الثلاثاء، 28 نوفمبر 2000

الشيخ خليل عبدالكريم: أحدث كتبى عن الفرق بين قرآن الصحابة ومصحف عثمان





أحدهم سألني: هو الشيخ خليل عبدالكريم شيخ في إيه بالضبط؟ هل أقول إن هذا السؤال كان أحد الدوافع وراء إجراء هذه المقابلة مع الشيخ خليل عبدالكريم، أعني محاولة اكتشاف منابعه الفكرية وتوجهات مواقفه، وبعد فإن الرجل واحد من أولئك الذين يوجدون حيث يجب أن يوجدوا، فهو لا يغيب أبدًا عن معركة يجب عليه أن يكون شاهدًا عليها ومعقبًا على أحداثها وأحيانًا طرفًا فاعلاً ومهمًا من أطرافها. وأنا بداية أحب أن أسجل أنني ذهبت للرجل وأنا بين بين فلا أنا معه على طول الخط ولا أنا ضده وربما كان موقفي هذا منه هو الذي يجلب أحيانًا مزيدًا من المؤيدين ومزيدًا من المعارضين ولكنه يجلب له دائمًا مزيدًا من المشاكل.


·
ترى ما هي الظروف الفكرية التي طوحت بك من "الإخوان" إلى "التجمع"؟
ــ ولدت في أسوان وهي بلد يتميز بـ "السنية" الشديدة ولذلك لا تجد مثلاً توجدًا مؤثرًا للطرق الصوفية كما لا تجد في أسوان "شيخًا مشهورًا" مثل عبد الرحيم القنائي في قنا، إذن أسوان بلد من بلاد السنة، الناس فيها سواسية، وهذه النشأة أعطتني اتجاهًا اشتراكيًا منذ بداياتي الأولى، وهذا كان في بداية الأربعينيات وكانت جماعة الإخوان في بداية تأسيسها تسعى لخدمة المجتمع والبيئة ولم تكن قد اتخذت بعد اتجاهًا سياسيًا فلم نكن نسمع أيامها عن "الميليشيات" العسكرية، فانضممت للإخوان من منطلق توجهي الاشتراكي، وبعد حصولي على شهادتي الجامعية التحقت بمكتب الشهيد عبدالقادر عودة وإبراهيم الطيب، وعودة تحديدًا أثر فيّ كثيرًا وكان رحمه الله رجلاً موسوعي المعرفة وما من كتيب وجده عندي إلا وكان له تعليق مهم حول موضوعه حتى تلك الكتب التي تناقش العلوم الحديثة. وفي عام 1954 دخلت السجن الحربي بسبب انتمائي للإخوان وهناك تعذبت عذابًا قلت معه إن الله لن يدخلني النار لأني سبق لي دخول السجن الحربي والله رحمن رحيم ولن يعذبني مرتين.
 ثم تم اعتقالي مرة ثانية في عام 1965 على "ذمة الإخوان" أيضًا وكان معي د. عبدالصبور شاهين والأستاذ مأمون الهضيبي، وبعد خروجي من المعتقل كان بانتظاري قرار "العزل السياسي" الذي استمر حتي ظهور "المنابر" في أواسط السبعينيات، وهذه المنابر تحولت إلى أحزاب سياسية وعندما قرأت برامجها وجدت برنامج حزب التجمع هو الأقرب إلى فكري الذي هو اشتراكي بالأساس، هذا وقد شجعني علي الالتحاق بعضوية التجمع وجود الشيخ مصطفى عاصي الذي أطلق عليه لقب أمير مؤمني التجمع، أما الكلام عن أن الحزب شيوعي وأحمر وإلى آخر هذه الألفاظ فكلام لا يستحق الرد عليه لأن الحزب يضم تيارات كثيرة الجميع يعلمها.

· إذن لم تكن هناك أي "مشقات" فكرية في انتقالك من الإخوان إلى التجمع؟


ــ إطلاقًا لم أجد في طريقي أي مشقة، بل وجدت في التجمع اتجاهًا فكريًا هو موجود عندي بالفعل قبل التحاقي بالتجمع بزمن طويل.· قرأت لك مرة مقابلة صحفية قلت فيها "اليسار من التيسير بدلالة قوله تعالى "سنيسرك لليسرى" وبعيدًا عن "غرابة" الاستشهاد بالآية القرآنية، هل مازال اليسار عندك من التيسير؟
ــ أرفض الإجابة بنعم أولاً، ولست مع الذين يقولون إنه يوجد يمين ويسار في الإسلام كما يروج لذلك "أصحاب الطرف الآخر من النهر" أولئك الذين أسميهم "الإسلاميين"، اليسار موجود منذ النشأة الأولى بقيادة علي بن أبي طالب، ومازلت أعتقد أن حرمان الإمام علي من الخلافة كان خطة مرسومة ولن أقول مؤامرة حتى لا يحاسبني أغنياء عصره ومنهم عبدالرحمن بن عوف الذي كان بلغة عصرنا مليارديرًا وعندما نستعرض الآيات والأحاديث سنجد انحيازًا تامًا للفقراء وعودوا وأقرأوا القرآن اليسر والتيسير على الفقراء لماذا؟، لأنك تعرف أن سمعة اليسار سيئة مقارنة باليمين الذين هم أهل الجنة. وأنا قصدت اليسار والتيسير من هذه الجهة ثم ازددت اقتناعًا بأن اليسار يعني التيسير على الطبقات المطحونة وهذا رأيي حتى الآن.

· هل يمكن تطبيق الشريعة الإسلامية الآن؟
ــ لابد أن نفرق بين الشريعة والفقه، وهناك تفرقة أخرى بين الشريعة والعقيدة، مسألة العقيدة لا مساومة فيها يعني شهادة أن لا إليه إلا الله، الإيمان بالله واليوم الآخر وأنبيائه وكتبه ورسله إلى آخره، هذه هي العقيدة، كذلك العبادات لا مساومة فيها، ولا تأتي بحجة التقدمية واليسارية والمستقبلية وجميع هذه المصطلحات، تقول إن رمضان هذا يعطل الإنتاج، أقول لا، أو مثلاً الحج نحن لا نستفيد منه وتستفيد منه فقط السعودية ــ هذا غير وارد، وآخر قد يقول لماذا لا نجعل الصلوات اثنتين فقط واحدة في الصباح والأخرى فى المساء، كل هذا مرفوض تماماً، أما إن كنت تقصد بالشريعة تطبيق الحدود فرأيي الذي كتبته كثيرًا أنها نصوص نزلت في مجتمع معين وخاطبت قوماً معينين وكان لازمًا أن تخاطبهم بأحوالهم وبلغتهم التي يفهمونها. هذه النصوص المختلطة بواقع الناس لو حاولت تطبيقها بحذافيرها سيحدث أمران، الأول إما أن أضيق علي المخاطبين بالنصوص وإما سوف ألف وأتحايل أو نتركها مثلما حدث في أوروبا التي أصبحت لا علاقة لها بالكنسية، لقد وضعوا الدين في الكنيسة وأصبحت الحياة والمعاملات لا علاقة لها بالدين وحتي أتفادى هذا المأزق لابد أن آخذ المعاني التي جاءت بها النصوص والقيم، مثلاً مسألة الحدود لو طبقتها فسيثور عليك العالم، من ناحية أخرى هذا الحد تم تفريغه من مضمونه فالآن يمكن بعملية جراحية بسيطة تركيب اليد مرة أخرى، ويمكن وضع بنج كلي فلا يشعر المقطوع بالألم.

· ولكنه على الأقل سيشعر بالتشويه؟
ــ لست معك في مسأل التشويه، فمع تقدم الطب ممكن تعود شبه طبيعية، الحد الثاني "حد القذف"، وهو كان مرتبطاً بمعتقدات المجتمع لأن النسب كان مسألة مهمة مثل البطاقة الشخصية التي أحملها أنا وأنت، فأنا مثلاً لا أستطيع معرفة غير جدي ولكنهم هناك موقفهم كان مختلفًا لأن الشك في النسب كان كارثة اجتماعية، لأن "الرواية" وليس الأوراق الرسمية هي التي كانت تحفظ النسب نفي النسب بالنسبة لهم كانت تمثل عملية قتل، أما اليوم فنفي النسب بكلمة "شتيمة" أمر ليس وارداً بحال من الأحوال، ثم إنك من المحيط إلى الخليج تمشي في الشوارع تسمع شتائم يا ابن كذا، ولو طبقت هذا الحد لحبست ثمانين في المائة من الشعب، ثم نأتي لمسألة الزنا التي تشترط وجود أربعة شهود، هذا الشرط مستحيل لو قلت اليوم لإخواننا الفقهاء الذين يعملون من أنفسهم سدنة، طيب ما نسجل بالصوت، أو الصوت والصورة بكاميرا أو جهاز تسجيل يقولون لا، لابد من أربعة شهود، إذن الحل أن نأخذ المعاني لإيجاد عقوبات بديلة.· وماذا تقول لواحد مثلي يؤمن بوجوب تطبيق النص كما أنزل ويؤمن بعالمية الدعوة وصلاحيتها لكل زمان ومكان؟
ـ هذه ألفاظ كبيرة .

· يا سيدي أنا لا أحدثك عن "ألفاظ كبيرة" أنا فقط أسأل ما الذي جعل هذه النصوص غير صالحة لكل زمان ومكان كما أعتقد؟
ــ هناك عشرات النصوص التي أصبحت لا تطبق علمًا بأنها لا تقل أهمية عن الأمثلة التي ذكرناها افتح أي كتاب من كتب الفقه تجد باب الرق ــ الآن لم يعد هناك رق ــ الغنائم ــ هل من الممكن أن تطبق الغنائم اليوم؟ .

نأتي لآية " وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ " الغرض منها ــ التأكد من استبراء الرحم لأن مسألة النسب مهمة، الآن الفرنجة الذين نقول عليهم كفرة اخترعوا جهازاً يعرف في خمس دقائق ما الذي يحمله الرحم فلماذا أنتظر ثلاثة أشهر؟ وكنت كتبت هذا الكلام مرة في جريدة "الأهالي" وأخي وصديقي مصطفي عاصي رد عليّ وشتمني وقال لي: أنت من الذين يشيعون الفاحشة، وسألته لماذا يا مولانا وأنا محامي وأعرف العناء الذي تقاسيه المطلقات في المحاكم ولا يجب أن نتمسك بالحرفية ولا أطالب بإلغاء العقاب حتي لا يصبح المجتمع فوضى .

هل تعلم من الذي شرع عقوبة قطع يد السارق؟ إنه الوليد بن المغيرة والد خالد بن الوليد سيف الله المسلول، وهذا الوليد كان من أثرياء مكة ومرابياً درجة أولى ومن ضمن نشاطه كان جزارًا، فكان عندما يسرق أحد عبيده يمارس فيه مهنته.
· أرى يا سيدي أنك تخلط بين الأحكام "الطلاق" والحدود "حد السرقة وغيره"؟
ــ ليس هناك خلط فكلها نزلت فيها نصوص.

· ما تفسير موقفك المضاد من تحرير أفغانستان؟
ــ لقد سافرت إلى أفغانستان وعندما رجعت كتبت أربع مقالات عما رأيته هناك، والدعاية التي كانت موجودة لصالح الأفغان، كان زائفة وغير صحيحة، ثم ثبت ما قلناه في أن هولاء المجاهدين أصحاب أغراض دنيوية والدليل على ذلك وحتى الآن وبعد خروج السوفييت مازالوا يتقاتلون، وبسبب ما كتبت كان أحد الشباب المحامين سيمسك بخناقي وزادت حدة الدعاية للمجاهدين الأفغان لدرجة أنى قرأت مرة أن شهداء أفغانستان أفضل من شهداء أحد، ومعلومة أخرى هي الإتجار بالمخدرات والحشيش وطالبان من أكبر مواردها الحشيش.

· ولكنك لم تقل إن هناك احتلالاً؟
ــ دائماً في كل بلد هناك أصحاب مصالح ضد الاشتراكية والعدالة الاجتماعية والحزب الاشتراكي هناك استعان بمن يساعده على تطبيق منهجه الاشتراكي وليس هناك من يقر شرعية احتلال بلد لبلد آخر وأري أنه ليس احتلالاً ولكن استعانة بصديق ليطبق منهجه ومثلاً فإن السعودية استعانت بالأمريكان لحماية الأماكن المقدسة ورأيت المجندات الأمريكان بالشورت في أسواق السعودية.

· شعور بعدم الاطمئنان كان يراودني وأنا أقرأ كتابك مجتمع يثرب خاصة عندما قلت إن آيات الزنا نزلت لشيوع هذه الفاحشة في المجتمع؟
ــ هذه الآيات تحديدًا نزلت لتحارب وضعًا قائمًا لو لم تكن هذه الظاهرة موجودة فلماذا تنزل الآيات وهذا المجتمع لم يكن بالمثالية التي يصورها "فريق الضفة الأخرى من النهر" المجتمع أيامها، لم يكن مثالياً حتى قوانين علم الاجتماع ترفض أن يكون هناك مجتمع له مئات السنين يتغير في عشر سنين فقط، مهما كانت قوة الداعية وقوة النصوص ولا تحدثنى عن الصفوة الذين يملكون الزواج والطلاق وملك اليمين.· أرجو أن نتوقف قليلاً عند هذه النقطة، أنا فهمت من كلامك في كتابك "مجتمع يثرب" ومن كلامك الآن أن مجتمع زمن النبي كان مثل مجتمعنا بل كان أفحش فهل فهمي صحيح؟
ــ أنا لا أعقد أي مقارنات بين مجتمعنا ومجتمع النبي.

· دعني أوضح فأقول إنني أعطي المجتمع النبوي مالاً يقل عن 85% من درجات الكمال البشري؟
ــ هذا رأيك ودرجاتك أما رأيي فهي أنه كان مجتمعًا مثل أي مجتمع آخر.

· أنت تقول إن آيات الزنا نزلت لتحارب أمرًا قائمًا لا لتحول دون قيامه وهذا التفسير برأيي متعسف جداً، فمثلاً القانون عندما جرم وحرم القتل صنع ذلك لكي لا يقتتل الناس لا لأنهم دائمًا يقتلون أنفسهم صباح مساء؟
ــ أنت مازلت متمسكًا بأن المجتمع كان مثاليًا فماذا أصنع لك؟· عفوًا لماذا أنت لست مطمئنًا لتفسيرك لهذه الجزئية؟
ــ نحن عندما نتمسك بالثوابت ــ نتمسك بالثوابت النصوصية أو الحرفية ــ وإذا لم يؤخذ بما أقول حاليًا سندفع ثمنًا غاليًا. وإذا أردنا لهذه النصوص أن تستمر فلابد أن يحدث التطور ولابد للعقليات التي تدعى حراسة الدين بهذه الطريقة أن تتطور. وقد قلت هذا الكلام في الأسبوع الثقافي لجامعة دمشق حول تجديد الدين الإسلامي وأنا قلت إنه لابد من تجديد العقليات المسيطرة الآن ومازلنا ندور في حلقة مفرغة، هل تستطيع أن تقول لي ما الذي حدث منذ أيام جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده لا شىء لأن كل هؤلاء مازالوا يقفون علي نفس الأرضية وذات العقلية وما لم تتغير هذه العقلية فلا فائدة إذا كان محمد عبده مات سنة 905 فمازالت نفس العقلية والأرضية مع احترامي الشديد لمحمد عبده وهذا ليس طعنًا فيه، وفي وقته قام بأعمال جليلة.

· هناك جماعة من المثقفين أعلنت بوضوح تخوفها من تحول الانتفاضة الفلسطينية إلى حرب دينية فهل أنت من المتخوفين؟
ــ أنا رجل عضو في حزب سياسي أرجع إليه في الأمور السياسية، ولذا لا إجابة عندي علي هذا السؤال لأنه سؤال سياسي.

· تمنيت لو قلت لشيخنا إننا قبل هذا السؤال لم نكن نتحدث عن "كرة القدم" ولكني كتمت اعتراضي لكي لا أفسد المقابلة ثم سألت الشيخ خليل ما موقفك من المعركة التي دارت حول "الشفاعة" و"حجية السنة"؟
ــ أنا كتبت في "الأهالي" مقالات نقدت ونقضت فيها آراء مصطفي محمود الخاصة بالشفاعة وأثبت أنها في الأصل فكرة كتبها كاتب ماليزي ثم جاء مصطفي محمود وأخذ الفكرة ووضع عليها وحذف منها، وكتاب الكاتب الماليزي موجود بالأسواق في مكتبة مدبولي الصغير وكتب له د. حسن حنفي المقدمة ولكني لا أتذكر عنوانه الآن والدكتور مصطفي محمود أخذ منه نفس الكلام وأمسكت بأخطاء معلوماتية وتاريخية سواء إسلامية أو غيرها لمصطفي محمود، مما أذكره أنه كتب أن وفدًا من دير سانت كاترين قد ذهب إلى الرسول هذا الكلام ليس له أي أساس من الصحة وهكذا، ولكن للأسف الشديد كتاباتنا لا تجد نفس الرواج، أما مسألة الشفاعة فلم يأت مصطفي محمود بجديد فهي مثارة منذ أيام المعتزلة منذ أكثر من ألف عام، ومناقشتها الآن ترف فكري فلماذا لا يتكلم مصطفي محمود عن العشوائية ولماذا لا يطالب بحقوق الناس المطحونة؟ وأنا لا أري ما يدعو لهذا الترف الفكري.

أما عن حجية السنة، فأنا أهاجم من يقول بعدم حجية السنة، فهذا هدم للدين لأن السنة هي المصدر الثاني وأنا ضد هدم السنة علي خط مستقيم وكتبت في كتابي "شدو الربابة" حتي الأحاديث المعلولة والضعيفة ولي كلمة أن السنة هي ديوان الإسلام وليس في مصلحة الإسلام كدين وديانة ولا في مصلحة الحركة التقدمية الهجوم علي السنة لأن الإسلام لا يقوم بالقرآن وحده، وإنما بالقرآن والسنة، وما ذكره البعض حول أن السنة تم تدوينها متأخرًا ليس صحيحًا لأن تدوين السنة بدأ مبكرًا جداً وعبدالله بن عمرو بن العاص كان عنده صحيفة أسماها الصادقة ولازالت إلى الآن برواية وهبة بن منبه وهي مدونة، ثانيًا الوفود التي كانت تأتي والكتب التي أرسلها الرسول إلى حكام الدول المجاورة وفي حجة الوداع كان هناك رجل اسمه أبي شاه كتب له الرسول: ألا تعتبر هذه الأحاديث بداية حركة التدوين؟

· أريد معرفة "تعريفك" لهذه المصطلحات "العلمانية"، "العولمة"، "التنوير"؟
ــ الناس الذين في الضفة الأخرى يحاولون تطبيق مصطلح العلمانية الذي نشأ في أوروبا في ظروف خاصة ولدين خاص ولا يمكن تطبيقها علينا وليس هناك ما يمنع أن تكون علمانيًا وصحيح الإسلام وأرفض فكرة أن العلماني كافر فهذا غير صحيح وأنت تنقل مصطلحًا نبت في بيئة معينة وفي ظروف تاريخية مثلما تنقل نباتاً من خط الاستواء تزرعه في شمال أوروبا، وليس من الضروري أن كل مصطلح في الغرب يكون له هنا مقابل، حتي المستشرقون الذين يتكلمون اللغة العربية بصورة جيدة يقولون إن ترجمة القرآن صعبة لماذا لأنك عندما تنقل لغة القرآن إلى لغة أجنبية حتي لو كان المترجم يعرف عربي كويس ولكنك لا تستطيع نقلها بالدقة التي قصدها القرآن، فمثلاً مستشرق ــ عندما ترجم " فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ " ليس بمعني معطلة ولكن على اعتبار أنها معلقة في السقف.

العولمة والكوكبة هذه المعركة ليست تافهة ولا حقيرة وأحترم من تكلم عن العولمة ولكن فيها نوع من القفز والجميع يقولون إن العولمة هي سيطرة أمريكا، ونحن بدلاً من بذل الجهد في تغيير أحوالنا والكتابة عن التخطيط والعدالة الاجتماعية نترك كل هذا ونتفرغ للكتابة عن البحث في ماهية العولمة، أما التنوير فله أساس في القرآن، الرسول سمي نورا والقرآن نورا وإذا كان المقصود بالتنوير طرح أفكار عقلانية فلسي هناك مانع وأعتقد أن له جذورًا في النصوص المقدسة، وهناك المحاولة التي قام بها المعتزلة قديمًا ومن بعدهم ابن رشد، وقصدوا بمحاولاتهم الجمع بين النص والعقل وليس التسليم الكامل للنص، لذلك نادوا بتحكيم العقل وهذا ما أفهمه من مصطلح التنوير، ومثلاً يقول النفري الجمع بين النص والمصلحة ولم يقل العقل ومن رأيه أن هذه النصوص جاءت من أجل مصلحة الناس وفي حالة تعارضها مع هذه المصلحة يكون الخطأ من التفسير وليس من النص.
· ختامًا سمعت أن الكتاب الذي تكتبه الآن عنوانه "تصنيع نبي" وأعترف: صدمنى العنوان.
ــ طبعًا هذا العنوان ليس صحيحًا وأنا الآن أكتب كتابين، الأول عن فترة التأسيس في حياة النبي، والذي جعلني مهتمًا بهذه الفترة هو اندهاشي من تلك العتمة التي تلف المرحلة من زواجه بالسيدة خديجة وحتى بداية نزول الوحي، إننا لا نعلم شيئاً عن هذه الفترة. والكتاب الثاني عن حول التفرقة ما بين القرآن الذي كتب في عهد عثمان، والقرآن الذي كان محفوظًا في صدور الصحابة.

***
وهكذا سيدي القارئ انتهت المقابلة مع الأستاذ خليل عبدالكريم وبقيت أسئلة معلقة تحتاج إلى جواب، منها مثلاً كيف سيبحث عن فترة التأسيس والمصادر التاريخية الإسلامية قد أغفلتها؟ أعني من أين سيأتي بمادة بحثه؟ ومنها مثلاً هل يري الأستاذ أن هناك "فرقًا" بين القرآن الذي كان في صدور الصحابة لكي يصبح الأمر مادة للبحث؟

وفي النهاية أعترف بأنني أجريت المقابلة وأنا رافض لكثير من آرائه وقابل لبعضها وخرجت من المقابلة وأنا كما كنت.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت فى جريدة القاهرة ــ 28 نوفمبر 2000