ثم اكتشفنا هكذا فجأة أن العطش يتمدد فى بلاد النيل «كما يتمدد ثعبان فى الرمل» أقمنا الدنيا ثم لم يحدث شىء وليت الأمر وقف عند حد نقص المياه أو خلطها بما تيسر من مياه الصرف الصحى، لقد انحدرنا إلى ما هو أسوأ، وفوجئنا كالعادة أن «التيفود»، هذا المرض القديم، عاد يضرب بقوة فى قرى ليس بينها وبين النيل إلا كيلومترات.
الذى فعلناه مع المياه هو ما قمنا به تجاه كارثة طوابير الخبز ومصيبة القمح المسرطن، كالعادة تقوم قيامتنا ثم يدخل كل شىء إلى دوائر النسيان، وهو ما فعلناه مع إنفلونزا الخنازير وقبلها إنفلونزا الطيور (نبرق ونرعد ولا مطر).
والآن جاء دور حفظ الله مقامكم القمامة التى تبدو اكتشافا جديدا وكأنها لا تحاصرنا منذ سنوات وكأننا فوجئنا بها تتكدس على جوانب شوارعنا وفوق أرصفتنا بل وأمام أبواب بيوتنا، فى كل مرة ومع كل كارثة نبدو من الذاهلين الذين تصرعهم الحقائق القديمة كأنها هبطت للتو فوق أدمغتهم، القمامة فى مصر مرض متوطن مثل الأمية والاستبداد والفقر وتزوير الانتخابات والبلهارسيا ومسلسلات رمضان، منذ عشرات السنوات ونحن نتابع تصريحات المسئولين حول التصدى لظاهرة القمامة وما أكثر ما سمعنا من مقترحات.
ثم كما هى العادة ظل التخبط سيد الموقف إلى أن أصبحت القمامة ظاهرة تهدد حياة الناس فى مقتل، ظاهرة لم يفلت منها شارع ولا حى حتى تلك الشوارع والأحياء التى كنا نصنفها فى خانة الشوارع والأحياء الراقية فمنذ ثلاثة أعوام تقريبا تخلت هيئة النظافة والتجميل عن عملها وتركت القمامة تملأ الشوارع، فطلعت علينا المحافظات بحلها «العبقرى» وتعاقدت مع مجموعة من الشركات الأجنبية لتقوم مقام هيئة النظافة على أن يتحمل الشعب نسبة 5% نظير تحصيل شركة كهرباء القاهرة هذه الرسوم على فاتورة الكهرباء، وبعد فشل الحل الأجنبى.
بدأ الحل المحلى وهو حرق القمامة، وبعد فشله هو أيضا، اعتمدنا على نظرية «طول العشرة تذيب الفروق» وهكذا بدأنا التعايش مع القمامة وتطوعنا ومنحناها الجنسية لتمارس جميع حقوق المواطنة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق