترى ثورةً تُنتهك ودستورًا
يُغتصب وقانونًا يداس وشعبًا نصفه تحت خط الفقر ، وملايين يشربون مياهًا مخلوطة
بالمجاري وألوفًا يقتلون في حوادث طرق ، ثم لا يخدش حياءك سوى كلمات قلائل جاءت في
بطن رواية ما كان أحد سيسمع بها لولا تنطعك ".
ولكي لا نخلط الأوراق فإن
رواية ناجي عندي أنا القارئ المحترف والكاتب الهاوي ، هي كتابة ضعيفة باردة ركيكة
، لا تضيف شيئًا لتراث روائي عريق فاخرنا
به الأمم حتى حصدنا نوبل المنيعة .
ولكي لا نخلط الأوراق فإن حبس
ناجي ليس له ادني علاقة بقيمة الرواية من الناحية النقدية ، فالذي حبس ناجي ليس
ناقدًا صاحب ذائقة ، وحتى لو كان ناقدًا ، فلم نسمع عن ناقد حبس كاتب لا يرضى عن
كتابته .
إذن لماذا حبسوا أحمد ناجي
صاحب رواية " استخدام الحياة ؟ ".
فريق يقول : هو حبس بالوكالة
!!
وتفصيل ذلك أن ناجي كتب قبل عام
مقالًا نقد فيه حكام المملكة العربية السعودية ، فجرت اتصالات وتحركت هواتف ، فجاء
الحبس بالوكالة انتقامًا من الكاتب ، وما كانت الرواية إلا القشة التي قصمت ظهر
البعير.
وعن نفسي ليس في يدي ما يثبت
أو ينفي هذا الكلام ، ولكن لو كان حقًا فبطن الأرض ساعتها خير من ظهرها .
الفريق الثاني يقول : إن حبس
ناجي جري وفقًا للقانون .
أي قانون يا خلق الله ؟.
أتحدي أن يأتيني أحد بفقرة من أي قانون كان تجرم ما كتبه أحمد ناجي ، ما يقوله
الفريق الثاني هو محض عبث ومحض هراء ، ليس هناك قانون يجرم كتابة الروايات أو
كتابة الألفاظ التي تبدو عارية ، كما أن الدستور وهو أب القوانين ينص في أكثر من
مادة على احترام حرية الرأي والتعبير ، وقد استفاض رئيس تحرير جريدتنا هذه الأستاذ
إبراهيم عيسى في شرح المواد الدستورية الخاصة بحماية الرأي والتعبير ، فعد لمقاله أن
أردت الفهم والشرح .
الفريق الثالث يقول : إن حبس
ناجي جاء عقابًا على استخدامه لألفاظ تخدش الحياء !!!!!!!!!
حسنٌ ، تلك الكلمات موجودة في
اللغة منذ آلاف السنوات ،منذ كانت العرب وهذه هي ألفاظ لغتهم ، يعني ناجي لم يخترعها ، هو فقط استخدمها كما
استخدمها سيد سادات الشعر العربي أبو الطيب المتنبي كما في قصيدته التي هجا به ضبة
الأسدي
" وما ضرها من نـ .....
وإنما ضر ز....
كل الأيـ
................سهام بأمه وهي جعبة ".
القصيدة بتمامها موجودة في
شعر المتنبي منذ ما يزيد على الألف عام ، ولم نسمع بسجن المتنبي ولا حتى بحذف
القصيدة من شعره .
فهل كل الناس مذ قال المتنبي قصيدته
إلى يومنا هذا هم من الهمج الذين بلا حياء
؟
لقد كان يُضرب بهم المثل في
الحياء الحقيقي والخجل الحقيقي ، ولكن ها قد أظلنا زمان يخدش حياء بعضهم روائي ولا
يخدش حياءهم مستنقع خراب يغطي أنوفنًا .
وخير من المتنبي كان ابن
عباس الذي يقول عنه العالية الرياحي :" كنت مع ابن عباس في الحج وسمعته يحدو
وهو محرم، ويقول:
" وهن يمشين بنا
هميسا... إن تصدق الطير نـ لميسا "
فقلت : تتكلم بالرفث وأنت
محرم؟.
فقال ابن عباس إنما الرفث ما
قيل عند النساء.
هذه القصة مذكورة بتفاصيلها
في كتب التفاسير وعلى رأسها تفسير الطبري ، فارجع إليها هناك .
وخير من المتنبي وابن عباس
رسولنا الأكرم الذي يروي عنه ابن عباس فيقول : لَمَّا أَتَى مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ،
أَوْ غَمَزْتَ، أَوْ نَظَرْتَ» قَالَ: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «أَنِــــ ».
لاَ يَكْنِي، قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِرَجْمِهِ .
والحديث تجده في البخاري ، هل
ستكذب البخاري ؟ مرحبًا بك مع إسلام البحيري .
وبعد ، فلا تكونوا قوم بهت
يخدش حياءكم سطور في رواية ولا يخدش حياءكم ظلم عَمّ واديكم الذي كان يومًا ما
أخضر فأصابته صفرة الموت والخراب .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هامش
عبد الله بن العباس بن عبد
المطلب ، هو ابن عم النبي ، كان أعلم أهل زمانه ،كان عمر بن الخطاب يحرص على
مشورته في كل أمر كبير، وكان يلقبه بفتى الكهول .وقال عنه سعد بن أبي وقاص : " ما رأيت أحدا أحضر
فهما، ولا أكبر لبّا، ولا أكثر علما، ولا أوسع حلما من ابن عباس ".
دعا له الرسول قائلًا :" اللهم فقهه في
الدين وعلمه التأويل ".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت في جريدة المقال بتاريخ 29 فبراير 2016
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق