قبل ثورة 25 يناير كنت مبعثرا فى الشوارع ، أبدا لم أشاهد الشرطة فى مواقف ميكروباصات (عبد المنعم رياض، فيصل، عبود، شبرا، مدينة نصر، الشيخ زايد،
المعادى، البساتين، دار السلام، الجيزة، العمرانية، أكتوبر و...) أبدا لم أشاهدها فى حمى أية مشاجرة، أبدا لم أشاهدها تحضر مسرعة أثناء نشوب أى حريق، للحق كانت الشرطة ولا تزال حاضرة وبقوة فى مجال قمع الحريات وفض المظاهرات.
متى كانت الشرطة موجودة ومنفذة للقانون وحامية للمواطن حتى نبكي غيابها أو تغيبها بدم القلب ودموع العين؟
الشرطة يا خلق الله غائبة مذ كانت، هى لا تتحرك إلا عندما يمس أحد عقيدتها، وعقيدة الشرطة مكونة من جملة واحدة وهى «الشرطة فى خدمة نظام الحكم» أيا كان هذا النظام، ملكى مستبد أو ملكى يتمحك فى الدستورية أو جمهورى جبار كما حال جمهورية عبد الناصر أو جمهورى حرباء كما حال جمهورية السادات أو جمهورى لص قاتل مجرم كما حال جمهورية المخلوع، تأكيدا لتعميم خطأ قاتل ولكنها عقيدة الشرطة فى مجملها.
من هنا بدأ الفتق الذى يستعصى على الراتق ، نحن الشعب فى بلد وشرطتنا فى بلد آخر ، هم يحمون النظام ونحن نحاول هدمه ولذا يعاقبوننا بإطلاق بلطجيتهم الذين تربوا على أيديهم. إن مشاعر الشرطة المصرية تجاه المصريين الثوار منهم خاصة هى كمشاعر الجيش المصرى تجاه الكيان الصهيونى غداة يوم خمسة يونيو 1967، عداء مطلق وشعور بالذل والهوان، ولم يغادر الجيش مشاعر الهوان حتى ضرب ضربته يوم العاشر من رمضان عندما اقتحم ببسالة وبراعة قناة السويس وحطم خط بارليف.
هذه المشاعر الحاكمة لتصرفات الشرطة وسلوكها تجاه الثورة والثوار لا تبشر بأى خير، الشرطة انهار نظامها القديم وهى لا تريد التسليم بهذا الانهيار وهى تسعى صباح كل يوم لاستعادة الأرض التى فقدتها ولذا فهى لا تعترف بالثورة وطبعا لا تحبها وتأكيدا لن تدعم نجاحها بل تحاول بكل قوة «تكريه» الجماهير فى الثورة.
الكرة الآن فى ملعب الشعب، وله وحده حق الاختيار، هل يريد شرطة قامعة تحمى النظام أيا كان ، أم يريد شرطة تحمى المواطن وتنفذ القانون وتلتزم بمواثيق حقوق الإنسان. إن اختار الشعب الأولى فليس له التباكى على حقوقه المهدرة. وإن كان اختياره لصالح الشرطة الحامية للمواطن، فعليه أن يدفع ثمن إعادة بناء وزارة الداخلية كاملا، لأن الغيلان المتنفذين لن يستسلموا بسهولة ولن يمكثوا فى بيوتهم بمحض إرادتهم.
ظنى أن الشعب جاهز لدفع ثمن بناء وزارة جديدة مثلما سبق له أن دفع ثمن بناء جيش العبور، وإلى أن يحدث هذا فلا داعى للبحث عن الشرطة فقد خرجت ولن تعود.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ