ليس لغائب شهادة ، ولكن من حقه أن يقرأ الحدث وفق المعطيات التى على أرض الميدان
.
والمعطيات التى على أرض الميدان تقول : إن التحالف الشعبي الاشتراكي الذي يقوده
السياسي المحنك عبد الغفار شكر وينوب عنه السياسي مدحت الزاهد قد قرر في اجتماع عاجل
أن ينظم مسيرة بالورد تنطلق من ميدان حرب وتتجه إلي ميدان التحرير للاحتفال بالذكرى
الرابعة لثورة 25 يناير .
انطلقت المسيرة التى تضم ما لا يزيد بحال من الأحوال عن خمسين عضوا بالتحالف
بدون أن تحصل على موافقة الأمن وفق مواد قانون التظاهر التى تحتم على الجميع أن يحصلوا
على تصريح أمنى وإلا وقع تحت طائلة القانون .
وقد نتج عن تحرك المسيرة قيام الأمن بمحاولة لتفريقها ، وقد أدت محاولة الأمن
إلي مقتل السيدة شيماء الصباغ بطلق خرطوس ، وفق تأكيدات الطب الشرعي .
وهنا كانت العلامة الأولي من علامات الفوضي ، لقد دافع التحالف عن نفسه بأنه
لم يكن ينظم مظاهرة حتي يحصل على ترخيص أمنى !!
هذا التلاعب لم يعد يفيد أحدًا ، بل هو الضرر في أكثر صوره قبحًا ، ما الفرق
بين المسيرة والمظاهرة ؟
أليس وجود " بانر" يحمل اسم التحالف يعد إعلانًا لكل ذي عينين أن
الأمر هو أمر تظاهر ؟
لماذا لم يفوت التحالف الفرصة على المتربصين بحرية الناس ويحصل على ترخيص ؟
متى سنلتزم بقواعد السياسية ونكف عن الخروج بصدور عارية لمواجهة العدو ؟
علامة الفوضي الثانية تخص الأمن الذى هو مسؤول أولًا وقبل أى شيء آخر عن حماية أرواح الشعب ، هذا الأمن يتصرف بطريقة
" بركة يا باب الجامع " وكأنه يتمني حدوث أدنى درجات المخالفة لكي يشتبك
!!
ثم يتجاهل كل قواعد الفض السلمي للمظاهرات أو المسيرات أو التجمعات ، ويلجأ
أول ما يلجأ إلي إطلاق الغاز الذى يؤدى بدوره إلي إثارة الهرج والمرج ، وفي ظل الهرج
والمرج يصبح البحث عن الحقيقة ضربًا من العبث .
لولا الفوضي لحاصر الأمن المسيرة حصارًا هادئًا حتى تتفرق بدون حدوث اشتباك
يؤدى إلي القتل .
لولا الفوضي التي سمحت لمجرمين بمغادرة الحبس ، ماكان للأمن أن يستهتر كل هذا
الاستهتار بأرواح الأبرياء .
وبعد أن انتهى يوم السبت إلي ما انتهي إليه جاء يوم الأحد ليسجل الرقم القياسي
في الفوضي التى شملت كل شيء .
حدثت اشتباكات في أكثر من منطقة بعموم البلاد ، كان أسخنها وأكثرها دموية تلك
الاشتباكات التي جرت بين الأمن وبين سكان منطقة المطرية والتى أسفرت عن سقوط أحد عشر
قتيلًا وفق التصريحات الرسمية .
كأن كل هذا الوطن ليس به رجل رشيد وأحد يأمر بحصار التجمعات بطريقة سلمية قبل
أن يستفحل أمرها وتتحول إلي اعتصامات لا يمكن تفريقها إلا بالقوة ، ثم تبدو الفوضي
في أبرز صورها عندما نعرف أن أربعة من القتلي هم من المواطنين المسيحيين الذين لا يمكن
أن يكون منتمين لجماعة الإخوان ، وهى الجماعة التى تقود الاشتباكات وتحرص وتحرض عليها
، إذن كان هناك قتل عشوائي ، وأصبح الأمر خارجًا عن دائرة صراع جماعة الإخوان مع الأمن
.
لقد سقط يوم الأحد أكثر من عشرين قتيلًا من كل الأطراف ، لا نعرف من الذي قتلهم
، ويقيني أننا لن نعرف إلا إذا قرر الوطن نفسه بكافة مؤسساته ان يعلن الحرب الجادة
والحقيقية على الفوضي التى ستأكل الأخضر واليابس ما لم ننتبه لخطورتها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة التحرير في 28 يناير 2015