قبل أربعين عاما وقف سيادة رئيس الجمهورية «الأسبق» محمد أنور السادات في بهو القصر الرئاسي وشهق كما يشهق الناس، ثم زفر كما يزفر الفراعنة، وما بين شهيقه وزفيره تبدلت أحوال وذهبت مصر إلي متاهة لم تغادرها حتي الساعة، ما بين شهقة السادات وزفيره فتحت أبواب السجون لتستقبل «الأبراش» أجساد رجال كانوا قبل ساعات يملأون الدنيا ويشغلون الناس
شهيق السادات وزفيره عرف إعلاميا باسم «ثورة التصحيح»، «لم يبق منها سوي كوبري 15 مايو»، ثورة سيقرؤها البعض بوصفها «تصفية حسابات» أو «انقلاب قصر» أو «مؤامرة دستورية» أو «غباء سياسي» ارتكبه السجناء طبعا!
أسفرت ثورة التصحيح التي لم يبق منها سوي اسم الكوبري الشهير عن اعتقال كل الحكومة.
••
قبل حوالي شهرين من يومنا هذا كان الشعب المصري في مرآة حكامه كتمساح عجوز فقد أنيابه يتسكع تحت الشمس الحارة وعندما يعضه الجوع يهبط كسولا بليدا إلي بركة ماء آسن طينها أكثر من سمكها، هذا التمساح تراكمت عليه النكبات فتبدلت كينونته فإذا به بين شهيق وزفير يصبح أسدا هصورا يهبط بثقة تليق بالملوك إلي ميدان التحرير وهناك لم يشهق الأسد، لقد زأر فتبدلت أحوال وتهدمت جبال وذهبت مصر لتعانق صباحها المشرق وتودع ليلها الكئيب، زئير الأسد المصري عرف إعلاميا باسم ثورة 25 يناير التي ستبقي وفق وعد إلهي يضمن بأن ما ينفع الناس سيمكث في الأرض، ستبقي ثورة 25 يناير لأن عنوانها هو «المجد للشهداء».
شهيق السادات وزفيره عرف إعلاميا باسم «ثورة التصحيح»، «لم يبق منها سوي كوبري 15 مايو»، ثورة سيقرؤها البعض بوصفها «تصفية حسابات» أو «انقلاب قصر» أو «مؤامرة دستورية» أو «غباء سياسي» ارتكبه السجناء طبعا!
أسفرت ثورة التصحيح التي لم يبق منها سوي اسم الكوبري الشهير عن اعتقال كل الحكومة.
••
قبل حوالي شهرين من يومنا هذا كان الشعب المصري في مرآة حكامه كتمساح عجوز فقد أنيابه يتسكع تحت الشمس الحارة وعندما يعضه الجوع يهبط كسولا بليدا إلي بركة ماء آسن طينها أكثر من سمكها، هذا التمساح تراكمت عليه النكبات فتبدلت كينونته فإذا به بين شهيق وزفير يصبح أسدا هصورا يهبط بثقة تليق بالملوك إلي ميدان التحرير وهناك لم يشهق الأسد، لقد زأر فتبدلت أحوال وتهدمت جبال وذهبت مصر لتعانق صباحها المشرق وتودع ليلها الكئيب، زئير الأسد المصري عرف إعلاميا باسم ثورة 25 يناير التي ستبقي وفق وعد إلهي يضمن بأن ما ينفع الناس سيمكث في الأرض، ستبقي ثورة 25 يناير لأن عنوانها هو «المجد للشهداء».
هل من جامع بين ثورة لم يبق منها سوي اسم كوبري وثورة سيبقي دم شهدائها دائم الخضرة؟ نعم هناك جامع ورابط.. لقد أسفرت ثورة يناير عن اعتقال كل الحكومة.
••
تأمل أخي القارئ - حمي الله ذاكرتك - ثم قل لمن الملك اليوم؟ إنه دائما لله الواحد القهار، تأمل الأسماء لتدرك المفارقة، في مايو السادات تلقف السجن محمد فايق وزيرا للإعلام، يقابله أنس الفقي تاجر الفضائيات الذي كان يفتخر بأنه تلميذ في مدرسة «ماما سوزان» الذي وجدوا عنده «يا دوب» ألفي جنيه ذهبي بزعم توزيعها علي مشاركي مهرجان القراءة للجميع، وكان هناك سامي شرف سكرتير الرئيس يقابله زكريا عزمي رئيس ديوان الرئيس وعبدالمحسن أبوالنور أمين عام الاتحاد الاشتراكي «الحزب الحاكم أيامها» يقابله صفوت الشريف،ومحمد لبيب شقير رئيس مجلس الأمة يقابله أحمد فتحي سرور، وشقير بشهادة الجميع كان رجل قانون، أما سرور فهو صاحب نظرية «سيد قراره» ورئيس البرلمانات المزورة وصاحب القضايا المنظورة الآن أمام النائب العام وجهاز الكسب غير المشروع، وكان هناك شعراوي جمعة وزير الداخلية يقابله حبيب العادلي وضياء الدين داود «من العيب أن أضعه في مقابلة عائشة عبدالهادي فقد كان وزيرا للشئون الاجتماعية» كان داود بعيدا عن المناصب الوزارية التي تولاها عضوا بارزا باللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي، إنه منصب مع شيء من التجاوز يقابله عازف الدرامز الشهير بأحمد عز، وكان هناك علي صبري أحد مؤسسي المخابرات العامة ومهندس الوحدة المصرية السورية ورجل الاتحاد الاشتراكي القوي الذي كانت الوزارة تنسب إليه، ومع ذلك فمن العيب أن أجعل مقابله وعديله هذا الرجل الطويل كليل أسود المسمي بأحمد نظيف الذي يحتاج تدقيق ثروات وزراء حكومته إلي تدخل الأمم المتحدة لا البنوك. ومن الإعلاميين كان هناك شيخ مشايخ الكتابة الضاحكة الراحل الكريم «محمود السعدني» «تخيل السعدني وهو يحاكم بوصفه من مراكز القوي» والرجل فعلا كان من مراكز قوي السخرية والكتابة الشفافة الراقية وكان من مراكز قوي التهام الطواجن ومضغ الأحزان، وأري أنه من العيب وضعه في سلة واحدة من عهدي فضلي أو أسامة الشيخ أو مع الرجل الذي كان يرقق حروف مصر حتي تصبح في فمه مسخا لا تدري أذكر هي أم أنثي، أعني به محمد صفوت الشريف الذي كثيرا ما تغني بلقب عميد الإعلاميين العرب!!
••
عندما يكون هناك اعتقال فلابد من أن يسبقه أو يلحق به تفتيش تقوم به جهات قضائية وأمنية لمنازل المعتقلين ومكاتبهم، أمر السادات رجال عهده الجديد بالانقضاض علي بيوت خصومه وكان علي رأسهم خصمه اللدود مؤسس العسكرية المصرية الحديثة الفريق محمد فوزي رحمه الله «لله الحمد لا يوجد من يقابله الآن في السجن».
ماذا وجد مفتشو بيت الفريق فوزي الذي أعاد تأسيس القوات المسلحة بعد كارثة يونيو؟ جري تفتيش منزل الفريق فوزي الواقع في حي مصر الجديدة في صباح يوم 24 مايو 1971 بمعرفة الدكتور سعيد عبدالماجد رئيس النيابة الذي عثر بعد تفتيش دقيق علي خطاب من البنك الأهلي فرع مصر الجديدة بقيمة 139 جنيها و724 مليما، وحساب في البنك الأهلي فرع محمد فريد بقيمة 74 جنيها و500 مليم، وعثر في درج المكتب علي 11 جنيها و300 مليم، وعثر علي شهادتي استثمار فئة كل منهما 500 جنيه باسم ابنته سلوي، وشهادة استثمار فئة 500 جنيه باسم ابنه أشرف، وشهادتي استثمار فئة 500 جنيه باسم ابنته ماجدة.. وبتاريخ 31 مايو فتح محضر آخر لمصادرة النقد الأجنبي الذي ضبط في بيت محمد فوزي وكان سبع ورقات من فئة العشرين دولارا، سلمت لإضافتها إلي حساب النيابة العامة علي ذمة القضية، لكن قبل إيداع المبلغ في الحساب جري تحويله إلي جنيهات مصرية في البنك الأهلي المصري بعد تسليمه لمندوب البنك محروس يعقوب إسحاق، أما قيمة التحويل فكانت 59 جنيها و500 مليم بسعر صرف ذلك الوقت وبإيصال استبدال رقم 76205 فقد كان سعر الدولار وقتها 42 قرشا ونصف القرش.
••
تلك كانت كل ثروة رجل العسكرية الأول «هل تريد أن تبكي الآن؟» لك أن تبكي عندما تقارن هذه الثورة الناحلة مثل عود حطب بثروة أصغر سكرتيرة لأصغر رئيس حي في مصر . تري هل انتهت المفارقات؟ لا.. والله فقد غادر الفريق الجليل محبسه مرفوع الرأس ورأيته بعيني محمولا علي الأكتاف وهو يدخل قاعة الاستقبال في حزب مصر الفتاة ليلقي محاضرة عن الأمن القومي المصري.
إنه ضمير شعبنا الحي الحر الذي يفرق دائما بين الذين سجنهم الشعب وبين أولئك الذين سجنتهم اختلافاتهم مع الحاكم. ثم ذهب التفتيش إلي بيت وزير الداخلية شعراوي جمعة «العجيب يا مواطن أنهم لم يجدوا برانس حريمي» عندما هاجمت النيابة بيت شعراوي جمعة لم يجدوا في حوزته سوي شهادات استثمار قيمتها 5000 جنيه لتعليم ابنته سلوي التي أكملت دراستها في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية حتي حصلت علي الدكتوراه وأصبحت أستاذة علوم سياسية، وقد حاولت جهات معنية مصادرة الشهادة لكن مساعد المدعي الاشتراكي الدكتور إبراهيم صالح رفض وأمر علي مسئوليته الشخصية بإعادة الشهادات لصاحبتها.
مرحبا بك أخي القارئ في جنة بؤس شعراوي جمعة الذي حكم وقد يكون قد ظلم ولكنه لم يحصل علي فيللا العادلي ولا قصوره ولا مزارعه ولم يغسل مثله مالا حراما قذراً ولم يطلق مثله الرصاص الحي علي صدور أنبل وأطهر وأجمل من أنجبتهم مصر. غادر شعراوي محبسه واعتكف في بيته ليكتب مذكراته ثم مات مرفوع الرأس ولم يجرؤ أحد علي أن يقول له «يا حرامي يا بتاع البُرْنُس الشفتشي».
الآن جاء دور الرجل الخطير سامي شرف . تقول الوثائق : انتقل طاقم من النيابة برئاسة أحمد نشأت المصري لتفتيش بيت سامي شرف .. ووجد مسدسا ماركة أنفيلد وبعض أشرطة التسجيل لأفلام سينمائية وأغاني لأم كلثوم، ومظروفا به كشف حساب من البنك الأهلي يثبت أن الرصيد هو 334 جنيها و858 مليما، إضافة لإشعار يؤكد أن شرف اقترض مبلغ 360 جنيها و300 مليم تضاعف بسبب الفوائد إلي 723 جنيها و55 مليما ! كما عثر التفتيش علي أوراق تفيد بأن شرف استبدل مبلغ خمسمائة جنيه من معاشه .
فعلا سامي شرف مجنون بينما سيد العقلاء هو الدكتور زكريا عزمي الذي يمتلك مجموعة قصور وفيلات وسيارات وأموالا سائلة وكل هذا كان من ادخاره لمصروفه الشخصي، ثم يا مثبت العقل والدين ثبت بلطفك عقولنا. خرج شرف من المعتقل ليواصل حياته تلميذا في الجامعة الأمريكية ليحصل علي الماجستير في إدارة الأعمال ثم يصبح من مؤسسي الحزب الناصري ويصبح عضوا في اللجنة المصرية لتضامن الشعوب الأفريقية الآسيوية . تري لماذا قبل المصريون وجود سامي شرف بينهم ؟ الإجابة بكلمة واحدة هي «لأنه ليس لصا».
تري هل سيقبل المصريون زكريا عزمي مرة أخري «هذا إن خرج من محبسه» ؟ الإجابة لدي جهاز الكسب غير المشروع، ثم حسبنا الله ونعم الوكيل .
••
ثم جاء - أعزك الله -في أساطير الثورة التي لم يبق منها سوي اسم كوبري أن فرق التفتيش هاجمت منزل ضياء الدين داود فوجدوا به سلاحا نوويا محرما دوليا بالطبع لخطورته علي الصحة العامة، لقد وجدوا في بيت الرجل الخطير عدد 7 قلل قناوي «من تلك التي يغني لها سيد درويش» كان ضياء الخطير يخصصها لمشربه!!
الآن أصدق أن هؤلاء قد ارتكبوا أسوأ حماقات الغباء السياسي، لقد حكموا بدون «ساونا ولا جاكوزي، لا مدلكات روسيات ولا قصور ومزارع وفيللات وشاليهات ولا عقارات في شتي بقاع الأرض ولا لسان وزراء ولا بحيرة التمساح ولا مارينا والساحل الشمالي».
حكموا وسادوا ثم خرجوا «بلوشي» أو علي الحديدة أو يا مولاي كما خلقتني أو أنظف من الصيني بعد غسيله .. إن المجد للهليبة الذين أكلوها والعة وعرفوا من أين تؤكل الكتف فمصمصوا عظامه.
••
هل انتهت المفارقات؟ لا.. وربك . فحسب عنوان لافت للروائي الكبير جمال الغيطاني لنا أن نستخدم «البصائر في تقرير المصائر»
انظروا إلي مصائر الذين سجنهم الحاكم لقد غادروا إلي نور الشارع حيث دفء الناس، ضياء الدين داود أصبح رئيسا للحزب الناصري، محمد فايق أسس دار المستقبل العربي للنشر وهو الآن رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان، لبيب شقير مستشار بالبنك الدولي، فريد عبد الكريم الذي كان أمين الاتحاد الاشتراكي بالجيزة عاد محاميا لامعا وتولي الدفاع عن أعضاء تنظيم ثورة مصر التي كانت تستهدف الجواسيس الصهاينة في القاهرة .
أبو النور والفريق فوزي وشعراوي ماتوا كما يليق برجال دولة قد يكونون قد ظلموا لكنهم لم يسرقوا قط ولم تلوث أيديهم بمال الشعب وقوته . الباقون علي قيد الحياة من محابيس السادات مرحب بهم في كل محفل .. أما محابيس الشعب فهم إن خرجوا فلن يجدوا في استقبالهم غير «مرعي حكشة» و«برعي سرايفو» و«سامية ولعة» وباقي عصابات البلطجية التي حكموا بها شعبا وأذلوا بها رقاب أمة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لينك المقال:http://www.masress.com/rosaweekly/108607
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق