سنحتّ فرص الذيوع والانتشار أمام الأستاذ أحمد عامر، معلم فن تجويد القرآن (نشهد له بأنه انتهزها جميعا) فقد تبنته أولا جريدة «الأسبوع» فى بدايات صدورها، ولم يكن بها إخوانى واحد، ووهبته مساحة يتقاتل عليها الكُتّاب المحترفون، ثم كتب عنه أكثر من يسارى مادحا محاولته إحياء مدرسة التلاوة المصرية، ثم تلقفته فضائية «دريم» وأفردت له برنامجا كان يذاع لسنوات عديدة فى ساعات المشاهدة المتميزة. كل هذا والرجل يطل علينا بوجهٍ بشوش يعلمنا فن التجويد فى رفق ثم ينصرف كل منا لشأنه، لم نعرف عنه قط أى انتماء لأيديولوجيا ولا تنطعا فى الدين، ثم حانت ساعة الحقيقة، ساعة أن التقى الجمعان، الشعب المصرى فى مواجهة عصابة حسن البنا، ساعتها نزع عامر عن وجهه قناع البشاشة واللطف وصعد منصة رابعة صارخا: «لا إله إلا الله، محمد رسول الله، دافعوا عن إسلامكم» ثم قال كلاما كثيرا ملخصه أن خالعى مرسى لا يريدون خلعه فحسب، بل يريدون إخراج الإسلام من مصر!
لماذا يكذب الرجل ويجعل خلع مرسى خلعا للإسلام؟ ألم يراجع نفسه لحظة ليكتشف أن الذين أتاحوا له الشهرة والمال هم جماعة من المسلمين؟
بأى دين يبيح لنفسه الدفاع عن عصابة مجرمة، هو لا ينتمى إليها تنظميا؟
هل الدودة حقا فى أصل الشجرة، كما قال صلاح عبد الصبور؟
هل كل الانتماء ولو بالتعاطف مع عصابة البنا يجعل المرء كذابا لوجه الكذب؟
ثم إذا تركنا الدكتور عامر يواصل صرخاته فى إشارة رابعة سنجد أنفسنا نقرأ للدكتور ناجح إبراهيم «المصرى اليوم 24 أغسطس الحالى» مقالا طويلا عريضا يخبرنا فى مقدمته أن فترة سجنه قد تبحر فى قراءة التاريخ القديم والحديث والمعاصر، وأن قراءاته قد هدته إلى سؤال عويص وهو: «لماذا كلما تصارع أهل الدعوة والدين على السلطة مع أهل السياسة والحرب.. انتصر أهل السياسة والحرب».
ثم بعد سؤاله الذى شغله لسنوات يمطرنا الدكتور ناجح الذى قال إنه تاب عن القتل بأمثلة عن انتصار أهل السياسة على أهل الدعوة، من انتصار معاوية على الحسن وانتصار الحجاج على عبد الله بن الزبير وصولا إلى انتصار يزيد بن معاوية على الحسين!
ثم بعد الدوران حول محور التاريخ الإنسانى يقول ناجح إبراهيم نصا: «ولا أدرى هل ما زال التاريخ يكرر نفسه حتى الآن أم ماذا؟ فكلما وصل أهل الدعوة والدين إلى السلطة أزيحوا عنها قهرا وقسرا.. وكلما اقتربوا من الوصول إليها بعدت عنهم أكثر.. لقد حارب العلويون أهل الدين والدعوة ملوك الأمويين قرابة مئة عام على الحكم.. فقتل معظمهم وأسر بعضهم ونكل بهم دون جدوى. لقد تفكرت فى هذا الأمر منذ قرابة 15 سنة.. وها أنا ذا أعيد التفكير فيه مرات ومرات.. فهل حقا يعيد الزمان نفسه.. يبدو أنه يفعل ذلك مرات ومرات».
ما الرسالة التى يريد ناجح إرسالها لقارئ مقاله؟
أظنها واضحة جدا، جماعة الإخوان هى جماعة الدين والدعوة تنهزم شأن كل أهل الدين والدعوة أمام جماعة السياسة والحرب!!
كان ناجح حتى سنوات قريبة قاتلا ومقاتلا فى صفوف جماعة إرهابية تُعرف إعلاميا باسم (الجماعة الإسلامية) وكانت جماعة الأخ ناجح قد خدعتنا وأوحت إلينا بأنها على عداء ظاهر مع عصابة حسن البنا، ولكن حين جد الجد وحانت ساعة الفرز رأينا أئمة جماعته عاصم عبد الماجد والزمر وغيرهما يصعدون منصة رابعة وينتصرون لعصابة البنا، بل ويقتلون لحسابها، ثم ها هو الأخ ناجح يلوى عنق التاريخ، بل والجغرافيا ليخبرنا بأن عصابة البنا هم أهل الدعوة والدين الذين وصلوا إلى السلطة وتمت إزاحتهم عنها قهرا وقسرا.
لم يكتب الرجل كلمة واحدة فى مقاله عن فشل أهل دينه وأهل دعوته، ولم يذكر شيئا عن غطرستهم وفسادهم، لم يشر مجرد إشارة إلى رعونتهم وتهديده الدائم بحرق البلد إن لم تخضع لحكمهم.
من الواضح أن العيب ليس عيب عامر وناجح، بل العيب هو عيبنا نحن الذين كنا نظن أن الماء العكر ربما يصفو فى يوم من الأيام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة التحرير 29 أغسطس 2013
لينك المقال بموقع التحرير: