يحكى القرآن الكريم عن المرجِفين فى المدينة المنورة فى زمن رسولنا الكريم فيقول: «لئن لم ينتهِ المنافقون والذين فى قلوبهم مرض والمرجِفُون فى المدينة لَنُغْرِيَنَّك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا». ثم جاء المفسرون فقالوا إن المنافقين والذين فى قلوبهم مرض والمرجِفين ليسوا ثلاث فئات بل هم فئة واحدة تجمع الأمراض الثلاثة: النفاق ومرض القلوب والإرجاف، ثم توسَّع المفسرون فى ذكر المرجِفين وأحوالهم فقالوا إنهم هؤلاء الذين كانوا يهوِّنون من قوة المسلمين ويبالغون فى قوة عدوّهم ثم ينشرون الشائعات ويذيعون الأكاذيب بقصد نشر الفزع والرعب. وقد شاءت إرادة الذى لا رادَّ لمشيئته أن لا ينتهى أمر المرجِفين جميعًا إلى المحو النهائى من سجلات الوجود الإنسانى، فهم وإن انتهى أمرهم إلى هزيمة مُذِلَّة فى مدينة الرسول فقد تكاثروا فى مدن أخرى وتناسلوا عبر الأزمنة حتى وصل أحفادهم إلى العيش بيننا هنا فى عاصمتنا القاهرة، وهؤلاء الأحفاد ليسوا أعرابًا بسطاء كأجدادهم الذين كان الواحد منهم يقول كلمته واضحة فيتم اكتشاف أمره بيسر وسهولة، لا يا صاحبى، الأحفاد عصريون جدا ومتمكنون من كل فن من فنونهم وبارعون فى كل علم من علومهم، وتجد الواحد منهم يرطن بلغات شتى وله الباع الطويل فى زخرفة الكلام عن هموم الأمة حتى تحسبه لا ينام الليل من شدة قلقه على مصير الوطن. وعندما تتأمل المرجِفين تجد لهم علامات لا تخطئها عين، يبدأ الواحد منهم كلامه بأن يحذِّرك من خطورة التعامل الجاد الحاسم مع عصابة حسن البنا، يقول لك هامسًا بنبرة متباكية: «لئن تمّت مواجهة الجماعة فهذا سيجعلها تلجأ إلى العمل السرى وتنزل بثقل قوتها إلى تحت الأرض وتشبع الوطن الحبيب إرهابًا وخوفًا، ولذا لا بد من استيعاب الجماعة فى العمل السياسى العام».
فات المُرجِف أن الوطن الذى يتباكى عليه قد أتاح لجماعته فرصة عمرها وسلم لها مقاليد الحكم فلم تكفّ عن سرّيتها يومًا ولم تكفّ يومًا عن غدرها وسفكها للدماء.
وتقول المُرجِفة: «الدم كله حرام».
فات المُرجِفة أن الدم ليس كله حراما، هل يستوى القاتل مع القتيل؟ هل يستوى الجانى مع الضحية؟ هل يستوى المتظاهر الذى كل أدواته حنجرته وصدره العارى بهذا الذى هو مسلح بالمدفع الرشاش؟
ويقول المُرجِف: «لا بد من حل سياسى».
يتجاهل المُرجِف أن جماعته لم تطرح يومًا حلًّا سياسيًّا، وكل حلولها التى تطرحها تحصرنا بين أمرين، إما أن يخضع هذا الشعب لحكمى وإما أن يتجهز للقتل؟ هل طرحت الجماعة حلا غير هذا؟
وتقول المُرجِفة: «لا بد من مصالحة وطنية».
تتجاهل المُرجِفة أن جماعتها لم تدعُ يومًا للمصالحة، ثم كيف تصالح أمة بأكملها فريقًا شذّ عنها وخان مصالحها وتنكَّر لمبادئها؟
ثم كيف تصالِح أمة بأكملها فريقًا منها يحمل فى وجهها السلاح ويقتل أولادها بطريقة عشوائية، لوجه القتل لا لتحقيق شعار أو مصلحة ممكنة.
ويقول المُرجِف: «لئن هُزمتْ الجماعة لَتعودَنَّ الدولة القمعية».
يتجاهل المُرجِف أن جماعته لم تعمل يومًا على تطهير الأجهزة الأمنية من الذين ينتهجون القمع فى أداء عملهم الأمنى، وأن رئيس جماعته المعزول بإرادة شعبية قد أثنى الثناء الحسن الجميل على كل جهاز الشرطة وكذب متعمدًا قائلًا: «إن جهاز الشرطة كان فى القلب من ثورة يناير!!». كما يتجاهل المُرجِف أن الشعب قد صحّ عزمه على عدم الخضوع لأى قمع أيا كانت جهته، لكن هؤلاء المرجِفين يرطنون باسم الشعب ولكنهم فى قرارة أنفسهم يحتقرونه وينظرون إليه نظرة السيد لخادمه.
وعندما يسمعون تفنيدك لكلامهم يحاولون زعزعة ثقتك بنفسك عبر رميك بتُهم من نوعية فقدانك لإنسانيتك «لأنك لا تحترم حقوق القاتل فى أن يقتلك!!».
وعشقك لسفك الدماء «لأنك تنادى بحسم المواجهة مع إرهابيى سيناء مثلًا» ثم يخوفونك بأن الثورة ستفشل لأن كل دول العالم ستقف ضدها.
يا صاحبى لا تغترّ ببريق سطح المرجِفين، ابحث فى قاعهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت فى جريدة التحرير - 12 سبتمبر 2013
لينك المقال بموقع التحرير:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق