الثلاثاء، 16 يوليو 1996

أخي أشرف.. قل هذا للملائكة





يا أشرف سيجيئك الملكان فقل لهما: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وأن الموت حق وأن الحياة سخف وقل لهما أنا عبدالله أشرف بن يوسف بن إبراهيم لم ترقص أمي في عرسي ولم ترم أختي عليّ حبات الملح ولم يطلق عمي طلقات الرصاص احتفالاً بزفافي ولم يتصدر اسم أبي بطاقة الدعوة قل للملكين أنا أشرف لم تأخذني أمي على صدرها, بينما ملاك الموت يرفرف بأجنحته حول سريري ولم يحضر خالي مراسم غسلي ولم يتشبث ابن عمي بجسدي العاري.

 قل للملكين يا أشرف أنا الولد الغريب عشت غريبًا ومت غريبًا, قل لهما يا أشرف أنا أصلي الصبح وأفطر بكوب شاي أسود ولا أحلم إلا بالضروري والمتاح وأنا عشت أضاحك زملائي وأحبهم وأرقص في أفراحهم, قل يا أشرف لملائكة الرحمن أن الحياة سخيفة وقاسية وخشنة وأنها تمص دمنا وتدهس أحلامنا وتبتر أشواقنا, قل يا أشرف لملائكة الرحمن إن الولد خالد الدخيل أخذ يصرخ يا رب يكون حلم يا رب يطلع كابوس, قل لملائكة الرحمن يا أشرف أنك زميل الغريق رضا زعفان وأنك حبيب زملائك وأنك لم تغضبهم أبدًا, قل لملائكة الرحمن يا أشرف أن يدعوا لنا ربهم يخفف عنا قسوة هذه الحياة التي نعيشها رغم أنوفنا

 وآه يا أشرف يا ابن أم ... يا ابن ذات الجروح والقروح والمواجع والدمامل لقد وقفت صباح غيابك في صالة التحرير وأخذت أشرب بعيني وجوه الأولاد والبنات وقلت لهم من فيكم يا أولاد الكلب سيخون ويذهب للراحة الأبدية الصموت ويتركنا نحن في هذه المتاهة. أشرف ربما أكون أنا من سيخون ويرحل مبكرًا ربما يكون هذا الولد الضاحك أو هذه البنت الشقية لا أحد يعلم يا أشرف من منا سيلحق بك أولاً.

أشرف قل لملائكة الرحمن إن قلوبنا لم تعد تحتمل وأننا شخنا قبل الأوان قل لهم يا أشرف لقد عذبتم قلوب زملائي.. وآه يا أشرف متى سنلتقي متى
__________________________________
*أشرف زميل صحفي توفي فجأة في حادث أليم
نشرت فى جريدةالأحرار - 15 يوليو 1996

الخميس، 11 يوليو 1996

سيد مكاوي من "خندق" الإبداع إلى "خية" الحرفية





هل امتلكت المواجع قلب صلاح جاهين إلا "لينزف" الرباعيات فيكتب لها سيد مكاوي خلودًا أبديًا فتظل أصواتنا تقطر أسى وهي تردد خلفه "دخل الربيع يضحك لقائي حزين.. نده الربيع على اسمي.. لم قلت مين.. حط الربيع أزهاره جنبي وراح.. وإيه تعمل الأزهار للميتين؟". 

إنه سيد مكاوي من أجله خطفت زحمة الموالد قلب صلاح جاهين وانبجست روحه شعرًا صافيًا ليكتب الليلة الكبيرة ويأخذها "عود" مكاوي ويجعلها النشيد الرسمي الذى به يفتتح السهارى مهرجان لياليهم.. ومكاوي هو المسحراتي الذي عانقت "طبلته" جلال شعر فؤاد حداد.. وغناه كأنه يرتل تاريخ أحزاننا.. تسمعه وهو يصرخ "إن الفجر لمن صلاه" فينتفض قلبك من جلال الشعر والموسيقى. 

لا تحس وأنت تسمع سيد مكاوي إنه غريب عنك لأنه ظل وفيًا ومخلصًا لأعظم ما في موسيقى الشعب من معان حتى ليبدو وكأنه يترجم نداءات البائعة وأشواق "المجاذيب" الذين يريدون الهروب من حصار أجسادهم ليلحقوا بركب النور الإلهي. 

ولكن الرجل يركل بفظاظة كل هذا المجد ويدمي قلوبًا أحبته ويكون الوحيد والأوحد الذي يغني للسادات وهو يخون دم الشهداء في تل أبيب سمعناه يغني "كان قلبي معاك طول ما أنت هناك / الله يخليك ويبارك فيك / ويخلينا لك وتعيش يا سادات"!!.. لم يجرؤ أحد على أن يغني للسادات وهو واقف في الكنيست يمحو بكلماته تاريخًا من النضال وتراثًا من دم الشهداء لماذا فعلها سيد مكاوي؟ لا إجابة. 

ومن يومها تباعدت موسيقاه عن نبعها الذي طالما نهلت منه وأصبحت ألحانه ترزح تحت وطأة زخارف إيقاعية لا تمس سوى سطح جلود "العوالم" ولا تنفذ أبدًا إلى قرار أرواحنا كما كانت تفعل ألحانه السابقة. 

وفي الأسبوع الأخير من يونية 1996 شن مكاوي هجومًا تعافه نفس أي فنان على فنان الشعب الراحل الشيخ إمام عيسى فقد صرح لمجلة الوسط بما نصه "لم أسمع إماما في حياتي إلا في ثلاث أغنيات!! الأولى كان يشتم فيها عبدالناصر, والثانية كان يشتم فيها السادات, والثالثة كان يمجد فيها واحد اسمه جيفارا!! ومعلوم أن أي شهيد من شهداء حرب أكتوبر أحسن من جيفارا مائة مرة"!! 

انتهى كلام مكاوي وعلامات التعجب من عندنا ولا نستطيع مناقشة التزوير والخلط الذي مارسه الرجل.. فما عادت تجدي المناقشة. 

فقط تحيرني هذه الأسئلة.. لماذا "يخيبون على كبر؟". 
لماذا لا يكتملون؟ لماذا لا يواصلون رحلتهم؟ كلها أسئلة تفرضها حالة سيد مكاوي وغيره من المبدعين الذين ينتقلون بيسر وسهولة من خندق الإبداع إلى "خية" الحرفية. 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة الأحرار - 11 يوليو 1996 


الخميس، 4 يوليو 1996

الشيخ إمام.. الحصار قدرك




تعلم يا شيخنا أن مصر "مصران" الرسمية منهما حاصرتك حيًا وميتًا "معها حق" والشعبية أنابت بنتًا في العشرين من عمرها وقفت ليلة رحيلك في شهر يونيو من العام الماضي على باب سرادق العزاء تغني أغانيك وتحتفي بك بمزاج مصري صاف.. وغني معها المعزون.. وتوقعنا حضورك ليلتها ليكتمل الفرح ويرتفع النشيد.

عمي الشيخ إمام.. نحن والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه كما تركتنا نلف وندور في ذات الحلقة الجهنمية التي تمكنت من رقابنا ولا نستطيع الخلاص منها.. طبعًا أنت في شوق لمعرفة أحوال أبو النجوم الفاجومي أحمد فؤاد نجم رفيق الرحلة و"أخو الوجيعة" هو بخير ومنتشر ومتوغل في عدة جرائد ومجلات وقنوات تليفزيونية وأخيرًا "تعارك" مع حبيب إسرائيل "علي سالم" وهذه "العركة" لم تمنعه من كتابة الأغاني لواحد اسمه "إسلام" وواحد آخر اسمه "مدحت صالح" والاثنان سافرا إلى إسرائيل فتأمل يا شيخنا وتعجب!!

المؤسف يا عم الشيخ أن أحدًا لم يعد يغني أغنيتك "يا فلسطينية" فقد أصبح اسم فلسطين الرسمي والشعبي أيضًا هو "غزة + أريحا أولاً"!!

كما أحب أن أعرفك أن زمان المعتقلات قد انتهى تماماً فلا هناك "قلعة" ولا "واحات" ولا "طرة" فلقد تكفلت التكنولوجيا الأمريكية بإنشاء معتقلات "أنعم" من أنوثة "سعاد حسني" وأطلقوا عليها أسماء أجمل من "آهات" فيروز مثل معتقلات التليفزيون ومعتقلات أن يحكمك فلان وعلان وترتان ومعتقلات البحث عن شقة ومعتقلات البحث عن عمل وعن كرسي فاضي في الأتوبيس وهكذا نحن نعيش في زمن "حرية المعتقلات". وبمناسبة المعتقلات أرجو منك أن تتفضل وتبلغ المعتقل فؤاد حداد أن دواوينه لم تطبع بعد ولن تطبع وذات الرسالة بلغها ليحيي الطاهر عبدالله, كما أرجو أن تبلغ أمل دنقل أن "لصًا" قد نشر ديوانه مشوهًا وربح آلاف الجنيهات.

وإن صادفت يوسف إدريس فأبلغه السلام وقل له "النداهة" لم تحتفل ولو بكلمة بذكرى رحيلك السادسة.. وأعرفك يا عم الشيخ أنه في الطريق إليكم صلاح أبو سيف فبرجاء مراعاة جلال شيخوخته وأرجو أن "تهش" من حوله كل الذين عطلوا مشاريعه السينمائية فلعله يتمكن من إخراج فيلمه "مدرسة الحب".

عمي الشيخ أعرف أن بينك وبين عبدالناصر "شوية حسابات" ولكن "يا بخت من قدر وعفي" والنبي يا عمي الشيخ تبقى تشقر عليه وتطيب جروحه لأنك عارف هو عزيز علينا قد إيه.. عمي الشيخ من ناحيتنا يهديك السلام صلاح عيسى وفؤاد قاعود وسيد حجاب وكل طلاب الجامعة والثانوي وكل أعضاء حزب الله وحركة حماس والجهاد كما تبلغك السلام السيدة صافيناز كاظم وتعرفك أنها لا تستمع سوى لأغانيك ولقرآن الشيخ محمد رفعت.

عمي الشيخ "سايق عليك المحبة" ابقى افتكرنا ومتنسناش ومن ناحيتنا سنظل نردد مع صلاح عبدالصبور "موتانا يا قوت القلب في زمن شحت فيه الأقوات لا تنسونا حتى نلقاكم".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت في جريدة الأحرار - 4 يوليو 1996