شاع بيننا فى وصف سنوات حكم حسنى
مبارك بأنها «سنوات الفرص الضائعة»، يبدو الوصف أو التوصيف مهذبا جدا وحقيقيا تماما،
لقد تولى مبارك الحكم بلا أدنى منافسة، ودانت له الأجنحة القوية فى الدولة بالولاء
والطاعة، ثم لم يشهد عهده أدنى توتر عسكرى على كل الحدود المصرية، وكل تلك النِّعم
لم ينعم بها كل الذين سبقوه إلى العرش المصرى، لكن مبارك بسياسته التى أهلكته أفلت
الفرص واحدة بعد أخرى، حتى انتهى به الأمر عابثا فى أنفه داخل قفص محاكمته فى مشهد
لم يسبق للزمن أن جاد بمثله، الفرص التى أهدرها مبارك لم يهدرها عن غفلة أو بلادة،
بل أهدرها منحازا لفريقه السرى المشكَّل من جماعات من ناهبى المال العام الذين لم يصمدوا
ساعة الجد بجواره سوى ساعات، ثم تفرقوا عنه عائدين إلى مخابئهم.
رَطن مبارك كثيرا بالبنية التحتية
التى شيّدها، وهى تلك التى شاء ربك أن يذوق مرارتها وخرابها على حياة عينه، فعندما
سقط مرضيا وهو فى تيه طغيانه لم يجد مستشفى مصريا يثق به وبإمكانياته، فذهب إلى ألمانيا
لتلقى العلاج.
الحال ذاته ينطبق على المعزول
محمد مرسى الذى جاءته فرصة أن يكون أول رئيس مصرى منتخب بعد ثورة عظمى، فما كان منه
إلا أن ركل الفرصة منذ لحظة صعوده منصة الخطابة فى ميدان التحرير، يومها كشف عن وجهه
الحقيقى عندما ربط ربطا عضويا بين بداية نضال وكفاح ومقاومة الشعب المصرى، وبداية تكوين
جماعته السرية، يومها تجاهل مرسى عامدا متعمدا كل نضال سبق ظهور جماعة الإخوان، لم
يتلفَّت بعمد إلى مصطفى النحاس وسعد زغلول ومحمد فريد ومصطفى كامل، لم يلتفَّت سوى
إلى خوض فى عرض سنوات الستينيات، انتقاما من ذكرى قائدها جمال عبد الناصر.
لقد أضاع مرسى الفرصة بيديه عندما
انحاز بلا خجل ولا حياء إلى جماعته، وتركها تقتل المصريين على أبواب قصره، وتركها تحاصر
قاعات المحاكم، وتركها تتربص بكل إعلامى يخالفها الرأى، وكما كان مصير مبارك، كان مصير
محمد مرسى، ها هو قابع فى زنزانته ينتظر الحكم عليه فى أكثر من جريمة اقترفها محاباة
لجماعته، ومهدرا فرصة ذهبية كانت كفيلة بأن تكتب اسمه بأحرف من نور فى سجل الخالدين.
الآن نحن أمام رئيس جديد، ولديه
هو أيضا فرص تاريخية لم يحظَ بمثلها كل الذين سبقوه، فرغم كل المنغصات التى تطفو على
السطح فإنها تبقى طافية على السطح غير مستقرة وراسخة فى الأعماق، فما يحدث فى سيناء
سرعان ما سينتهى إن لم يكن قد انتهى فعلا، والتشابك الليبى-الليبى تؤكد كل الإشارات
القادمة من هناك إلى أنه فى طريقه إلى الهدوء والاستقرار، يبقى الداخل المصرى وهو قد
أظهر ولعا غير مسبوق بالرئيس السيسى، وقد تجلَّى هذا الولع منذ الهتاف الشهير: «انزل
يا سيسى.. مرسى مش رئيسى»، وقد استجاب السيسى ونزل إلى ميدان المعركة وهو ابن الجمالية
وابن الشريحة الوسطى من الطبقة الوسطى وهو العارف بثورة البلاد وثروتها، وهو المدرك
للخراب الذى عاشته البلاد تحت حكم مبارك ومرسى، إذن لن يباغت السيسى بشىء، ولن يستطيع
يوما أن يخرج علينا قائلا: «كنت أظن أننى سأحكم سويسرا، فوجدت نفسى أحكم مصر».
السيسى قبل غيره يدرك حقائق التاريخى
المصرى وثوابت جغرافيتها، وعليه أن ينحاز إلى فريقه، لأن الكرة هى الآن بين قدميه.
ــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة التحرير/ 11 يونيو 2014
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق