بجرة قلم، تقرر استبعاد اسم توفيق الحكيم من قائمة
الأدباء المصريين.. وبجرة قلم أخرى تم إسقاط اسم نجيب محفوظ من كتاب الأدب العربي
المعاصر ــ المقرر على الوجه البحري ــ ليوضع مكانه اسم مغمور، نتحدى أن يكون هناك
ثلاثة مواطنين قد سمعوا به من قبل!
هذا ما يحدث الآن في وزارة التربية والتعليم.. كتب
يتم إحراقها.. وأدباء يتم نفيهم خارج الوجدان الجمعي لهذا الوطن.. ولجنة من
الموظفين تمسك في يدها سلطة الإجازة والمنع.. وأشياء أخرى..!
منذ فترة تدور مذبحة في مناهج اللغة العربية بالوزارة..
بدأت أولاً: باستبعاد رواية أديب العرب العالمي نجيب محفوظ "كفاح طيبة"
من التدريس، وخرج الوزير بعدها بتصريح أثار الضحك والرثاء معًا، وهو أنه لم يعلم
شيئاً عن قرار إلغاء الرواية. بعدها بدأ تدريس رواية مجهولة بعنوان "الصقر
الجريء" لأديب اسمه عبدالسلام محمد زيدان.
وفي الأسبوع الماضي خرجت صحيفة أسبوعية ــ حكومية
ــ معروف عنها التصفيق الدائم لأي إجراء ضد الثقافة والمثقفين، لتزف بشرى استبعاد كتاب
"الشيخان" لعميد الأدب العربي د. طه حسين من مقررات الدراسة.
وقبل ذلك تم حرمان رواية توفيق الحكيم "عصفور
من الشرق" من دخول مناهج الدراسة في كل المراحل التعليمية لسبب تافه جداً،
يكشف عنه مستشار اللغة العربية بالوزارة أحمد محمد هريدي.. يقول الرجل إنه تقرر في
إحدي السنوات تدريس رواية الحكيم إلا أن كبير المستشارين ــ في ذلك الوقت ــ اعترض
علي جملة في الرواية يقول فيها توفيق الحكيم "ودخل محسن على صديقته الفرنسية
وأغلق الباب". وبناء عليه تم حذف الرواية كلها من المقرر، لأن المستشار قال
"إن هذه الجملة تحمل إيحاء لا أحب أن يصل إلى التلاميذ"! لذلك ــ
والكلام للمستشار الحالي ــ لا نستطيع أن ندرس روايات إحسان عبدالقدوس مثلاً؟
لكن.. كيف يجري العمل للوصول إلى قرار بالإباحة أو
قرار المنع؟
ــ مستشار اللغة العربية بالوزارة ــ أحمد محمد
هريدي ــ يجيب بقوله:
هناك لجنة مكونة من 12 عضواً من الخبراء، يقرأون
مئات الكتب ويقدمون تقاريرهم حول كل كتاب بعد قراءته "وهذه اللجنة مكونة بأمر
من الوزير". بعد ذلك يتم التصويت. والكتاب الحائز على أعلى الأصوات يدفع به
إلى لجنة أعلى مكونة من خمسة مستشارين برئاستي. وبعد فحص الكتاب نرفع مذكرة للوزير
ليتخذ القرار النهائي.
وينفي أحمد محمد هريدي ما ذكر على لسانه بخصوص
كتاب "الشيخان" ويقول إنه يحترم كتابات د. طه حسين وكل أعلام التنوير
وعملية إيقاف تدريسه لا ترجع إلى أي اعتبار عقائدي بقدرما هي راجعة إلى تنويع
الكتب المقررة لنشر كافة الآراء الجادة القيمة!
ويضيف هريدي: إن أعمال اللجان لا يتدخل أحد فيها
والدليل على ذلك أن كبار الكتاب توجد لهم موضوعات في كتب اللغة في الثانوية العامة
ويأتي على رأسهم "يوسف إدريس" وله قصة "نظرة" إحدى أروع قصصه،
بالإضافة إلى كتابات العقاد وقاسم أمين ونجيب محفوظ وغيرهم.
ما هى المعايير التي تسترشد بها اللجنة في أحكامها
على الكتب؟
ــ قال هريدي: هناك مواصفات عامة أقرتها الوزارة
وهي أن تبرز الكتب كفاح شعبنا وأن تكون ملائمة لقيم وطننا. وأن تكون في مستوي عقول
التلاميذ المقررة عليهم. وأضاف أن نجيب محفوظ صرح بأن كتبه لا تصلح للتدريس في
المدارس لما فيها من أحداث قد يعجز تلميذ الإعدادي أو الثانوي عن فهمها..!
وعن تجاهل لجنة الاختيار للأسماء المعروفة
واختيارهم لرواية "الصقر الجرىء" لمؤلف مغمور.
ــ قال هريدي: بعد أن تقرر تغيير رواية كفاح طيبة
وقع الاختيار على رواية "الصقر الجريء" لعبدالسلام محمد زيدان وهو قاص
مصري يكتب في أدب الأطفال وعدم معرفة الشارع به لا يعيبه ومن ناحيتنا فقد وجدنا أن
الرواية بها المواصفات المطلوبة ولذلك قررنا تدريسها.
حذف الكتب
وبينما معركة الروايات محتدمة قررت الإدارة العامة
للمكتبات بوزارة التربية والتعليم القيام بحملة تفتيش عن الكتب التي يشتبه أن تكون
ذات صلة بتيار الإسلام السياسي وحدثت بعض التجاوزات فتمت مصادرة كتابي خالد محمد
خالد "من هنا نبدأ" و"مواطنون لا رعايا" وغيرهما من الكتب
التي لا يوجد بينها وبين التطرف أي صلة.
أحد المسئولين بالإدارة العامة للمكتبات "طلب
عدم ذكر اسمه" شرح قصة الحملة فقال:
ــ بالفعل صدر منشور يطلب جمع كل الكتب والأشرطة
المتضمنة لأفكار متطرفة والتحفظ عليها في مخازن الوزارة تمهيداً لإحراقها.. وخسارة
النقود أقل كثيراً من خسارة العقول(!!!).
وعن كيفية اختيار الكتب لمكتبات المدارس.
ــ قال: "إن الكتب التي يتم تزويد المكتبات
بها تخرج من خلال قائمة "بيلييوجرافية" تقوم الوزارة بإعدادها لكل ما
تراه صالحاً لكل مرحلة دراسية. وتذهب هذه القائمة إلى أمين المكتبة في كل مدرسة
وعليه أن يختار ما يحتاجه منها ويقوم بشرائه من خلال رسم المكتبة الذي يدفعه
الطالب أول كل عام. ولكن من حق الأمين أن يخرج على القائمة في حدود 20% من جملة
احتياجات المكتبة على أن يقوم موجه المكتبة بمراجعة وفحص هذه الكتب.
ومن خلال هذه الثغرة تحديداً ــ كما يصف المصدر ــ
تسللت الكتب المتطرفة فأصبحت المكتبات تحتوي على كتب تحض على التفريق بين عنصري
الأمة وغير ذلك من الأمور الخطيرة.
وعن التجاوزات التي تمت أثناء مراجعة المكتبات.
ــ قال: إن كل أمين مسئول عن إبلاغنا عن أي تجاوز
لكن حتى الآن لم نتلق أي شكوى. وقد تم التنبيه على القائمين بمراجعة المكتبات بعدم
مصادرة أي كتاب إلا إذا تأكد لهم وجود معلومات مضللة به.
هذا ما يقوله المسئولون بالوزارة، لكننا لن نصاب
بالدهشة إذا فوجئنا غداً بأقوال لنفس المسئولين تختلف تماماً عما قالوه بالأمس أو
يقولونه اليوم.
صراع على.. نجيب محفوظ
هناك خلافات قوية بين دار مصر للطباعة وبين قطاع
الكتب بوزارة التعليم يوضحه صلاح السحار مدير الدار بقوله: باعتبار الدار هي صاحبة
الحق في نشر روايات نجيب محفوظ فقد تم الاتفاق معنا على طبع 8 ملايين نسخة من
روايات "كفاح طيبة" بسعر 84 قرشاً للنسخة الواحدة. وبالفعل قمنا بالطبع
خلال السنوات الثلاث الماضية ولكن الوزارة طلبت خصم مبلغ 5% لصالح نادي المعلم
وهذا الخصم يهدد الدار بخسارة فادحة فطلبنا رفع سعر النسخة إلى 120 قرشاً طالما أن
هناك خصماً فرضته الوزارة وطلبت من دار "الشروق" طبع الرواية، وعلى
الفور أخذت ما يثبت حقنا في نشر روايات نجيب محفوظ منفردين وذهبت لإيقاف هذا
الاتفاق الذي يمس مصالح الدار. ولكى لا يقال إننا ضد الصالح العام فقد عرضت على
الوزارة الإذن لها بالاتفاق مع أي ناشر آخر مع قيامها بدفع حق المؤلف وإلى الآن لم
يتم التوصل إلى حل. وعموماً أنا ضد أن تحل الوزارة مشاكلها المادية على حساب حقوق
الدار.
_________________________
نشرت بجريدة العربي ــ 26 يوليو 1993
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق