الجمعة، 18 سبتمبر 2009

تبرعوا لمليونير




صباح الثلاثاء الماضى تساءل الكاتب الأستاذ إبراهيم عيسى فى مقاله بالدستور عن حقيقة الأموال التى تدفعها الجهات والمؤسسات الخيرية للفضائيات مقابل الإعلان عن أنشطتها، وتساؤل عيسى وجد إجابة شافية فى مقال مزلزل نشرته «الشروق» صباح الأربعاء للكاتب الكبير الأستاذ وحيد حامد، الذى كشف عن حقائق مفزعة. قال الأستاذ وحيد إن المؤسسات التى تتلقى تبرعات المواطنين وتنفقها كما يفترض فى أوجه الخير المتعددة تقوم بإنفاق خمسة وثلاثين مليون جنيه على الإعلان عن أنشطتها فى الفضائيات.


ما كشفه مقال الأستاذ وحيد يجب أن يصبح حجر زاوية فى مناقشة ومن ثم محاسبة تلك الجهات، لأن قيامها بكل هذا الإنفاق على الدعاية يثبت أنها غنية جدا ولا تحتاج إلى تبرعات فقراء المواطنين الذين «تنكد» عليهم معيشتهم بصور الأطفال المرضى بأفتك الأمراض، نعم تجب محاسبة جمعيات الخير هذه لمعرفة حقيقة ميزانياتها فلو كانت تملك كل هذه الأموال لوجب إيقاف التبرع لها، ولو كانت تأخذ أموال المتبرعين وتنفقها على الدعاية فيجب الضرب على يدها بقوة لأنها ستكون فى تلك الحالة مخالفة لبنود التعاقد «الضمنى» أو العلنى المبرم بينها وبين المتبرع، لأن المتبرع عندما قدم ماله لهذه الجمعية أو تلك لم يكن يتصور أن جزءا كبيرا منها سيتم إنفاقه على أنشطة الدعاية، هذه الجمعيات تفرض بالابتزاز العاطفى سياسة «التبرع للمليونيرات» لأنها تطارد الناس بصور الأطفال المرضى فى نوع من «الشحاذة» يذكرنا بما كان يقوم به «زيطة» صانع العاهات فى رواية نجيب محفوظ. 

وعلى الناحية الأخرى هناك عشرات بل مئات الجمعيات والمؤسسات التى تقوم بعمل خارق فى رعاية ودعم الفقراء والمحتاجين ومع ذلك لا يسمع بها أحد ولا تقوم هى باستقطاع جزء مهم وفاعل من التبرعات للإعلان عن أنشطتها، إن ما يحدث الآن من تسابق على أعمال الدعاية سيؤدى إلى انصراف الناس عن هذه الجمعيات التى أدمنت الظهور فى الفضائيات، لأنه ليس من المعقول أن يتبرع الناس لجمعيات كل همها الإعلان عن نفسها وكأنها جاءت بما لم يأت به الأوائل.

الشفافية هى الحل الذى يرضى الجميع فى حالة كالتى نعيشها وعلى هذه الجمعيات أن تعلن بشكل صريح ومباشر عن ميزانياتها وأن تذكر بكل صراحة أوجه إنفاق الأموال التى تتلقاها كما عليها أن تكف عن هذه الحملات الإعلانية المزعجة حتى ولو كان هناك من يتحمل تكاليفها.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



الجمعة، 11 سبتمبر 2009

العملية (دينا)




حصل «إياد» على ماجستير فى هندسة الكمبيوتر ثم نظر حوله فلم يجد شيئا قد تغير، يومها قال لنفسه: «بعد الآن لن أسقط لأنى فى القاع»، ظل إياد فى القاع لكنه لم يغفل قط عن معشوقاته «كرة القدم» و«شاشة الكمبيوتر» و«الراقصة دينا». مع مبارايات الكرة كان جسده ينتفض ليفسح المكان لدم جديد طازج يتدفق من قلب شاب، للحق لم يكن إياد أهلاويا ولا زملكاويا، لقد كان كرويا فحسب، إلا أنه مسايرة للمزاج العام كان يظهر كأنه أهلاوى، ومع شاشة الكمبيوتر كان ينسى كل مواجعه ويعيد هندسة العالم كما يريد. مع رقص دينا كانت كل خلية من جسده ترتعش فيدرك أنه مازال على قيد الحياة. 


عندما كاد اليأس يقضى عليه تعرف على لاعب كرة قدم ناشئ، عرف اللاعب أن إياد متمكن من «الجرافيك» فطلب منه ــ على سبيل الذكرى ــ أن يعد له أسطوانة تظهره فى براعة «ميسى» و«أبوتريكة» معا. صنع إياد الأسطوانة وقدمها لصديقه الجديد الذى قدمها بدوره لسمسار فى الدورى القبرصى الذى قدمها بدوره إلى رئيس أحد الأندية الذى بعد رؤيته للأسطوانة قال للسمسار وهو يغمز بعينه: «سنوقع مع لاعبك ثم سنتفق».

لاعبون كثيرون عرفوا طريقهم إلى إياد الذى ذاع صيته وأصبح «منّظرا كرويا»، فقال لنفسه: «إذا أقبلت باض الحمام على الوتد» وهذا ما كان وباض حمام الكرة فأصبح إياد من أكابر المسئولين عن الكرة المصرية وهى مسئولية عجيبة فلا أحد يعرف حقيقة وضعه كما أن أحدا لا يجهل مسئوليته عن انقاذ المنتخب كلما تعرض لواحدة من عثراته، نستطيع اختصارا أن نقول إنه كان يلعب دور «اللهو الخفى» فهو موجود وغائب فى الوقت نفسه. بعد تأزم موقف المنتخب فى التصفيات المؤهلة لكأس العالم حصل إياد ــ بحكم كونه اللهو الخفى ــ على المبلغ الأضخم فى حياته، فى عملية أطلق عليها اسم «دينا» من باب الوفاء لراقصته المفضلة. مصريون دفعوا له لكى يتفق مع لاعبى رواندا على الاستبسال أمام الجزائر فى مقابلتهما المصيرية، جزائريون دفعوا له لكى يتفق مع لاعبى رواندا على «الاستهبال»، رواندانيون دفعوا له لكى يساوم المصريين والجزائريين ويحصل منهم على أعلى سعر مقابل الاستبسال أو الاستهبال!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجمعة، 4 سبتمبر 2009

(سرنجة) يا الله




فى حمى انتفاضة الأقصى، أطلق الصهاينة كعادتهم النار على أحد المصورين الصحفيين، سقط المصور على الأرض غارقا فى دمائه، وراح زميله يصرخ : «إسعاف يا ناس، إسعاف يا عالم، إسعاف يا رجال» ولما لم يجد مستجيبا عاد يصرخ متوجها بصراخه إلى الذى يجيب دعوة المضطر إذا دعاه. صرخ الرجل «إسعاف يا الله»!.




الموقف ذاته تعرضت له الأسبوع الماضى اثنتا عشرة سيدة مصرية، هن نظريا حرائر لا يعشن تحت الاحتلال الصهيونى، السيدات المصريات ذهبن إلى أحد مكاتب الصحة لتطعيم أولادهن الذين لم يكن قد مضى على ولادتهن سوى أربعة أيام فقط تنفيذا لشروط التطعيم. مكتب الصحة الذى يؤدى تلك المهمة الجليلة يجب تسميته بـ«مكتب الموت أو المرض»، فليس للمكتب علاقة بالصحة سوى اللافتة التى تزين مدخله المتهالك، بعيدا عن الزحام الخانق وعدم وجود مقاعد تجلس عليها الأمهات المرهقات قامت مسئولة بالمكتب وصرخت فى وجوه الجمع المحتشد: «بقولكم إيه يا ستات إحنا ما عندناش سرنجات.. واللى عايزه تطعم ابنها تتصرف».

جن جنون الأمهات اللاتى لم يتعافين بعد من متاعب الولادة وقلن فى صوت واحد للمسئولة: «كيف يكون هذا المكان مكتبا للصحة ولا توجد به سرنجات»؟

راح الكلام وجاء واحتدت الأصوات ثم هدأت وعلت المناقشات حتى كادت تتحول إلى مشاجرات، ولكن كل ذلك لم يغير من الأمر شيئا، فالسيدة المسئولة تطالب الأمهات بالتصرف، والأمهات يمطرن المسئولة بوابل من الأسئلة «الوجودية» العويصة التى تدور حول حق الرعاية الطبية والتأمين الصحى والحكومة التى تترك أبناء شعبها عرضة للإصابة بكل الأمراض. المسئولة، من ناحيتها تأكد لها أنها أمام مجموعة من الحالمات يبحثن عن الحكومة ودورها، ولذا ردت على أسئلة الأمهات بأن مصمصت شفتيها وهى تقول: «حِكَم». أمام تبلد مسئولى المكتب راحت الأمهات يصرخن «سرنجة يا دكاترة.. سرنجة يا حكومة» وقبل أن يصرخن كما الفلسطينى: «سرنجة يا الله».

كان ابن بلد من المترددين على المكتب قد قام لوجه الله بشراء عشرين سرنجة من ماله الخاص ووزعها على الأمهات لكى تتم عملية التطعيم، ولم يلتفت أحد لإحدى الأمهات وهى تسأل نفسها بصوت خافت: «إذا كانوا مش قادرين يعملوا مصنع سرنجات أمال هيعملوا النووى اللى بيقولوا عليه إزاى»؟ 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ