بعد تحرر الهند من الاحتلال البريطانى
فى العام 1947 أصبح جواهر لال نهرو، وهو أحد أكبر دعاة الاستقلال أول رئيس لمجلس الوزراء
الهندى فى عهد الحرية.
كل مشكلات الهند وبعضها يصل لدرجة
الكارثة لم تجعل نهرو ينحرف عن معتقداته السياسية والثقافية والاجتماعية، نهرو كان
مؤمنًا بأن العلم هو الباب الوحيد الذى من خلاله ستغادر الهند موقعها كواحدة من مستعمرات
التاج البريطانى لكى تصبح قوة إقليمية تقود منطقتها الآسيوية على الأقل.
ولكى ينفذ نهرو سياسته تلك فقد
كان أول قرار يتخذه هو تخصيص ثلث الميزانية العامة للبحث العلمى.
هنا عارضه الشعب الهندى الخارج
من تحت قبضة الاحتلال لتوه، وشارك فى المعارضة أعضاء حزب المؤتمر الذى يعد نهرو من
مؤسسيه الأوائل، وكان هؤلاء الأعضاء من رفاق كفاح نهرو وبعضهم كان من أصدقاء عمره،
وكانت حجة الجميع تدور حول أن البلد فقير ولا تستطيع مزانيته تحمل هذا العبء، وأن هناك
أمورا أولى بأن نبدأ الإنفاق عليها قبل هذا البحث العلمى الذى لم يكن معظم الهنود يعرفون
عنه شيئًا.
استمع نهرو إلى حجج معارضيه، ثم
قال لهم كلمته الخالدة التى ستكون كلمة السر فى القفزات التى حققتها الهند: «نحن أفقر
من أن نستغنى عن البحث العلمى».
ومن يوم نهرو العظيم وإلى يومنا
هذا والهند تنفق على البحث العلمى حتى وصلت لأن تكون دولة نووية ومطلقة أقمار صناعية
ورائدة فى صناعة البرمجيات.
مصر الآن ليست أفقر من الهند فى
زمن نهرو ولا تعانى معشار المشكلات التى كانت تعانيها الهند، ومصر لديها تصريحات تطلقها
يوميا حول الرغبة الأكيدة للحكومة فى التقدم والنهوض بالبلاد بعد كبوة استمرت لعقود،
كل هذا جميل وجيد جدا بل ورائع ولكن الحادث على أرض الواقع يكذب كل التصريحات، ففى
الوقت الذى تتبنى فيه الدولة استصلاح مليون فدان زراعى تورد «جريدة المصرى» اليوم خبرا
مزعجا جدا يقول ملخصه: «إن وزارة التخطيط قررت تخفيض ميزانية وزارة الزراعة المخصصة
للبحوث والاستثمارات».
هذا التخفيض طال ميزانية البحوث
بمركز البحوث الزراعية التى انخفضت من 69 مليونا إلى 20 مليون جنيه، بينما تم تخفيض
ميزانية مركز بحوث الصحراء إلى 13 مليون جنيه بدلا من 32 مليونا». وأضافت المصادر:
«تم تخفيض ميزانية قطاع استصلاح الأراضى من 243 مليون جنيه إلى 200 ألف جنيه».
وأضافت الجريدة أن التخفيض يلغى
أكثر من 15 مشروعا بحثيا لخدمة القطاع الزراعى بمركز البحوث الزراعية، و12 برنامجا
بحثيا فى مركز بحوث الصحراء، ويهدد برامج مكافحة الأمراض الوبائية التابع لهيئة الخدمات
البيطرية.
كما أن التخفيض لحق بميزانية الخدمات
البيطرية من 40 مليون جنيه إلى 21 مليونا، ما يخلق عجزا حادا فى الأمصال واللقاحات
التى توفرها الهيئة لنحو 9 ملايين رأس ماشية.
وختمت الجريدة تقريرها قائلة إن:
«التخفيض يهدد خطة الدولة فى مشروع المليون فدان، الذى يشترك فيه مركزا بحوث الصحراء
والبحوث الزراعية، من خلال وضع التركيب المحصولى فى 9 مناطق».
عندما قال نهرو كلمته الخالدة
لم يكن يخترع العجلة، كان ينظر إلى ما هو أبعد من تحت قدميه، كان يرى الغد الهندى ويعمل
على أن يكون مشرقًا ومساويا لتضحيات الشعب.
على الحكومة المصرية أن تدرك أن
العلم شرط التقدم، أما الفهلوة المصرية فلن تجلب لنا سوى المزيد من التخلف.
_________________________
نشر بجريدة التحريرفي 12 أغسطس 2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق