عندما ولد محمود فهمى عبد الرازق
هويدى (نعرفه باسم فهمى هويدى) كانت جماعة الشر (نعرفها باسم جمعة الإخوان) قد مضى
على تأسيسها أكثر من عشر سنوات، إذن عاصر الرجل صبا الجماعة وشبابها وفتوتها ثم هزيمتها
المذلة فى يوم الشعب الخالد (الثلاثون من يونيو
من عامنا هذا 2013).
وقد أجمع الذين أهتموا بحياة الرجل
على أنه ولد لأسرة إخوانية ووصفوا أباه بالقيادى الإخوانى التى جرى اعتقاله كثيرا فى عهود مضت.
تلك النقطة تبدو محورية فى قراءة
شخص وفكر السيد فهمى هويدى، الذى تصدق فيه
مقولة: "إن المرء يشيب على ما شب عليه".
كان الرجل وللحق ذكيا (أو يعرف
من أين تؤكل الكتف) ولذا لم يتورط فى زمن الناصرية فى التشيع العلنى لفكر الجماعة بل
ذهب إلى أحد مقاوميها الكبار، رأى الرجل المدرب على الطعام الطيب أن يستظل بمظلة الاستاذ
محمد حسنين هيكل الأهرامية (ومن كانت الأهرام الهيكلية ظهره فلن يُضرب على بطنه) عاش
فهمى فى كنف هيكل ليؤسس لبدايات أسطورة الكاتب الإسلامى المعتدل الذى يتتلمذ على يد الكاتب الكبير القومى الوحدوى!!
ومن تحت جناح الأستاذ هيكل ذهب
إلى جناح ظليل حنون ناعم طيب نقى، ذهب مباشرة إلى الراحل الكريم أحمد بهاء الدين الذى
مهد له السبل لكى يصل إلى مرتبة مدير تحرير مجلة العربى الكويتية (متمتعا ببرد تهامة
ومالها بعيدا عن حر نجد وفقرها).
هنا تم للرجل تأسيس الأسطورة التى
للحق سيكابد من أجل اتمام بنيانها.
قرأ كثيرا وكتب كثيرا وسافر كثيرا
(ببركة مال العربى الكويتية) وعندما استوت سفينته على الجودى بدأ يقصف العقل المصرى
العربى بمهارة قل نظيرها.
من خلال أسفاره المتعددة عمل الرجل
على توطيد مكانته بين أقرانه فى الوطن العربى والعالم الإسلامى، فأطلق عليه بعضهم لقب
المفكر الإسلامى، كان اللقب أيامها مغريا وجديدا ولكنه لأنه رجل الخطوة خطوة لم يتورط
فى الترحيب باللقب الطازج، بل أذكر له أنه مرة استنكره، وأما وقد افتضح أمره لدينا
فنحن نقول الآن إن استنكاره لقب المفكر الإسلامى
كان من ذلك الباب الذى تستنكر فيه الحسناء وصف أحدهم لها بالحسن، ربما لأن حسنها يعجبها
ولا تريد دليلا إضافيا عليه، وربما لأنها تطمع
فيما هو فوق الإشارة العابرة.
ترويجه لحكم الملالى
بدأ الرجل قصفه للعقل والوجدان
المصرى ومن ثمّ العربى بكتابه (إيران من الداخل)، فى زمن نشر الكتاب 1988 كانت إيران
من المحرمات فى (الذهنية الحاكمة فى مصر) عمد الرجل إلى تحلية تجربة حكم الملالى فى
إيران ولم يناقش جوهرها الفاشى ولم يفضح قلبها المستبد باسم الدين والمحتكر للحديث
باسم الله، تقرأ الكتاب فتأخذك الدهشة من جبروت النصر الإيرانى على العدو!!
أى عدو وأى نصر؟ لا يفصح الرجل.
نعرف الآن أنه كان النصر على الثوار الحقيقيين الذين سرقت جماعة الخومينى ثورتهم على الشاه محمد على رضا بهلوى،
وهو الأمر الذى حاولته جماعة الشر التى ينتمى إليها فكر الرجل مع ثورتنا على نظام حكم
مبارك.
تجربته فى الترويج لبضاعة حكم
الملالى جلبت له نقيضين كان راضيا بهما النقيض الأول: جلبت له مزيدا من هالة الأسطورة
فها هو كاتب مصرى عربى سنى يتعاطى بتعاطف واشفاق بل بتشجيع ومساندة مع تجربة حكم تتطرف
فى تشيعها شيعية وتزعم أنها تنحدر من نبع آل
البيت النبوى الشريف.
النقيض الثانى: جلبت له تجربته
الإيرانية القيل والقال حول حدود ما هو صحفى وما هو استخباراتى، نعم قال بذلك البعض،
بل إنهم ذهبوا إلى ضرورة تقصى حقائق صفقات كان رجلنا عرابها، ظل هذا االاتهام ثرثرة
على المقاهى بلا دليل يؤيده، ولكنه أفلح (أى هذا الاتهام) فى جلب مزيد من الشهرة للرجل
الأسطورة.
ومن إيران الفارسية التى يزعم
حكامها إنهم من صفوة شيعة آل البيت إلى تركيا السنية العثمانية التى حاربت طويلا وكثيرا الدولة الصفوية
الفارسية.
كم مدح الرجل تجربة حكم رجب طيب
أردوخان؟
كم هلل لها؟
كم زيارة قام بها لتركيا ثم عاد
ليقصفنا بالعدل التركى والتقدم التركى والإسلام التركى، وكأن هذا الرجب لا يعتقل أكثر
من ألف زميل صحفى، وكأن طائرات هذا الرجب لا تغير يوم عيد الفطر على مواطنيها من الأكراد.
كيف يتنقل هذا الرجل بهذا اليسر
بين كل تلك المتناقضات؟
الله أعلى وأعلم .
لعبة الداخل
فى زمن رجل البلاستيك (نعرفه باسم
محمد حسنى مبارك) كان الرجل يكتب كغيره لم يكن أعمق من غيره ولم يكن أشجع من غيره،
فقط كان أذكى من غيره (هذا إن قبلنا أن يكون الخداع نوعا من الذكاء)، كانت إدارة رجل
البلاستيك ترتعش لأدنى معارضة خاصة فى منبر صاحب شهرة ومكانة مثل الأهرام، أستغل رجلنا
هذه الارتعاشة فعمد إلى نوع من الكتابة يتماس مع مشاكل حقيقة تعانيها البلاد، لم نقرأ
له يوما هدما فى قلب النظام، لم نقرأ له يوما تبشيرا بسقوطه، لم نقرأ له يوما تأكيدا
على انحلاله، فقط كنا نقرأ له ما هو شائع من مشاكل بداية من تردى التعليم ونهاية بمشاكل
البطالة، لم يذهب يوما إلى عمق الكارثة التى
حاصرنا بها نظام حكم رجل البلاستيك.
ولقد قبلنا منه ذلك بحكم المثل
الشعبى القائل: "الأعور بين العميان عمدة".
ففى قلب التزييف الذى شهده حكم
رجل البلاستيك كانت أدنى معارضة تفرح قلوبنا خاصة لو جاءت من كاتب له صيت وشهرة.
كانت بعض مقالاته تمنع من النشر
فى الأهرام فتتلقفها جرائد هى خصم تاريخى لمشروع فهمى هويدى (مثل العربى الناصرية)
وكان هو يعجب بتنوع مصارد نشره وتناقضها لكى يحكم بناء اسطورته التى أطعمها بكتابين
له شهيرين، هما (مواطنون لا ذميون) وهو كتاب موجه للداخل حرص فيه على انصاف المواطنيين
غير المسلمين كما حرص فيه على تبنى خطاب يحق الحق ويبطل الباطل (أين ذلك مما جرى لغير
المسلمين تحت حكم جماعته؟).
أما الكتاب الثانى فكان (طالبان..
جند الله فى المعركة الغلط) حمل فيه حملة شعواء على حركة طالبان وفضح فيه تشددها الذى
لا يستند إلى أى دليل دينى، بل كتب مرة مقالا حكى فيه أن وزيرا من طالبان زاره فى بيته
بالقاهرة وعندما حانت الصلاة أعتذر معالى الوزير الطالبانى عن تأدية الصلاة فى جماعة
مع رجلنا، ثم بعد قليل خرج معالى الوزير إلى حديقة المنزل وصلى منفردا !!
وعندما عاتبه الرجل قال الوزير:
"لا أستطيع الصلاة فى غرفة بها أوثان" وكان يشير إلى تماثيل صغيرة من تلك
التى نزين بها غرف مكاتبنا.
الآن نسأل: "هل لو كانت طالبان
فرعا من جماعة الشر الإخوانية كان السيد فهمى سيفضح تشددها؟".
ثم جاءت الحقيقة
كان صبر أحرار مصرعلى بلاء رجل
البلاستيك قد نفد، فغادروا بيوتهم وهبطوا ميادين
التحرير عاقدين العزم على إزاحة رجل البلاستيك وكامل نظامه من المشهد كله على كافة
تنوعاته، أيامها أحسب أن السيد هويدى قد تشمم رائحة الأمر وعرف أن جماعته سيكون لها
نصيب الأسد من المغانم مع دفع أقل قدر ممكن من المغارم، فأعلن عن مساندته لثورة الأحرار،
حتى إذ تم الأمر عاد لطينته الأولى مساندا لجماعته بالحق وبالباطل وقد ظهر ذلك جليا
فى زمن اختلاف الأحرار مع القادة العسكريين الذين حكموا البلاد مناصفة مع جماعته، كان
السيد هويدى يناصر دائما أى إجراء يتخده العسكريون ضد الأحرار لأنه يعلم بأن الربح
قادم لحجر جماعته، أيامها نسى ما سطرته يمينه فى كتابه (مواطنون لا ذميون) فلم يشن
حربه المعتادة على الذين قطعوا أذن مسيحى مصرى، ولم يخاصم الذين طردوا المسيحيين من
بيوتهم، كان يراوغ كعادته محتميا بغلالة كلمات فضفاضة بينما الكنيسة الكبرى لدى المسيحيين
تتعرض لهجوم وحشى تزهق فيه أرواح (مواطنون لا ذميون).
وعندما انقسم ميدان التحرير بين
شركاء الأمس ذهب يناصر جماعته حتى أنه كتب يوما عن مليونية كانت ضد قمع العسكريين للأحرار
يصف المشهد بقوله: "لم يكن بالميدان أكثر من ثلاثة آلاف متظاهر !!!!!!!!).
وعندما سقطت التفاحة فى حجر مرساه،
سانده بلا حدود محتميا بأسطورة الرجل الحكيم المنصف، وكان أحيانا يراوغ كعادته من باب
ذر الرماد فى الأعين فيعيب على مرساه الصلاة الجامعة على سجادة منفردة !!!!!!
وكان أحيانا يحافظ على شعرة معاوية
بينه وبين الذين يطالعون مقالاته فيقول إنه نصح المرسى كثيرا ولكن لم يستمع لنصائحه.
حتى جاء يومنا الخالد، الثلاثين
من يونيو فأسقط فى يده وضاقت عليه الأرض بما رحبت، هو لا يستطيع تأييد الأحرار المصريين
كما لا يستطيع التخلى عن أفيونه فلجأ إلى التشكيك فى عدد الذين غادروا بيوتهم وهبطوا
ميادين التحرير وشوارع الوطن منادين برحيل مرساه، وكتب جازما متقمصا شخصية الموقع الشهير
(جوجل إيرث) إن عدد المتظاهرين لم يكن أكثر من مليون متظاهر لا يمثلون شيئا يذكر قياسا
على عدد الشعب.
ثم راح يرطن بكلام تحسبه عربى
بينما هو من هوى الإخوان عن الفرق بين الانقلاب والثورة .
وما يزال الرجل يرطن متخفيا بمصداقية كانت صرحا من خيال وقصرا من رمال.. يرحمنا
ويرحمه الله من هوى القلوب وأكاذيب النفس الأمارة بالسوء، اللهم آمين.
___________________________
نشرت بجريدة أخبار الأدب 28 يوليو
2013
لينك المقال بموقع أخبار الأدب:
http://www.dar.akhbarelyom.com/issuse/detailze.asp?mag=a&akhbarelyom&field=news&id=6949#.UfU8QZoA7pM.facebook