هناك مصطلح قديم جدًا
شديد الأهمية والخطورة سبق إليه
العرب والمسلمون عندما كانوا أصحاب حضارة فاعلة ومؤثرة ، ذلك المصطلح " تحرير
المصطلحات " والمقصود بتحرير المصطلحات أو المصطلح أنك عندما تناقش شيئًا أي
شيء يجب عليك أولًا ـ إن كنت تبغي الإنصاف ـ أن تقدم ضبطًا لمعناه ، وعرضًا مرتبًا
لزواياه وتدقيقًا لوجوهه ،و ذلك لكي يفهم منك السامع حقيقة ما تريد قوله .
وعلى ما سبق تعالوا نحرر
مصطلح أزمة أو كارثة الجزيرتين .
حدثت إعادة لترسيم الحدود
البحرية بين جمهورية مصر العربية وبين المملكة العربية السعودية ، ووفق ذلك
الترسيم زعمت الحكومة المصرية : إن جزيرتي تيران وصنافير واقعتان في المياه
الإقليمية السعودية .
هل حدث شيء غير ما كتبته ؟.
كل القضية من يوم أن عرفنا
بها وإلى لحظة كتابتي لهذه السطور ، تحرير مصطلحها لا يتجاوز " إعادة ترسيم
الحدود ".
ولذا فليس هناك أخطر من
الكلام المرسل عن قيام النظام الحاكم في مصر بـ " التنازل عن الجزيرتين
".
الذي يقول بأن ما حدث هو
تنازل يلزمه لكي نصدقه أن يظهر لنا وثيقة التنازل ، فإن لم يظهرها فكلامه والعدم
سواء .
بعضهم يتحدث عن
" بيع الجزيرتين " .
والمعروف المجمع عليه عقلًا
أن كل بيع له أركان ، منها البائع والمشتري والمباع والعقد والثمن .
فأين كل ذلك ؟ .
ثم لو افترضنا افتراضًا أن ما
حدث هو تنازل أو بيع ، فالأمران باطلان ويلزمان من قام بهما ولا نتحمل نحن من
وزرهما شيئًا .
إن الحديث عن تسليم الجزيرتين أو التنازل عنهما
أو بيعهما أو حتى تأجيرهما للملكة السعودية ، هو
كلام شديد الخطورة وخطير الكذب ، لماذا ؟
لأنه ببساطة لم يحدث ، ولأنه
على صعيد آخر يدعو لو تلميحًا إلى أن ننفض أيدينا من القضية برمتها ، فماذا بعد
البيع أو التنازل أو التسليم ؟.
إننا بالحديث عن البيع
ومشتقاته نقرر واقعًا لم يقع أصلًا لأن أحدًا أي أحد لا يستطيع القيام به .
لا رئيس الجمهورية ولا رئيس
الوزراء ولا أيًا كان يستطيع قانونيًا بيع ما لا يملكه ، كما لا يستطيع التنازل
عنه ، كل ما يستطيعه المسئول هو أن يزعم
ملكية الجزيرتين لفلان أو علان .
ودورنا أن نبحث في مصداقية
هذا الزعم ، نصدقه ونسلم بصحته أو نرفضه ونقول : إنه لا يَلزمنا في شيء ولا
يُلزمنا بشيء .
إن الحديث المكرر
المتهافت عن البيع والتنازل هو حديث لا
يسنده دليل ولا يقوم على منطق ، ما حدث هو إعادة ترسيم حدود ومزاعم تقول بها
الحكومة المصرية والرئيس المصري وبعض الإعلام المصري حول أحقية السعودية في
الجزيرتين.
الآن يجب أن نتحرك وفق تحرير
المصطلح ، فنحن نرفض الترسيم الذي جري بليل وبعيدًا عن عيوننا وقد باغتونا به .
نصعّد رفضنا للترسيم ، ونذهب
إلى كل جهة مسئولة ومختصة ، نخاطب
البرلمان ، نحتكم إلى استفتاء شعبنا ، هناك ألف طريقة وطريقة لمواجهة هذه
القضية التي اخترعها النظام الحاكم غير ملتفت لخطورتها فأدت ـ حسب اعتراف الرئيس
نفسه ـ إلى حدوث شرخ في المجتمع المصري .
إن لم نحرر المصطلح فسيتسع
الشرخ وسنخسر جميعًا ، فلندافع عن جزيرتينا وفق ما حدث ، وكل ما حدث ما هو إلا
مجرد إعادة ترسيم نحن نرفضه .
أعرف كما يعرف غيري أن النظام
الحاكم الآن في مصر قد غرته الدنيا فظن أنه سيطاع مهما شطح وسيسمع له مهما قال
فذهب بعيدًا في الاستئثار بالقرارات الخطيرة والمهمة ، لم يعرض أمر الترسيم على أهل الاختصاص المنصفين ، ولم يمهد طريقه إلى قلوب الشعب ، بل
قرر فجأة أنه قد فعل كذا وكذا وما علينا إلا السمع والطاعة ، فحدث الشرخ وتباينت
المواقف وبدأت الناس في اللجؤ إلى الشوارع لكي يسمع الحاكم صوت اعتراضها على قراره
بل ورفضها له .
كل ذلك معروف ومن المؤسف أن
الوقائع التي على الأرض تشير إلى تمسك كل فريق برأيه واستعداده للذهاب إلى حافة
الهاوية .
نحن نرفض الترسيم الذى لم نكن
من شهوده والنظام يؤمن أن ما حدث قد حدث ويجب ألا نتوقف عنده وإلا كنا من أهل الشر
والفتن والمتربصين ببلادهم .
فإذا كان الحال كما ترى من
عناد واستكبار وغطرسة ، فلماذا نصعبها على أنفسنا وننشر اليأس فوق رؤؤسنا ، ونقول
: كذبًا أو يأسًا أن البيع قد تم .
يا خلق الله أقسم بالله : إن
عودًا لم يبع أرضه لأنه لا يمتلكها حتى يبيعها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
هامش
لا يكون البيع صحيحاً حتى
تتوفر فيه سبعة شروط متى فقد شرط منها صار البيع باطلا :
1- التراضي بين المتبايعين .
2- أن يكون العاقد جائز
التصرف .
3- أن تكون العين مباحة النفع
من غير حاجة .
4- أن يكون البيع مِنْ مالك
أو مَنْ يقوم مقامه .
5- أن يكون المبيع مقدوراً
على تسليمه .
6- أن يكون المبيع معلوماً
برؤية أو وصف منضبط .
7- أن يكون الثمن معلوماً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت في جريدة المقال بتاريخ 21 ابريل 2016