أخيرًا جاء عام السطوع 1955.
فى بداية ذلك العام، كانت
ليلى مراد بطلًا لفيلم "الحبيب المجهول" وهو آخر أفلامها، وقد تضمن
الفيلم ثلاث أغنيات، كانت أغنية "ليه خلتنى أحبك" واحدة منها، عُرض
الفيلم وذهب منتجه بالأغنيات الثلاث لكى يهديها إلى الإذاعة مجانًا كما جرى العرف،
أجازت الإذاعة أغنيتين ورفضت الثالثة التى يقول مطلعها:
"ليه خليتنى أحبك لا
تلومنى ولا أعاتبك
فين تهرب من ذنبك
روح منك لله
بدموعى الحيرانة وعيونى السهرانة
بادعى لك بأمانة
روح منك لله".
الإذاعة كانت محتشمة متحفظة،
فرأت أن هروب الحبيب من ذنبه يعنى وقوعه فى الذنب، ثم إن هذا الذنب قد يكون كبيرة
من الكبائر!
طبعًا نتحدث عن زمن سبق زمن
"أديك فى الجركن تركن" بعقود وأخلاقيات.
أُسقط فى يد مأمون الشناوى
مؤلف الأغنية وكمال الطويل ملحنها، حاول الشناوى تغيير الشطر المرفوض وكتبه هكذا:
"فين أهرب من حبك.. روح منك لله
أيامها
كانت نجاة تغنى فى بيروت وجاءها كمال الطويل وقدم لها لحن "ليه خلتنى
أحبك" وبعد تردد قبلت نجاة اللحن الذى ستحلق بجناحيه عاليًا وبعيدًا، فبعد
غنائها للحن أصبحت المطربة الأشهر فى مصر، وظلت الإذاعة لشهور تتلقى طلبات
المستمعين لإذاعة تلك الأغنية الساحرة.
العجيب
فى أمر ذلك اللحن الذى كادت الإذاعة المحتشمة أن تقتله أننى استمعت إليه بأصوات
آمال ماهر وميادة الحناوى وأصالة وشيرين عبد الوهاب وابتسام فوجدتهن يتفوقن على
أنفسهن فى الأداء، حتى عندما غنته آلن خلف وهى شىء عجيب كانت تريد أن تصبح راقصة
فخانها حظها واتجهت إلى الغناء، فقد أجادت وغنته بحس مختلف غاية فى الرقى.
عام
السطوع ذاته شهد كما سجلت رحاب خالد ظهور أغنيات "عطشان يا أسمرانى"
و"وطنى وصباى وأحلامى" و"أسهر وأنشغل أنا".
كل
تلك الأغنيات سجلت نجاحًا مدويًا لا يزال مستمرًّا، وفى لفتة من لفتاتها الرشيقة
لا يفوت رحاب خالد أن تسجل أن العام ذاته قد شهد ظهور "على قد الشوق"
لعبد الحليم ومن هنا جاءت المنافسة الشرسة.
فى
العام 1960 ستكون نجاة قد جربت الزواج والإنجاب والطلاق وسيكون عمرها أربعًا
وعشرين سنة وسيكون الخبير الخطير عبد الوهاب قد جلس يستحلب ريقه فى انتظار صوت
نجاة وقد نضج كثمرة مانجو شهية.
تتألق
رحاب خالد فى تسجيل مفردات وتفاصيل لقاء عبد الوهاب ونزار قبانى ونجاة فى رائعة
"أيظن".
جاءت
رحاب بشهادات من الوزن الثقيل عن الأغنية الأيقونة، كم شقيت رحاب وهى تقدم لنا
كتابات كامل الشناوى، يوسف إدريس، صلاح عبد الصبور، نعمان عاشور، يحيى حقى، محمود
الشريف، حلمى سلام، إبراهيم الوردانى، بيرم التونسى، مدحت عاصم.
إن
مجرد تخيل سماع كل هؤلاء لأغنية، أمر يجلب الانتعاش، فما بالك بقراءة ما كتبوه
عنها، شكرًا رحاب خالد.
ومن
"أيظن" وحتى اللحظة التى هاتفت فيها نجاة صديقتها الكاتبة الأستاذة سناء
البيسى لتخبرها بأنها ستنصرف وتركن إلى الظل، ونجاة فى كل حياتها وعلى مدار سنوات
رحلتها الفنية تعمل بإخلاص الهواة وبتمكن المحترفين، وأعتقد أن المبدأ ذاته هو
الطبع الغالب على الكاتبة الشابة رحاب خالد التى تسرَّب إليها معنى ابن خلدون عن
خطورة الغناء فألزمت نفسها به جادة غير عابثة ولا مستهترة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق