قرأت فى جريدتنا «التحرير» تلخيصًا
لمقابلة تليفزيونية أجراها الإعلامى يوسف الحسينى مع الدكتور أيمن فريد أبو حديد وزير
الزراعة، وبثتها فضائية «أون تى فى».
كان التلخيص صادمًا فقررت رؤية
المقابلة كاملة على موقع الفضائية، للأسف اكتشفت أن التلخيص كان دقيقًا وأمينًا. معالى
وزير الزراعة قذفنا بالحقيقة الموجعة، قال: «نحن نستورد معظم طعامنا، ولكى نحقق الاكتفاء
الذاتى فنحن نحتاج إلى زراعة عشرة ملايين فدان، إضافة إلى الثمانية ملايين فدان التى
نزرعها، وهذا مستحيل لعدم وجود كميات من الماء تسمح لنا بهذا التوسع، وقد ننتظر ما
بين عشرة أعوام إلى خمسة عشر عامًا لكى يتقدم العلم أكثر فأكثر ويومها قد نحصل على
شىء من ماء البحر الذى ستتم تحليته».
كلام معالى الدكتور أبو الحديد
واضح لا يحتاج لشرح أو تفسير، هو يؤكد أن جوعنا المذل هو نوع من الجوع التاريخى الذى
يستحيل معه الشبع، جوع سرمدى أزلى، لا علاج له، سنظل مصلوبين على بوابات الهبات والمنح
والقروض، ولن نعرف الشبع أبدًا.
كانت الثورة قد غرستْ فى أعماقنا
حلم الجنائن وحقول القمح الشاسعة والمدن الجديدة المرتبة النظيفة، حتى أصبحنا قاب قوسين
أو أدنى من امتلاك ناصية الحلم بزراعة، لا سموم فيها ولا تهجين، ولا مسخ للمذاق ولا
طمس للطعم، ثم جاء كلام معالى وزير الزراعة ليضرب أحلامنا فى مقتل، سنظل جوعى نمد اليد
نستجدى أهل الكرم والإحسان، ونمد اليد لنفرط فى قرارنا الوطنى مقابل سد جوعنا.
لا أعيب على معالى الوزير كلامه
الصريح الذى لا لبس فيه، ولكن أليس ثمة تفكير غير هذا التسليم بالجوع، كأنه القضاء
والقدر؟ أليس ثمة حل آخر غير شحاذة الطعام أو استيراده؟ هل زراعة عشرة ملايين فدان
أمر مستحيل فعلًا؟ أم أن للقصة غوامضها وخوافيها التى لن نطلع عليها؟
وعلى نفس موجة التسليم بما هو
كائن يسبح السيد إسماعيل النجدى رئيس الهيئة القومية للأنفاق، الذى صرح للزميلة ميساء
فهمى بـ«جريدة الشروق» بأن القاهرة الكبرى تحتاج إلى 12 خط مترو أنفاق، حتى يمكن القضاء
على الأزمة المرورية، التى يتوقع أن تتفاقم مع الزيادة السكانية التى من المتوقع أن
تجعل عدد سكان القاهرة يصلون إلى 26 مليون نسمة.
وأضاف النجدى أن حركة المرور فى
القاهرة لا تزيد على 10 كيلومترات فى الساعة وقت الذروة، ما يكلف مصر خسائر تصل إلى
مليار جنيه سنويا نتيجة الفاقد فى العمل بسبب الزحام.
وحذر نجدى من أنه فى حالة عدم
الانتهاء سريعا من خطوط المترو ستصل سرعة السيارات إلى ٦ كيلومترات فى الساعة، مما
يؤدى إلى توقف الحركة فى شوارع العاصمة.
ولفت السيد إسماعيل نجدى الأنظار
إلى أن حال الإسكندرية لن يكون أفضل من حال القاهرة، خصوصا عندما يصبح تعداد سكانها
تسعة ملايين نسمة.
انتهى كلام السيد إسماعيل الذى
يفكر فيه من داخل نفس الصندوق القديم المتفسخ، الحل عنده ليس فى مدن جديدة عملاقة لا
تعرف العشوائية تستوعب زيادات سكانية متوقعة، الحل عنده هو فى المزيد من البقع التى
تزيد وجه العاصمة قبحًا على قبح، الحل عنده هو مواصلة ترميم البيت الآيل للسقوط على
رؤوس ساكنيه وليس البحث عن سبل بناء بيت جديد متين يحافظ على الأرواح ويوفر طرقًا آدمية
للمعيشة.
كلام السيدين، وزير الزراعة ورئيس
هيئة المترو يلزمنا بأن نسأل أنفسنا: ما المطلوب من المصريين لكى يأملوا فى حياة مقبولة؟
لقد صنع المصريون ثورتين فى أقل
من عامين وقدموا آلاف الأرواح قربانًا للثورتين، هل هناك ثمن أفدح من الذى دفعناه لكى
نواصل حلمنا بعيشة لا أقول راقية، ولكن مقبولة؟
هل كل تلك العقول وكل تلك الخبرات
تقف عاجزة مستسلمة أمام وحوش الجوع والمهانة التى تنهش الوطن وتقف عاجزة أمام أزمة
مرور خانقة وطاحنة تجعل من شوارعنا مصائد لقتل الأمل فى أى تقدم ونهضة؟
ـــــــــــــــــــــــــ
نشرت في جريدة التحرير في 8 يناير 2014
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق